تجارة بيع الشعر تزداد في سوريا تزامنا مع وقوع الأسر في شَرك الفاقة والعوز

شعر الفقيرات على رؤوس الثَّريات.
الخميس 2024/04/18
فتيات صغيرات يشاركن في تجارة بيع الشعر

ازدادت أوضاع العائلات السورية سوءا بعد الحرب، ما دفع العديد منها إلى الانخراط في تجارة بيع الشعر لتوفير مورد مالي إضافي. ويتم استخدام الشعر بشكل أساسي لصنع الشعر المستعار وفي فرش المكياج وصناعة الدمى. وتزدهر تجارة بيع الشعر عبر الإنترنت حيث تقوم فتيات بقص شعورهن والاحتفاظ بالضفائر، ليصورنها ثم يعرضنها للبيع، وتكون الزبونات عادة من محلات الحلاقة.

سامر سالم أحمد

دمشق - من أين يأتي الشعر الموجود في وصلات الشعر؟ سؤال يخطر ببال الكثيرين، لكنه لم يكن سؤالا مهما بالنسبة إلى السوريين قبل الحرب. لكن هذا السؤال أخذ يظهر للعلن ويطفو على السطح مع ازدياد الوضع الاقتصادي سوءا؛ إذ ظهرت في الآونة الأخيرة تجارة بيع الشعر، هذه التجارة أخذت تزداد في ظل الغلاء الذي تشهده سوريا، ما دفع الكثيرين إلى البحث عن مورد يجلب لهم المال.

هذا ليس شيئا جديدا، فقد كان الشعر متداولا عالميا منذ فترة طويلة وغالبًا ما يتم حجب أصله عند وصوله إلى السوق. لقد كان الحل قادمًا منذ وقت طويل، فقد كان الناس يرتدون وصلات الشعر والشعر المستعار منذ آلاف السنين، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الآخرين؛ في مصر القديمة يقال إن النساء الثريات ارتدين شعر العبيد للتعبير عن مكانتهن.

وفي يومنا هذا فإن الصين تقوم بتصنيع منتجات مختلفة من الشعر، وتستخدم بشكل أساسي لصنع الشعر المستعار وفي فرش المكياج. وتستخدم بعض الصناعات هذه الشعيرات لتطبيقات محددة، مثل صناعة الدمى. لقد أدت سنوات الحرب في سوريا وارتفاع مستويات التضخم إلى إفقار العديد من أسر الطبقة المتوسطة، التي لم تعد قادرة في بعض الأحيان حتى على شراء اللحوم ومنتجات الألبان.

وبالرغم من أن هذه الظاهرة بدأت في محافظات سورية كبرى كدمشق وحلب إلا أنها أخذت تلاقي رواجا في بعض المحافظات الأخرى مثل درعا التي طالما عُرف عن أهلها التمتع بالغنى، فالكثير من أبنائها يعملون في الخليج ومع ذلك فإن الكثير من أسرها وقعت في شرك الفاقة والعوز.

◙ مصدر دخل جديد
◙ مصدر دخل جديد

إن شبكة الإنترنت لعبت دورا مهما في رواج هذه التجارة وقدمت "خدمة" لصالات التجميل؛ فقد فتحت آفاق العثور على زبونات يبحثن عن مواصفات محددة للشعر، وهن بدورهن يعرضن طلبات البيع والشراء، فيما يتم الاتفاق المادي عبر التواصل الخاص. إن الباحثات عن فرص بيع الشعر غالباً ما يقمن بقص شعرهن ويحتفظن بالضفيرة ويصورنها، وفي خانة التعليقات يعرضنها للبيع، فيما تقوم أخريات بتصوير الشعر وإرفاقه بعبارة إنه جاهز للقص في حال العثور على مشتر.

ولدى سؤال كثيرات هل هن مستعدات لبيع شعرهن، كانت الإجابات تختلف من فتاة إلى أخرى، مع رفض الكثيرات بيع شعرهن مهما كان الثمن. ريم (21 عاما) طالبة في كلية علم الاجتماع قالت "أنا أحب شعري كثيرا، إنه جميل جدا،لا أعرف كيف سأبدو بشعر قصير". وحين سُئلت سهام (33 عاما)، ربة منزل، أكدت أن الشعر الطويل هو نعمة من نعم الله وهو رمز للأنوثة والجمال، مؤكدة على عدم شرعية هذا البيع.

لكن سمر العاملة في بيع الخضروات قالت إنها لم تشتر أحمر الشفاه أو أي مستحضرات تجميل أخرى منذ أكثر من عام لأنها تدخر ما تكسبه من أموال لشراء الطعام لها ولابنتيها، وقالت إن العناية بالجمال أصبحت ثانوية بالنسبة إلى معظم السوريات، مؤكدة استعدادها لبيع شعرها لو امتلكت شعرا طويلا.

