الخدمة العسكرية فرصة للشباب في المغرب لتطوير المهارات والتأهل إلى سوق العمل

التوظيف في الجيش يمثل أملا لأبناء المناطق المهمشة للنجاة من الانحراف.
الأحد 2024/04/21
إقبال متزايد

تلقى الخدمة العسكرية في المغرب إقبالا متزايدا من قبل الشباب والفتيات لما تتيحه لهم من فرص جديدة لتعويض ما فاتهم جرّاء الانقطاع الدراسي بتعلم مهن والتدريب على مسارات جديدة تفتح لهم أبواب سوق العمل.

الرباط - تشكل الخدمة العسكرية في المغرب فرصة جديدة للشباب الراغبين في تطوير قدراتهم المعرفية والمهنية، والمتطلعين لدخول سوق الشغل مع توفرهم على مهارات وكفاءات مناسبة للتخصصات المطلوبة.

وأعربت هادية وهي شابة مغربية أنها “تتمنى أن تكون ضمن النساء اللاتي يؤدين الخدمة العسكرية الإجبارية في المغرب رغم معارضة أهلها الذين يرون أنها مهمة شاقة على النساء”، فهي ترى في الأمر “حلا لمشكلة البطالة التي تعاني منها منذ سنوات”. ورغم أن البطالة هي دافعها الأساسي، فهي تضيف أنها “تحب بلدها ومستعدة للدفاع عنه حتى في حالة الحرب”.

وتلقى الخدمة العسكرية، التي انطلقت عملية الإحصاء الخاصة بها مطلع مارس الماضي وتستمر إلى غاية 29 أبريل الجاري، إقبالا متزايدا ونوعيا من قبل الشباب، بالنظر إلى المسارات التكوينية والمهنية التي تتيحها للمستفيدين، وأهدافها المتمثلة في تطوير القدرات المعرفية والمهنية والخضوع لتدريبات بدنية وعسكرية، مع الاستفادة من أجرة وتغطية صحية وتأمين.

وعلق المغرب العمل بالخدمة العسكرية في 2006 التي كانت تسري حصرا على الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عاما. أما الإناث فكان بإمكانهن التطوع لأداء هذه الخدمة إذا ما أردن ذلك بشرط أن يكن عازبات ولا يُعلن أيّ أطفال.

ثم أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس استئنافها اعتبارا من عام 2019. وجاء في بيان للديوان الملكي أن الخدمة العسكرية تهدف إلى “إذكاء روح الوطنية لدى الشباب، كما تفتح أمامهم فرص الاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية”.

وعلل البيان سبب إقرار القانون بأن “تطبيق الخدمة العسكرية يهدف إلى إذكاء روح الوطنية لدى الشباب، في إطار التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة. كما يفتح أمامهم فرص الاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية، وخاصة أولئك الذين يبرزون مؤهلاتهم ويتحلّون بروح الوطنية والانضباط، لاسيما من خلال الانخراط في مختلف القوات العسكرية والأمنية”.

وأصبحت الخدمة العسكرية في المملكة توفر فرصة للشباب لتعميق وتطوير خبراتهم ومهاراتهم خاصة في مجالات مهنية أو تقنية تمكنهم من تعزيز شروط الاندماج في الحياة العامة أولا، وثانيا لتعميق منظومة القيم خاصة ما يهم الدفاع عن الوطن ووحدته.

التجربة العسكرية تمكن الشباب من الحصول على شهادات تكوين مهني متعددة تسهل دخولهم إلى سوق الشغل في العديد من التخصصات

ويستفيد المجندون من “أجرة وتعويضات” كما يستفيدون من “التغطية الصحية ومن العلاج في مؤسسات استشفائية عسكرية”.

وتهم هذه الخدمة الأشخاص البالغين ما بين 19 و25 سنة، مع إمكانية استدعاء الأشخاص البالغين أكثر من 25 سنة والذين استفادوا من الإعفاء لأداء الخدمة العسكرية إلى حين بلوغهم 40 سنة إذا زال سبب إعفائهم.

وتشهد عملية الإحصاء الخاص بالخدمة العسكرية على وعي الشباب وآبائهم بأهمية هذا الواجب الوطني، من خلال الاستفسار عن برامجها وخدماتها المختلفة، وتثمين مجرياتها في السنوات السابقة التي عرفت إقبالا كبيرا من قبل الشباب الراغبين في الاستفادة من برامجها المتنوعة.

وقبل الاستفادة من هذه التجربة تطرح عدة أسئلة من قبل الشباب وذويهم حول أهميتها ومراميها الاجتماعية والشخصية التي تلقى الإجابة المناسبة من قبل المشرفين عليها، مما يدل على الاهتمام المتزايد للاطلاع على تفاصيلها وحيثياتها المفيدة لكل المستفيدين.

