ليبيا تخوض معركة تحكيم دولي لاسترجاع أموالها من بلجيكا

شرعت السلطات الليبية في إجراءات تحكيم دولي ضد بلجيكا بعد مصادرة محكمة بلجيكية أصول المؤسسة كجزء من نزاع مع الأمير البلجيكي لوران، على إثر المشاريع التي نفذها الصندوق العالمي للتنمية المستدامة بهدف إعادة تشجير المناطق الصحراوية في ليبيا.
طرابلس - أطلق صندوق الثروة السيادي الليبي حملة تحكيم دولي ضد بلجيكا يهدف من ورائها إلى رفع التجميد عن الأموال الليبية، القضية التي كان الأمير لوران شقيق الملك فيليب قد رفعها ضد سلطات طرابلس، للحصول على مبلغ 67 مليون يورو كتعويض عن تعثر إنجاز عقد موقع عام 2008 مع وزارة الزراعة الليبية، لإعادة تشجير الآلاف من الهكتارات من الصحراء، والذي لم يكتمل بسبب دخول ليبيا في نزاع مسلح عام 2011 أطاح بحكم زعيمها السابق معمر القذافي.
ونقلت تقارير إعلامية عن محامي التحكيم الدولي ويليام كيرتلي، قوله إنه من النادر أن تسعى صناديق الثروة السيادية وغيرها من الهيئات المرتبطة بالدولة إلى التحكيم، معتبرا “هذه الحالة غير عادية للغاية والجانب الأكثر إثارة للاهتمام فيها أن تسعى المؤسسة للتحكيم، في حين أن هذه المؤسسات عادة ما تكون الأكثر تعرضا للهجوم في التحكيم الدولي”، مشيرا إلى أن تلك الدعوى القضائية تستغرق في العادة ثلاث سنوات.
وأوضح كيرتلي أن الطبيعة الدقيقة لمطالب المؤسسة القانونية غير معروفة في هذه المرحلة، لكنه افترض أنها تستند إلى معاهدة الاستثمار الثنائية بين ليبيا وبلجيكا، مرجحا بحثها عن فضاء أكثر حيادية من المحاكم البلجيكية التي ربما فقدوا الثقة بها.
وترى المؤسسة الليبية للاستثمار أن بلجيكا ترتكب “إساءة استخدام للسلطة والإجراءات في انتهاك للقانون الدولي، بما في ذلك بموجب معاهدة الاستثمار الثنائية بين بلجيكا وليبيا”. ويشير طلب التحكيم إلى التأخير في جلسات المحكمة، والوصول إلى وثائق التحقيق التي رفضتها السلطات البلجيكية.
لجنة العقوبات في مجلس الأمن رفضت رسميا في وقت سابق، طلب بلجيكا التصرف في الأموال المجمدة لليبيا
وفي ديسمبر 2014، حكمت محكمة الاستئناف في بروكسل لصالح الجمعية غير الربحية الصندوق العالمي للتنمية المستدامة (GSDT) التابعة للأمير البلجيكي لوران، وأمرت ليبيا بدفع تعويضات تزيد عن 38 مليون يورو للشركة العامة للتنمية، على أن تضاف إلى ذلك نسبة الفائدة، التي تزداد من سنة إلى أخرى، وتكاليف التقاضي.
وفي أكتوبر 2017، قام قاضي التحقيق ميشيل كليز بمصادرة 15 مليار يورو مملوكة للمؤسسة الليبية للاستثمار في بنك “يوروكلير” في بروكسل.
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة أشرف في يناير 2022 على اجتماع مهم لمتابعة الأحكام الصادرة ضد الدولة الليبية في عدد من الدول، منها بلجيكا وتونس بحضور النائب العام الصديق الصور، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير ورؤساء ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية والمؤسسة الليبية للاستثمار ووزيرة الخارجية ومندوب عن إدارة القضايا، وقال آنذاك إن مثل هذه الأمور يجب التعامل معها باستخدام القانون، الأمر الذي يعني أن السلطات الليبية تخطط للجوء إلى المحاكم البلجيكية لحل المشكلة وطلب شطب مذكرة التوقيف الصادرة بحق رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار علي محمود حسن.