وأكدت بعض النساء أنهن يقمن بغسل شعرهن بسائل غسل الصحون لأنهن لا يستطعن شراء الشامبو الذي يكلف أكثر من الحد الأدنى للراتب الشهري، الذي يعادل الآن بضعة دولارات فقط ويتعين على الكثيرين التكيف لجعل منتجات العناية الشخصية تدوم لفترة أطول، مع عدم وجود علامة على نهاية الأزمة التي دفعت أكثر من 6.5 مليون لاجئ سوري إلى مغادرة البلاد، إضافة إلى تصاعد الهجرة يوما بعد يوم في ظل الفاقة الاقتصادية التي اكتسحت البيوت في سوريا.

لم تكن بعض النساء في المنطقة مدركات في البداية للقيمة المحتملة لشعرهن المتساقط. كن يرمينه بعيدًا أو يتخلصن منه في الماء. ومع ذلك، بعد أن سمعن عن هذه التجارة، بدأ البعض في جمع شعره، وخلق مصدر دخل لنفسه.

◙ تجارة تجتاح الأحياء الفقيرة
◙ تجارة تجتاح الأحياء الفقيرة 

أصحاب صالونات التجميل والحلاقون هم المشترون الرئيسيون للشعر الذي يستخدم بشكل رئيسي في الشعر المستعار ووصلات الشعر. ولدى سؤال صاحبة مركز تجميل عن الأسعار المقدمة، قالت “يتراوح سعر جدلات الشعر بين 1 و4 ملايين ليرة حسب مواصفاته، وحسب نوعية الشعر وسمكه وقوته وطوله". وذكرت امرأة من ريف درعا فقدت معيلها أنها بعد سماعها عن الإعلانات في الإنترنت، بدأت في جمع شعرها الرمادي، لعلها بعد خمسة أشهر تستطيع بيعه.

فيما حصلت الطالبة سلام البالغة من العمر 16 عاماً على 100 دولار مقابل الشعر المحلوق، وهو المال الذي ستستخدمه لمساعدة أسرتها في وقت أدى فيه التدهور الاقتصادي الحاد في سوريا إلى نقص الغذاء والدواء، كما أدى التضخم المفرط إلى انخفاض الرواتب. وأصبحت لا قيمة لها تقريبا. إن جمع الشعر البشري هو في مجمله عمل يجري خلف الكواليس، وإن هذه التجارة تتم في الخفاء عبر الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي.

◙ الظاهرة بدأت في محافظات سورية كبرى كدمشق وحلب إلا أنها لاقت رواجا كبيرا في بعض المحافظات الأخرى مثل درعا

لقد أخذت هذه التجارة تجتاح الأحياء الفقيرة؛ فقد قامت أعداد متزايدة من النساء في الأحياء الفقيرة ببيع شعرهن لاستخدامه في الشعر المستعار ووصلات الشعر، حيث تجبرهن متطلبات الحياة اليومية على التخلي عن هذا النوع من الرعاية الذاتية. إحدى عاملات التجميل قالت “إن جميع الزبونات تقريبًا يبعن شعرهن بسبب الصعوبات المالية".

وقد أبدى كثيرون تخوفهم من تزايد هذه التجارة، فهذه البلاد تعاني الحرب وتفاقم فيها تردي الأوضاع الاقتصادية ما أدى إلى ازدياد حالات الخطف والسرقة والقتل، مظهرين خشيتهم من تنامي هذه التجارة. وقالت إحدى النساء “لم يعد ينقصنا إلا أن تُسرق شعورنا".

وتعد هذه التجارة وافدة على محافظة درعا التي عرفت دوما بغناها وبأنها أم اليتامي، لكن الحرب لا ترحم أحدا. وينحدر باعة الشعر من كافة الأطياف ومن كافة الأعمار، من المراهقين في سن عشر سنوات حتى النساء المسنات، لكن غالبيتهن فتيات صغيرات من أسر فقيرة. وعادة ما يكن في حاجة ماسة إلى شراء الأدوات المنزلية الرخيصة، مثل الأطباق أو الملاعق وما يكفي من الحليب والخضروات ليوم واحد.

وقال أحمد، وهو مدرس يبلغ من العمر 48 عاما، عن قصة الشعر الجذرية "ألحظ أن بعض الفتيات الصغيرات يقمن بقص شعرهن، لكن لا أعرف السبب، ولم يخطر ببالي أن الشعر يباع، ولا أدري هل يقمن بقص شعرهن لبيعه أم لجعله ينمو بسرعة". أما بالنسبة إلى الفتيات الأكبر سنا، فهو لا يعرف كونهن يلبسن الحجاب.

وقال أحد رجال الدين في المحافظة عن هذه التجارة “يتفق علماء الدين على أن بيع أي جزء من الجسم محرم تحريما باتا ويعتبر إهانة وفاحشة، أما التبرع بالشعر لصنع باروكة لمرضى السرطان فهو حلال".

وتعتبر تجارة الشعر قانونية في سوريا، إلا أنها غير منظمة على الإطلاق، فقد ظهر سماسرة الشعر الذين يغمرون مناطق الصراع والبلدان التي مزقتها الحروب حيث يسهل استغلال النساء للحصول على آخر ممتلكاتهن الثمينة.

◙ التجارة وافدة على محافظة درعا التي عرفت دوما بغناها وبأنها أم اليتامي
◙ التجارة وافدة على محافظة درعا التي عرفت دوما بغناها وبأنها أم اليتامي

16