ويتعين ملء الاستمارة الخاصة بالخدمة العسكرية من قبل الأشخاص الذين تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية، وكذلك من طرف الأشخاص الذين يتطوعون من تلقاء أنفسهم لتأدية هذه الخدمة.

وبعد انتهاء عملية الإحصاء المتعلق بالخدمة العسكرية يتم حصر هذه الطلبات وإيداعها لدى اللجنة الإقليمية في كل عمالة وإقليم، والتي تحدد عدد الاستمارات التي تم ملؤها من قبل الأشخاص الذين تم استدعاؤهم أو أولئك الذين تقدموا طواعية بطلباتهم لتأدية الخدمة العسكرية، ليتم حصر العدد الإجمالي ذكورا وإناثا، على مستوى كل إقليم.

تجربة مفيدة
تجربة مفيدة

وتمر هذه العملية في أجواء من الثقة والوعي بأهميتها بالنسبة إلى الشباب المستفيدين منها، إدراكا منهم بإيجابيات الخدمة العسكرية وما توفره من فرص لتأهيل الشباب للولوج إلى سوق الشغل.

وكانت هدى تأمل بالعمل كممرضة بعد أن أنهت دورة تخصصية في هذا المجال، لكن الحظ لم يحالفها. وهي تأمل كما الآلاف غيرها أن يتم اختيارها لأداء الخدمة العسكرية.

وتطوعت الشابة (23 سنة) لأداء الخدمة العسكرية كي “تطور مهاراتها في مهنة التمريض”. وتضيف بينما تجلس تحت خيمة الى جانب متطوعات ومدعوّين في انتظار اجتياز الفحص الطبي في إحدى قاعات القاعدة العسكرية الجوية في القنيطرة (شمال الرباط) أنها تطمح إلى يساعدها ذلك في الحصول على عمل، ما لم توظَّف في القوات المسلحة.

والقاعدة هي واحدة من 17 مركزا عسكريا تفتح أبوابها خلال فترة الإحصاء من كل عام لاستقبال الآلاف من الشباب ذكورا واناثا والذين تتراوح أعمارهم بين 19 و25 سنة. وتختار لجان متخصصة من بينهم من يؤدي الخدمة العسكرية.

وتستغرق الخدمة العسكرية سنة واحدة يتلقى المجندون في الأشهر الأربعة الأولى منها تكوينا عسكريا عاما، ثم تكوينات مهنية متخصصة في 14 مركزا للقوات المسلحة الملكية. وينقل المجندون الذين يتم انتقاؤهم مباشرة في حافلات إلى تلك المراكز.

وتركت فاطمة الزهراء (23 سنة) هي الأخرى الدراسة قبل الحصول على شهادة البكالوريا لتعمل في مصنع. لكنها “غير مقتنعة بهذا العمل”، وتأمل أن تتيح لها الخدمة العسكرية تكوينا في مهنة التمريض وأن توظف في القوات المسلحة الملكية.

وتشير الشابة إلى أنها شعرت بالقليل من الخوف في البداية “بسبب ما يقال عن مشاق التكوين العسكري بالنسبة إلى الفتيات”، لكنها الآن لا تخشى سوى أن يتم رفض ملفها. وتؤكد “لسنا أقل كفاءة من الأولاد”.

أداء الخدمة العسكرية يتيح للمجند اكتساب مجموعة من الصفات الأساسية لاسيما على مستوى التحلي بروح المسؤولية والالتزام والانضباط

وفي قاعة مجاورة، تجرى الفحوصات الطبية والمقابلات مع لجنة مكونة من مسؤولين عسكريين.

ويحلم ياسين (23 سنة) بدوره بوظيفة في الجيش أملا في تحسين أوضاعه، “فالمستقبل مضمون والخدمات الطبية مجانية”، كما يقول بحماس ممزوج بالقلق من رفض ملفه، “لكونه يعاني ضعفا طفيفا في النظر”.

وترك هذا الشاب الذي يقطن في القنيطرة الدراسة مبكرا ليعمل في النجارة ويساعد في إعالة الأسرة، لكنه لا يحصل في أحسن الأحوال سوى على 500 درهم (حوالى 45 يورو) في الأسبوع. ويقول “هذه فرصتي لأنقذ نفسي وأنقذ عائلتي”.

ويوضح القائد المنتدب للحامية العسكرية (منطقة عسكرية) للقنيطرة الكولونيل ماجور عبدالناصر ميزوري لوكالة فرانس برس أن الأولوية في توظيف المجندين مستقبلا ستعطى لمن أدوا الخدمة العسكرية.

ويشير المسؤول العسكري إلى أن مدى استعداد المدعوين معنويا لأداء الخدمة العسكرية يعد من المعايير الأساسية التي تعتمدها اللجنة المكلفة بدراسة ملفاتهم. ويمثل الحصول على وظيفة في القطاع العمومي حلما بالنسبة إلى الكثير من الشباب المغاربة، لكونه يوفر ضمانات استقرار.

