اجتياح رفح أولى من الرد على إيران بالنسبة إلى إسرائيل

هجوم طهران يمنح نتنياهو صك استهداف المدينة المكتظة بالنازحين.
الجمعة 2024/04/19
القادم أسوأ

عملية اجتياح مدينة رفح باتت مسألة وقت، حيث تشير المعطيات إلى أن القرار تم الحسم فيه من القيادة الإسرائيلية، لاسيما بعد تآكل التحفظات الأميركية التي باتت ترى بأن اجتياح المدينة الفلسطينية أهون الشرين من رد إسرائيلي على إيران، والذي قد يقود إلى مواجهة واسعة يصعب التكهن بمآلاتها.

لندن - اكتسبت عملية اجتياح الجيش الإسرائيلي المرتقبة لمدينة رفح في جنوب قطاع غزة اهتماما كبيرا، وأصبح تنفيذها يحظى بمباركة عدد من القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل، بما يسبق التوجه نحو الرد على الهجوم الإيراني.

وأعلنت متحدثة حكومية إسرائيلية، الخميس، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حدد موعدا لدخول رفح، فيما نفت الإدارة الأميركية تقارير تفيد بموافقة واشنطن على خطة إسرائيل لمهاجمة المدينة.

وقالت راكيلا كارامسون، متحدثة مديرية الدبلوماسية العامة الوطنية (مكتب إعلامي يتبع رئاسة الوزراء بإسرائيل) “بشأن رفح، حدد رئيس الوزراء (نتنياهو) موعدا وسندخل رفح”، دون ذكر أي تاريخ.

وأضافت “نقدر أي دعم أميركي في تفهم أهدافنا من هذه الحرب، وهي: تحقيق نصر كامل، والتأكد من أن حماس لا تشكل تهديدا لمواطنينا”.

ورغم النفي الأميركي لمباركة الهجوم على رفح، فقد جرى مساء الخميس، اجتماع عبر الإنترنت بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين كبار لبحث الخطط المتعلقة بالمدينة التي تأوي نحو 1.5 مليون نازح فلسطيني.

أيمن الرقب: هدف إسرائيل لن يكتمل من دون اجتياح رفح
أيمن الرقب: هدف إسرائيل لن يكتمل من دون اجتياح رفح

وضم الاجتماع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان من الجانب الأميركي بمشاركة مبعوث بايدن للشرق الأوسط، بريت ماكجورك وآخرين، وعلى الطرف الإسرائيلي ترأس الاجتماع، وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي.

وتقدم خيار القيام بعملية في رفح مع تعثر المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، وهو ما كشف عنه في وقت سابق رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.

ونجح رئيس الوزراء الإسرائيلي في توظيف الهجوم الإيراني سياسيا واستعادة جزء من شعبيته داخليا وخارجيا، والتي فقدها على إثر اتهامات لاحقته بالإسراف في قتل المدنيين الفلسطييين، ومخاوف واسعة من أن تؤدي عملية اجتياح رفح المتوقعة إلى المزيد من الخسائر البشرية.

ولا يستطيع نتنياهو شن عمليتين كبيرتين في وقت واحد، والرد على إيران يمكن تأجيله بعض الوقت، لأن الولايات المتحدة تخشى أن يتحول الرد على الرد إلى قيام طهران بهجوم سريع وأوسع نطاقا على إسرائيل التي لم تنته من عمليتها الرئيسية في قطاع غزة، ومع أن واشنطن أعلنت عدم مشاركتها في أي ضربة ضد إيران، إلا أنها أكدت وقوفها بجانب إسرائيل إذا تعرضت لأي ضربة جديدة منها.

وتحدثت وسائل إعلام عديدة في إسرائيل عن رفح كعملية ذات أولوية على إيران، وركزت على الاستفادة من التعاطف الدولي الذي حصده نتنياهو وأنسى بعض القوى الكبرى تحفظاتها على اجتياح رفح.

وتستطيع إسرائيل ممارسة الصبر الإستراتيجي مع إيران، لكنها لم تعد تتحمل ذلك مع حماس، فاجتياح رفح هو الخطوة التي يراها قادة إسرائيل أنها تجعل الجبهة الجنوبية آمنة سنوات طويلة، إذا نجحت القوات الإسرائيلية في تصفية الكتائب العسكرية الأربعة التابعة لحماس المتمركزة في رفح.

