الحكومة المصرية لا تكترث لمزاج البسطاء

القاهرة - ضاعفت الحكومة المصرية من سخط الشارع عليها بعد صمتها على تمرير الشركة المسؤولة عن إنتاج السجائر زيادة كبيرة في أسعار الدخان الشعبي الذي تستخدمه شريحة كبيرة من المواطنين، دون وقفة جادة كتلك التي حدثت مع التجار وإلزامهم بخفض أسعار السلع مؤخرا. وقررت الشركة الشرقية للدخان رفع أسعار السجائر الشعبية بنسبة 15 في المئة، في ثاني زيادة رسمية خلال ستة أشهر، وبدت الحكومة معها غير مكترثة بمزاج الرافضين لهذه الزيادات.
وظهرت الحكومة في موقف متناقض في نظر هؤلاء، حيث تساهلت مع قرار رفع أسعار السجائر الشعبية المصنوعة محليا، على الرغم من أن رئيسها مصطفى مدبولي عقد اجتماعا موسعا قبل أيام مع كبار التجار والمستوردين والمصنعين لسلع عديدة وألزمهم بخفض الأسعار بعد تراجع سعر الدولار منذ تحرير الصرف.
وقال مدبولي "عندما ارتفعت قيمة الدولار حاول البعض تحقيق مكاسب، وحينما انخفضت قيمته لم تكن هناك مراعاة لأحوال المواطن، وهذا لا يمكن أن تسمح به الدولة، ولذلك سيكون لزاما خفض الأسعار بنسب تبدأ من 20 في المئة وتصل إلى 30 في المئة بعد عيد الفطر مباشرة". وبدلا من أن ينتظر المدخنون تراجعا ملحوظا في أسعار السجائر بعد العيد فوجئوا بزيادة فاقت التوقعات، واستندت الشركة المسؤولة عن الدخان إلى مبررات تتناقض مع ما سوّقت له الحكومة حول انخفاض مدخلات الإنتاج بعد السيطرة على الدولار.
وأكد الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة الشرقية هاني أمان أن تحريك أسعار منتجات السجائر جاء لمواجهة الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الخام بالعملة الأجنبية، وتغير سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري بعد قرار البنك المركزي.
ومع كل أزمة مرتبطة بـ"مزاج المصريين" تتبرأ الحكومة من رفع أسعار السجائر وتكتفي باتهام التجار والموزّعين بأنهم يقفون وراء الغلاء، لكنها أبدت موافقة ضمنية على الزيادة الجديدة، وتجاهل حديثها بعدم السماح باستمرار رفع أيّ سلعة. ويُقدّر أعداد المدخنين في مصر بحوالي 18 في المئة من الشعب، بما يعادل حوالي 19 مليون مواطن بالنظر إلى عدد السكان البالغ 105 ملايين نسمة، ويستهلك المصريون سنويا نحو مئة مليار سيجارة، أغلبها يستهلكها البسطاء.
ويرى مراقبون أن الحكومة لم تدرك بعد أنها كلما اقتربت من أسعار دخان البسطاء تلامس الخط الأحمر، فهناك شريحة معتبرة تربط أيّ تحسن في الملف الاقتصادي وتحسن الأوضاع وانخفاض الأسعار بثمن علبة السجائر وسيطرة الحكومة عليها.
كما أن مكونات مزاج المصريين مكلفة وفوق طاقة الكثيرين، بعد أن طالها جنون الأسعار، بدءا من السجائر والمعسل مرورا بالسكر وانتهاء بالشاي والقهوة، والحكومة لا تزال مقتنعة بأن أغلب هذه السلع من الرفاهيات التي يمكن الاستغناء عنها.
ومهما كانت هناك عوامل خارجية تتسبب في ارتفاع أسعار السلع عند الناس، تظل الحكومة متهمة بالتواطؤ أو الفشل في ضبط الأسواق، مع أن الشريحة الأكبر تحتاج إلى هذه السلع بأسعار في متناول اليد أمام ظروفها المعيشية. وتوجد فئة من الشباب لا تهتم بما تسوّق له الحكومة بشأن المكتسبات التنموية والإصلاحات الاقتصادية وعوائد الصفقات الاستثمارية وتحسن الخدمات، بقدر ما تعنيها السيطرة على أسعار السجائر لأنها تمثل أهمية تقترب من قدسية رغيف الخبز.
وعندما تجد هذه الشريحة الحكومة لا تتدخل لخفض أسعار الدخان وتتعامل مع السجائر كسلعة مهمة بالنسبة إليهم، فقد تجلب سخطا واسعا عليها. وقال الشاب رمضان حمدي من القاهرة إن الحكومة تتفنن في تعكير مزاج الناس، معقبا “يتحدثون عن انخفاض هائل في الأسعار، ويروّجون لمكاسب تحرير سعر الجنيه ثم يرفعون سعر الدخان الذي أصبح المهرب الوحيد من الضغوط”.
وأضاف حمدي الذي التقته “العرب” خلال مشاجرة مع بائع على ثمن علبة السجائر أن "الحكومة صامتة على رفع أسعار الدخان لأنها ستحصل على جزء من الحصيلة، وهي تعتقد أن السجائر مهما ارتفع ثمنها فالناس لن يشتكوا، مع أنها لو تعرف نتيجة هذا القرار لأدركت أن شعبيتها ستنخفض بسببه".
وأقرت مصلحة الضرائب قبل أيام زيادة الشرائح السعرية للسجائر بنسبة 12 في المئة، في ضوء تعديلات قانون الضريبة على القيمة المضافة للدخان. وما يعمّق غضب المدخنين أن الأسعار التي تعلن عنها الشركة المنتجة للسجائر بعد الزيادة لا علاقة لها بالواقع، حيث تُباع العلبة الواحدة للجمهور بضعف سعرها الرسمي بلا تدخل رقابي للسيطرة على السوق كما يحدث مع سلع جماهيرية أخرى.
وأوضح سعيد صادق الباحث في علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة أن الحكومة تتعامل مع السجائر كملف اقتصادي وليس كقضة اجتماعية، ولا يعنيها مزاج الناس، فالمهم جمع أكبر قدر ممكن من المال، وهي تدرك أنها مهما بالغت في أسعار الدخان لن يتوقف الكثيرون عن الشراء.
وذكر صداق في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة مطمئنة باستحالة حدوث احتجاج بسبب رفع أسعار السجائر، فالغالبية غير المدخنة تدعم وصول سعر علبة السجائر وضرائبها إلى مستويات قياسية لتذهب العوائد إلى قطاعات خدمية تهم عموم الناس. وتمثل السجائر بالنسبة إلى الحكومة ركيزة أساسية في الاقتصاد القومي للبلاد، حيث تأتي حصيلتها في مرتبة متقدمة من حيث العوائد المالية الممثلة في الضرائب، وتذهب نسبة كبيرة من متحصلاتها للإنفاق على التعليم والصحة.