المصريون لا يبالون باستمرار الحكومة أو تغييرها

هل تغيير الحكومة مقدمة لتحسن الأوضاع المعيشية لدى المصريين؟
الاثنين 2024/04/22
الأزمة في السياسات وليست في الشخوص

القاهرة - يعكس عزوف شريحة كبيرة من المصريين عن الاهتمام بما يثار من توقعات وتكهنات مرتبطة بتعديل وزاري مرتقب، ارتفاع منسوب عدم الثقة في حدوث مفاجآت أو أن يكون تغيير بعض الوزراء أو الحكومة برمتها مقدمة لتحسن سريع في الأوضاع المعيشية، خلاف الشغف في الماضي بمعرفة شكل الحكومة الجديدة.

ويطغى شعور شبه عام بأن الكثير من الوزارات في واد والشارع في واد آخر، ومهما كان هناك اتجاه داخل السلطة لتغيير تركيبة الحكومة لن يفضي لنقلة على مستوى المطالب التي تمس صميم حياة الناس، ما يوحي باتساع الفجوة بينهم والحكومة.

وخرجت بعض الصحف المصرية، الأحد، بعناوين تشير إلى إمكانية استمرار حكومة مصطفى مدبولي، وحددت التغيير في عدد من الحقائب الوزارية التي أثارت تصرفات بعض المسؤولين عنها غضبا شعبيا.

ويداوم مقربون من السلطة على إرسال إشارات بشأن إجراء تغيير واسع في الحكومة، وآخرها البرلماني والإعلامي مصطفى بكري الذي تحدث عبر برنامجه “حقائق وأسرار” على فضائية “صدى البلد” عن وجود نية للإطاحة بنحو 15 وزيرا والاستعانة ببعض الوجوه الشابة، والتركيز على حقائب خدمية.

وتهدف دوائر شبه رسمية إلى رفع الحالة المعنوية للمواطنين ومنع تسلل الإحباط لشريحة كبيرة منهم بشأن إمكانية أن يقود تغيير الحكومة أو العدد الأكبر من وزرائها إلى واقع اقتصادي واجتماعي أفضل، لكن شعبيا لم تكن رسائل الإعلام وبعض نواب البرلمان لها ردة فعل قوية في شارع منهك في مواجهة ضغوطات معيشية.

طلعت خليل: اختزال الأزمة في الحكومة يحمل هروبا من الأزمة
طلعت خليل: اختزال الأزمة في الحكومة يحمل هروبا من الأزمة

وتبرر فئة من الناس عدم اكتراثها بما سوف يؤول إليه التغيير بأن المسؤول عن أي حقيبة هو موظف منزوع الصلاحيات، ويكتفي بتنفيذ السياسات التي تُرسم له ويُطلب منه تطبيقها، سواء أكان مقتنعا بها أم لا، ما يعني استمرار نفس التوجهات السابقة.

ويكاد يقتصر اهتمام المواطن المصري على مدى تركيز الحكومة على تحقيق مطالبه وتدبير احتياجاته الرئيسية، ونجاحها في السيطرة على ارتفاع الأسعار وتحسين الأوضاع الاقتصادية، ومن دون الوصول إلى تحقيق هذه النوعية من الأهداف فكل ما يتم التسويق له من إنجازات تنموية قد لا يكون له قيمة في الشارع.

ويرى مراقبون أن مشكلة حكومة مدبولي التي تشكلت منذ ست سنوات في أنها لم تتواصل مع الناس في الملف الاقتصادي بخطاب يناسب تطلعاتهم، فالمجتمع يضم 40 في المئة ممن لا يجيدون القراءة والكتابة، ولا علاقة لهم بما يدور حولهم من تصورات اقتصادية وسياسية.

واعتادت الحكومة التحدث عن أرقام وخطط لا تهم الشريحة الأكبر من الناس أو لا يستوعبونها، ممن ينقصهم الوعي أو البسطاء الذين ينشدون الحد الأدنى من الحياة الكريمة، وركزت جهودها على مخاطبة فئة يعنيها معرفة الخطط والإستراتيجيات والصفقات، ما خلق فجوة شاسعة بينها وبين الأغلبية السكانية.

وهذه الشريحة لا تتابع ما يثار حول إجراء تغيير في الحكومة ولا تهتم بهوية الوزراء الراحلين أو المرشحين الجدد، ولا يعنيها اسم رئيس الحكومة أو خلفياته، طالما السياسات نفسها مستمرة، ومهما كانت الأسماء الجديدة لامعة، فالواقع المعيشي على الأرض بحاجة لما يشبه المعجزات كي يشعر الناس بتغيير حقيقي.