ويضع نتيناهو حسابات دقيقة لهذه العملية، لأنها تنهي الحرب بالطريقة التي رسمها في بدايتها، بينما يؤدي الرد على إيران وتوابعه إلى تمكين حماس من إعادة ترتيب ما تبقى من أوراقها، وقد تستغل الحركة الاشتباك مع طهران في تحريك عناصرها في الضفة الغربية، بما يزيد من التوترات في صفوف الإسرائيليين، ويجدون أنفسهم يواجهون عدوا من الخارج وآخر في الداخل.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب لـ”العرب” إن إسرائيل قررت تأجيل ردها على إيران لتتمكن من استكمال مشروعها في غزة، ولن يكتمل من دون اجتياح رفح وتحقيق أهدافها العسكرية، والتي زادت أهميتها مع طول أمد الحرب ضد المقاومة، حيث كشفت الأخيرة عن امتلاكها قدرات ساعدتها على الصمود، بل وسوف تمكنها من قض مضاجع إسرائيل ثانية إذا تركت معها قوة قتالية.

وأضاف أن نتنياهو تمكن من الحصول على ما يمكن وصفه بـ”الضوء الخضر” من بايدن في الاتصال الهاتفي الأخير بينهما، وابتزه بشأن تجميد الرد على إيران مقابل المضي قدما في عملية رفح، والتي تحظى بتوافق داخل “الكابينت” الإسرائيلي، وتأييد شعبي كبير، كخطوة يمكن أن تحقق النصر المنتظر.

وذكر الرقب في تصريح لـ”العرب” أن تصريحات بعض المسؤولين في إسرائيل تعتبر عملية رفح “قاب قوسين أو أدنى” بعد تجاوز جملة كبيرة من العراقيل الدولية التي أدت إلى تأجيلها سابقا، وأبرزها إيجاد حل لمسألة ترحيل النازحين، وتقديم حلول لمن يعنيهم الأمر بالمشكلات الأمنية والإنسانية الناجمة عنها.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحدد موعدا لدخول رفح، فيما نفت الإدارة الأميركية تقارير تفيد بموافقة واشنطن على خطة إسرائيل لمهاجمة المدينة

وكشفت مصادر فلسطينية أن إسرائيل لوحت لبعض القوى الإقليمية والدولية باختيارها ما هو أدنى بما هو أكبر، أي القبول بعملية اجتياح رفح التي يمكن ضبط تداعياتها العسكرية وعدم الاعتراض عليها، بدلا من الرد على إيران وإشعال النيران في المنطقة، ووقتها لن تتمكن الدول التي أبدت ممانعات أو تحفظات على رفح أن تكون بعيدة عما سوف يترتب عن أي مواجهة عسكرية حقيقية بين إسرائيل وإيران.

وأكدت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن تلويح نتنياهو بورقة الرد على طهران أكسبه تأييدا أو صمتا على ما يمكن أن يقوم به حيال رفح، حتى ولو ارتكب المزيد من الإبادة الجماعية، فقد مكنه الهجوم الإيراني “المفتعل” من الحصول على ما يعرف بـ”صك” اجتياح رفح، مهما كانت الخسائر البشرية الناجمة عنها في صفوف المدنيين.

وشددت المصادر في حديثها على أن نتنياهو حصل من إيران بشأن عملية رفح على أكثر مما كان يحلم، حيث بإمكانه القيام باجتياح واسع، وليس عملية عسكرية جراحية، ولن يضيع هذه الفرصة من خلال الرد على طهران حاليا وخسارة الزخم السياسي الذي توفر له وعوّضه ما خسره الفترة الماضية أمام محكمة العدل الدولية وفي مجلس الأمن ومعركة المطبخ المركزي العالمي.

وتظل إيران ملفا مؤجلا أو موضوعا على الرف ويمكن المناورة به لاحقا من قبل نتيناهو أو غيره من القادة الإسرائيليين، وإذا كانت قواعد الاشتباك شهدت تغيرات بسبب هجوم عشرات أو مئات الصواريخ والمسيرات، فإن نتيجتها محدودة، ولم تخرج أو تختلف في النهاية عن القواعد السابقة سوى في الشكل.

2