وفضلا عن ضمان “استقرار” اجتماعي، يرى محمد (23 سنة) الذي ترك الدراسة أن التوظيف في الجيش “يمثل أيضا أملا لأبناء الحي للنجاة من الانحراف”.

وبحسب الموقع الرسمي للخدمة العسكرية فإنها “تجربة مفيدة ورائدة في مسار حياة المواطن، وقيمة مضافة تسمح للمجند بتلقي مجموعة من الدروس والتجارب الهامة التي من شأنها أن تساهم في إغناء حياته الخاصة والمهنية”.

Thumbnail

كما تشكل هذه الخدمة فرصة “مفيدة بتدريباتها المختلفة وتكوينها المهني المتميز ومتعدد الاختصاصات تُتوج بشهادات مهنية يمكن أن تفتح باب المستقبل للشباب”، وهي “مناسبة للتعرف على شباب من نفس السن، شباب كله حيوية وإرادة وطموح، يمثل مختلف جهات المملكة ومختلف اللهجات”.

وشهدت تجربة الخدمة العسكرية العام الماضي إضافة تخصصات جديدة مطلوبة في سوق الشغل الوطنية. وقال الكاتب العام بمديرية الشؤون الانتخابية بوزارة الداخلية عبدالصادق بنعدي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الخدمة العسكرية تعد فرصة متميزة تعزز ولوج الشباب إلى سوق الشغل في القطاعين العام والخاص.

وأوضح أن هذه التجربة، إلى جانب المزايا التي تنطوي عليها هذه الخدمة في مجال التأهيل العسكري والإعداد البدني وتطوير المهارات الاجتماعية والنفسية، تمكن المنخرطين من الحصول على شهادات تكوين مهني متعددة معترف بها من قبل الدولة تسهل دخولهم إلى سوق الشغل في العديد من التخصصات بمختلف المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية والمدنية.

وأضاف بنعدي أن الخدمة العسكرية ستمكن الشباب من الانخراط في الحياة الاجتماعية والمهنية، شأنها في ذلك شأن كافة البرامج الموجهة للشباب، التي تحظى بعناية خاصة من قبل الملك محمد السادس.

وسجل أن تجربة الخدمة العسكرية ساهمت بشكل ملموس في تمكين خريجي فوج 2019 من الالتحاق بمؤسسات الأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية، فضلا عن مؤسسات أخرى في القطاعين العام والخاص.

ويتيح أداء الخدمة العسكرية للمجند اكتساب مجموعة من الصفات الأساسية، لاسيما على مستوى التحلي بروح المسؤولية والالتزام والانضباط.

Thumbnail

وشهدت النسخ السابقة من هذه الخدمة إقبالا كبيرا من قبل الشباب، ذكورا وإناثا، الذين يرون في الخدمة العسكرية فرصة سانحة من أجل اكتساب مهارات تساعدهم على تطوير حياتهم وتقوية مساراتهم المهنية ومعلوماتهم المعرفية.

ويستفيد المجند خلال مدة الخدمة العسكرية من إجازات دورية واستثنائية تحدد بموجب القوانين الجاري بها العمل في مراكز التكوين ووحدات التعيين طبقا للمقتضيات الجاري بها العمل في أنظمة القوات المسلحة الملكية.

وتتضمن الامتيازات أجرة شهرية غير خاضعة لأيّ ضريبة أو اقتطاع، تتراوح بين 1050 درهما (110 دولارات) بالنسبة إلى الجندي و1500 درهم (157 دولارا) بالنسبة إلى ضابط الصف و2100 درهم (220 دولارا) بالنسبة إلى الضابط، إضافة إلى التعويض الخاص بالأعباء المحدد مبلغه الجزافي في 300 درهم بالنسبة إلى المجندين في المنطقة الجنوبية.

كما يستفيد المجند من العلاج في المؤسسات الاستشفائية العسكرية والمساعدة الطبية والاجتماعية، والتغطية الصحية والتأمين عن الوفاة وعن العجز مع تحمل الدولة لمبالغ الاشتراك أو المساهمات المستحقة عليها وعلى المجندين.

ويحوز المجند رتبة عسكرية مماثلة للرتب العسكرية وفقا للنظام التسلسلي الجاري به العمل في القوات المسلحة الملكية (ضابط، ضابط صف وجندي، وذلك بحسب الشهادة التعليمية).

وتأتي عملية الإحصاء الخاص بالخدمة العسكرية تنفيذا لتعليمات العاهل المغربي الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بشأن اتخاذ التدابير اللازمة لإدماج الفوج المقبل في الخدمة العسكرية، وفي إطار الإعداد لعملية الإحصاء الممهدة لانتقاء الفوج المقبل وإدماجه.

15