إمام وحاخام يجوبان مدارس برلين ترويجا للتفاهم

أصبح من الواضح أن الزيارات المنتظمة التي يقوم بها إمام وحاخام إلى مدارس العاصمة الألمانية برلين تمثل عاملا من عوامل التأثير والاندماج، إنها ببساطة عرض للحديث والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة.
برلين - في مشهد نادر للغاية يثير الدهشة والتعجب، يحرص إندر شيتين وإيغور إيتكن على زيارة مدارس برلين معا، ولمدة 90 دقيقة يسيطر الإمام والحاخام على الفصل الدراسي الذي يزورانه.
وفي إحدى الزيارات جلست مجموعة من الطلاب في الصف التاسع الدراسي، بمدرسة أوتو هان الثانوية في ضاحية نيوكولن بالعاصمة الألمانية برلين، على مقاعد في شكل دائري عند بدء الجلسة النقاشية. كان هناك نحو 20 طالبا تنوعت جنسياتهم وأسماؤهم، من بينهم أردا وتايلان وجهاد وجاميرو ومحمود وإليادا. وكانوا ينظرون إلى هذين الزائرين الاثنين في استغراب حيث لا يبدو ثمة أي تجانس بينهما.
وتنحدر أسر أولئك الطلاب من الجزائر ومصر والهند وسوريا وألبانيا وتركيا، ويوجد من بينهم طالب كردي من العراق، وبالنسبة إلى الإمام والحاخام تعد هذه التشكيلة الطلابية الوضع الطبيعي، فغالبا ما يعطي الاثنان دروسا أمام مجموعة من الطلاب مختلفي الجنسيات، مثلما هو الحال في مدرسة حي نيوكولن، الذي يعد واحدا من أحياء برلين ذات الكثافة العالية من المهاجرين.
ويوجد في المدرسة 850 تلميذا، ونادرا ما يوجد تلاميذ من عائلات يهودية، كما يقول مدير المدرسة أندريه كوجلين. ونسبة الطلاب المسلمين أعلى بكثير.
وغالبا ما يسأل إندر شيتين الطلاب، خلال زيارته التعليمية، عما إذا كان هو الإمام أم الحاخام؟ ويختلط الأمر على الطلاب، وتأتي إجاباتهم خاطئة على الدوام. ويمثل هذا السؤال أول فرصة تعليمية لهم، حيث لا يمكن للوهلة الأولى التمييز بين ما إذا كان المرء يهوديا أو مسلما.
وفي هذه الزيارة يطرح شيتين سؤال “لماذا تكون القدس مهمة إلى هذه الدرجة لكل من الديانتين وأيضا للمسيحية، ثم يمرر بين الطلاب صورا لحائط المبكى والمسجد الأقصى”.ويقول “القدس مكان مبارك بالنسبة إلى الجميع”.
وعندما يوجه إلى الطلاب سؤالا عن القواسم المشتركة بين المسيحية واليهودية والإسلام، يتلقى إجابات متعددة؛ منها أن أبا الأنبياء إبراهيم يقوم بدور مهم في الديانات الثلاث، وأن جميع هذه الديانات لديها كتاب مقدس وإله واحد، على سبيل المثال. ويسأل الإمام “ولكن هل أتباع هذه الديانات يؤمنون أيضا بنفس الإله؟”، ويتضح أن الطلاب غير متأكدين من الإجابة.
ويسأل الإمام شيتين زميله الحاخام “هل تؤمن بالله؟”، ولا يتردد إيتجن طويلا قبل أن يرد بالإيجاب، ويقول إن الله هو ببساطة الكلمة العربية للإله، كما يتضح للإمام أن “اليهود والمسيحيين والمسلمين يؤمنون بنفس الإله، ومع ذلك يظل بعضنا يجادل بعضا”.
ويشكل شيتين وإيتجن فريقا تدرب جيدا، وبتعبير أكثر دقة تدربا معا جنبا إلى جنب، كما يقولون في منظمة “ميت آند رسبكت” (تعني “تقابل واحترم”) حيث يعملان، ويؤمن أعضاء المنظمة بأن التعليم والمقابلات يمكن أن يؤديا إلى إزالة التصلب الفكري والمساعدة في التغلب على الكراهية والعداء.
غير أن تطبيق ذلك أصبح أكثر صعوبة منذ الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وليس من قبيل المصادفة أن كلا من الإمام والحاخام بدأ في البحث عن أرضية مشتركة بين الثقافات والأديان، ويبدو هذا الاتجاه الذي سلكاه مثيرا للدهشة، في وقت يشير فيه كثيرون إلى العوامل التي تقسّم البشر.
ويقول شيتين “إنه لأمر هام، خاصة في الوقت الراهن، أن يتم التأكيد على أوجه التشابه الموجودة بين الناس أكثر من لفت الانتباه إلى الاختلافات”.
غير أن جلسة الأسئلة والأجوبة في هذه المدرسة تشبه عملية إحماء الفرق الرياضية قبل بدء المباريات، ويصبح الموضوع التالي الذي يطرح للنقاش هو الصراع في الشرق الأوسط، وتدور أسئلة مثل ماذا يعرف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما عن تاريخ هذا الصراع وخلفياته؟ وهل يعلمون شيئا عن تاريخ تأسيس دولة إسرائيل؟ ولماذا اندلعت حرب الأيام الستة في عام 1967 بين إسرائيل ودول عربية مجاورة؟ ولماذا فاز كل من ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية وإسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي بجائزة نوبل للسلام؟
ويعرب مدير المدرسة أندريه كوجلين عن تفاؤله المشوب بالحذر، ويقول “بالتأكيد، أثرت هذه الجلسات في الكثير من الناس، وسنرى على مدى الأعوام القادمة ما إذا كانت قد أدت إلى حدوث تغيير”.
ويضيف أنها “أكثر من مجرد نقطة في المحيط، إنها عرض للتحدث حول موضوع الصراع، والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة”، ومع ذلك ينتمي كوجلين إلى المدرسة الواقعية، ويقول “إننا لن نحل الصراع في الشرق الأوسط هنا في حي نيوكولن”.