وأكد طلعت خليل ممثل الحركة المدنية المعارضة في الحوار الوطني وأمين حزب المحافظين أن مشكلة الشارع ليست في بقاء الحكومة أو رحيلها، وهناك شعور بأن تغيير الوزراء قد لا يغير الواقع الراهن، واختزال حل الأزمة في الحكومة وتركيبتها فقط يحمل هروبا من الأزمة، ولا يقود إلى ظهور بوادر نحو الأفضل.

وأوضح خليل في تصريحات لـ “العرب” أن المواطن البسيط لا يعنيه اسم الوزير المختص، بل من يتدخل لحل مشكلة ويوفر سلعة بسعر عادل،ورئيس حكومة يملك حلولا ناجزة للأزمة الاقتصادية، فالناس تعيش وسط ضغوط فاقت قدرتها على التحمل، لذلك يرون أن التغيير الوزاري عصا سحرية.

وتسبب عناد البعض من الوزراء في فقدان الكثيرين الأمل في إمكانية أن يأتي غيرهم بنهج جديد يقوم على الاستماع لرؤى الخبراء والمتخصصين وعدم التمسك بقناعات ضيقة تسببت في أخطاء انعكست على حياة الناس.

وقال طلعت خليل لـ”العرب” إن أي تغيير وزاري سيأتي سياسيا على مقاس السلطة الحاكمة، وهذا مرتبط بالمناخ العام ووجود شبهة تعمد لإضعاف الأحزاب واستغلال كسل بعضها.

ويربط متابعون بين عدم ثقة الناس في جدوى تغيير الحكومة وبين الطريقة التي تُدار بها، إذ يصر عدد كبير من الوزراء على إظهار أن تحركاتهم مصدرها رئيس الدولة، ويتحدثون عن أن ما يفعلونه يأتي بـ”تكليفات رئاسية” وتنفيذا لـ”توجيهات الرئيس”، ما جعل المواطنون يشعرون بأن الأهمية المعنوية للحكومة برمتها تراجعت.

الحكومة المصرية اعتادت التحدث عن أرقام وخطط لا تهم الشريحة الأكبر من الناس ما خلق فجوة شاسعة بينها وبين الأغلبية السكانية

قد تكون تدخلات الرئيس عبدالفتاح السيسي في أعمال الوزراء مرتبطة بتنفيذ رؤية لها علاقة بتطلعات الشارع، لكن البعض من المسؤولين يرجعون كل صغيرة وكبيرة ضمنيا إليه بحجة أن ذلك يحصنهم من الانتقادات، ما جعل السيسي في نظر الناس يتحمل وحده الإنجازات والإخفاقات أيضا.

وجزء من إحباط الشارع تجاه التعديلات المرتقبة في الحكومة أن طريقة إدارة الوزارات عمقت سخط الشارع، وأوجدت يأسا من التغيير إلى الأفضل، في ظل عدم وجود آلية وإجراءات حاسمة داخل الحكومة لمحاسبة أي مسؤول عن الإخفاقات.

وأصبحت جهات رسمية مطالبة بتوصيل رسائل إلى الشارع بأن صوتهم محل اهتمام وتقدير، وأن التغيير المرتقب في الحكومة أبعد من مجرد تغيير في الوجوه، لأن هذا المسار يمثل البداية الحقيقة لإعادة صناعة الأمل وتهدئة غضب الناس وتقليل الفجوة بينهم والحكومة.

ومن المهم إعادة الاعتبار إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى من البرلمان) ليقوم بدوره كممثل للشعب في محاسبة الحكومة ورقابة أعمالها وسياساتها بما يجعل المواطنين يشعرون أن هناك تغييرا ملموسا، لأن اقتناع الرأي العام بأن مصر ليس بها برلمان حقيقي يرصد الفساد والقصور والفشل ويحاسب الوزراء على أخطائهم يكرس الإحساس بأن وجود الحكومة والبرلمان هما والعدم سواء.

وتظل أزمة البرلمان المصري أنه أوحى للكثيرين بأنه يتحرك وفق الخطوط المرسومة له، نظرا إلى تركيبته السياسية، حيث يسيطر على غالبية أعضائه نواب محسوبون على الحكومة، وما يحدث علانية قد يجري الإعداد له في الخفاء ليظهر كمؤسسة معارضة أحيانا، ما يفسر جزءا من عدم الاكتراث بما يدور حول التغيير الحكومي.

2