وخاطب النائب العام الليبي نظيره البلجيكي بأن هذه الأموال تخص الاستثمارات، مطالبا بحويل الأرباح إلى حسابات الدولة الليبية في دولة أخرى غير ليبيا وبلجيكا، “بحيث تصبح في مأمن عن أي نهب”.
المؤسسة الليبية للاستثمار ترى أن بلجيكا ترتكب إساءة استخدام للسلطة والإجراءات في انتهاك للقانون الدولي
وكانت لجنة العقوبات في مجلس الأمن رفضت رسميا طلب بلجيكا التصرّف في الأموال المجمّدة لليبيا، وقال مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة السفير طاهر السني إن “لجنة العقوبات في مجلس الأمن أقرت بعدم وجود أي سند قانوني للتصرف بالأموال المجمدة”.
وفي مارس الماضي، أعلن موقع “أفريكا إنتلجنس” الاستخباراتي الفرنسي أنه تم تعيين فريق تحكيم ليبي في قضية المؤسسة الليبية للاستثمار ضد الأمير البلجيكي لوران، وأشار الموقع إلى أن المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية “ICSID” التابع للبنك الدولي سيصدر حكما بشأن مصادرة الأصول التي وضعت للأمير البلجيكي لوران في مواجهة المؤسسة الليبية للاستثمار منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
وتشير السلطات الليبية إلى أنها تقدمت بطلب إلى الحكومة البلجيكية بعدم شرعية جميع الإجراءات المتخذة ضد أصولها في بلجيكا، وأنه وفقا لاتفاقية تشجيع الاستثمار المبرمة بين ليبيا وبلجيكا ولوكسمبورغ سنة 2004، يتعيّن حل هذا النزاع بطريق التفاوض خلال 6 أشهر بين الطرفين.
وفي الرابع عشر من يونيو 2023، عقد الصندوق السيادي الليبي مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه تقدم بشكوى ضد الأمير لوران، متهما إياه بـ”استغلال النفوذ” و”الابتزاز” و”الاحتيال”.
وقال كريستوف مارشاند، محامي المؤسسة الليبية للاستثمار، “لم يكن لدينا خيار سوى رفع دعوى جنائية ضد الأمير لوران. لقد أبلغنا قاضي التحقيق بالعناصر الواقعية التي تظهر، في رأينا، أن الأمير لوران أساء استغلال وضعه كصاحب منصب عام، من خلال الادعاء بأنه قادر على التأثير على الإجراءات الجنائية ضد المؤسسة الليبية للاستثمار ومديرها التنفيذي”.
ومن الوثائق التي استظهر بها فريق الدفاع رسالة من وزير الخارجية الليبي إلى وزير الخارجية البلجيكي يعرب فيها عن استغرابه من استدعاء السفير الليبي إلى القصر الملكي الذي قد يتدخل في الإجراءات القانونية، انطلاقا من أن لقاء السفير في القصر الملكي كان يهدف إلى الوعد بالتخلي عن جميع الملاحقات القضائية في بلجيكا إذا وافقت ليبيا على سداد المبلغ.
وقالت المؤسسة الليبية للاستثمار إن “حكم محكمة بروكسل صدر في استئناف مقدم من المؤسسة ضمن الدعاوى القضائية المقدمة أمام القضاء البلجيكي لمواجهة محاولات الأمير البلجيكي لوران للوصول إلى أموالها لدى بنك يوروكلير والمجمدة بموجب قرارات مجلس الأمن”، واعتبرت أن “أصل هذا النزاع هو محاولات الأمير البلجيكي لوران للوصول إلى أموال المؤسسة لدى بنك يوروكلير للحصول على تعويض مزعوم لصالحه بشأن عقد التشجير السابق المبرم مع الدولة الليبية وأن المؤسسة لم تكن طرفا فيه”.
وأكدت المؤسسة للأمير لوران “استحالة تمكنه من الوصول إلى أموالها المودعة لدى بنك يوروكلير”، وأنها “لن تدخر أي جهد في منعه من محاولاته غير المشروعة في هذا الشأن باعتبارها المعنية بالمحافظة على هذه الأصول لصالح الشعب الليبي”.