ليست دموع تماسيح

"دموع التماسيح" ليست سوى صورة للكذب الذي يخفي الحقيقة. فالتماسيح تبكي لأسباب عضوية حين تهاجم ضحاياها وليس إشفاقا عليهم.
السبت 2024/04/20
هناك مَن يبكي فرحا وتلك أجمل حالات البكاء

يقال إن امرؤ القيس بن حجر وهو صاحب المعلقة الشهيرة هو أول من بكى في شعره من العرب “قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل/ بسقط اللوى بين الدخول فحومل” مزج الشاعر الملقب بالملك الضليل بين حنينه إلى المكان الذي غادره وحسرته على الحبيبة التي فقدها.

وإذا كانت “الدموع دليل المحب لكنها لا تصلح للعلاج” فإن “العين التي لا تبكي لا تبصر الواقع” في المقابل. ومن هنا جاءت النصيحة الشعبية “امشي وراء الذي يبكيك ولا تمشي وراء الذي يضحكك” فمَن يضحكك قد يضحك عليك في الوقت نفسه.

ليست “دموع التماسيح” سوى صورة للكذب الذي يخفي الحقيقة. فالتماسيح تبكي لأسباب عضوية حين تهاجم ضحاياها وليس إشفاقا عليهم. ومن ذلك ما ورد على لسان سميرة توفيق “ضربني وبكى، سبقني واشتكى” ولكن البكاء فيه راحة لمَن يشتد جزعه. "يا خليلي خلياني ودمعي/ إن في الدمع راحة المكروب" كما يقول أبوفراس الحمداني صاحب "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر/ أما للهوى نهي عليك ولا أمر".

ويقيم البعض علاقة تصويرية بين المطر والدموع كما هو حال نزار قباني الذي يقول “إذا أتى الشتاء/ وحركت رياحه ستائري/ أحس يا صديقتي/ بحاجة إلى البكاء/ على ذراعيك على دفاتري”.

وعلى غرار كتاب جبران خليل جبران "دمعة وابتسامة" يرسم العراقي أحمد الخليل خطا أفقيا هو خط العمر "بين دمعة وابتسامة ينقضي وياك عمري/ ما عرفت درب الندامة سلمت بيديك أمري" والدموع وحدها حكاية طويلة في عالم أم كلثوم المليء بالآهات "كانت الأيام في قلبي دموع بتجري/ وأنت تحلالك دموعي وهي عمري".

وفي مكان آخر تصهر البكاء بالحب فيكونان وجهين لعملة واحدة كما يقال “ما ليش غير الدموع أحباب/ معاها بعيش بعيد عنك” ومع فريد الأطرش وهو سيد البكائين في الغناء العربي تتحول الطبيعة كلها إلى خلفية لصورة حزينة "نجوم الليل دموع تجري على حبي وآمالي/ سواد الليل سطور تحكي عذابي وانشغال بالي”. بعكسه فإن المعاني الكئيبة تخفف من ثقلها على لسان عبدالحليم حافظ "شغلوني وشغلو النوم عن بالي ليالي/ ساعة ابكي وساعة يبكي علي حالي".

وما من رقة تعلو على رقة وردة الجزائرية وهي تصنع من نهر دموعها شاهدا على وحدتها “اسأل دموع عينيا واسأل مخدتي/ كم دمعة رايحة جاية تحكيلك وحدتي”. وفي كل الحالات علينا أن نتذكر أن هناك مَن يبكي فرحا. وتلك أجمل حالات البكاء.

18