ارتفاع درجة حرارة المحيطات يثير قلق العلماء

برشلونة (إسبانيا) - تثير الزيادة الكبيرة في درجات حرارة المحيطات قلق العلماء الذين يدعون إلى إجراء المزيد من الأبحاث في شأن التغيرات الجارية ويخشون من أيّ آثار مدمرة على المناخ ككل.
وفي حديث إلى وكالة فرانس برس، قال الأمين التنفيذي للجنة الدولية الحكومية لعلوم المحيطات التابعة لليونسكو فيدار هيلغيسين “إن التغييرات تحدث بسرعة كبيرة لدرجة أننا بتنا عاجزين عن مراقبة تأثيرها”، معتبراً أن “معالجة ارتفاع درجة حرارة المحيطات مسألة طارئة”.
وأضاف خلال مؤتمر “عَقد المحيطات” الذي اختتم الجمعة في برشلونة وشارك فيه 1500 شخص بين علماء وممثلي دول أو منظمات “من الضروري بذل جهد أكبر بكثير لناحية المراقبة والبحوث في الوقت الفعلي”.
درجة حرارة المحيطات التي تغطي 70 في المئة من مساحة الكوكب وصلت إلى رقم قياسي جديد في مارس 2024
ووصلت درجة حرارة المحيطات التي تغطي 70 في المئة من مساحة الكوكب وتؤدي دورا رئيسيا في تنظيم المناخ العالمي إلى رقم قياسي جديد في مارس 2024، إذ بلغ متوسطها 21.07 درجة مئوية مُقاسة على سطح المياه، باستثناء المناطق القريبة من القطبين، بحسب مرصد كوبرنيكوس الأوروبي.
وهذا الارتفاع في درجات الحرارة الذي يتفاقم كل شهر منذ عام يهدد الحياة البحرية ويؤدي إلى زيادة الرطوبة في الغلاف الجوي، مما يتسبب بحدوث المزيد من التقلبات المناخية كالرياح العنيفة والأمطار الغزيرة.
ويمهّد ارتفاع درجة حرارة المحيطات الطريق لحدوث موجات جفاف خطيرة، ولكن يمكن التنبؤ بها، في شرق أفريقيا.
وأصبحت حالات الجفاف المتكررة، والتي تتخللها فيضانات، العرف الجديد في شرق أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية، مما تسبب بأزمة انعدام غذائي هائلة. وفي عام 2020، دخلت منطقة القرن الأفريقي أطول وأشد فترة جفاف منذ أكثر من 70 عاماً، كما كان فصل الربيع في عام 2022 الأكثر جفافاً على السجل المناخي للمنطقة. وعانى أكثر من 20 مليون شخص من جوع شديد بسبب فشل المحاصيل، ووقعت حالات نفوق بين المواشي وصل عددها إلى 9 ملايين حالة.
وضمن ما وُصف بأنه التناقض المناخي في شرق أفريقيا، لم تتوقع النماذج البحثية المعنية بتغير المناخ حدوث حالات الجفاف هذه، بل توقعت زيادة في هطول الأمطار في فصل الربيع. مع ذلك، تمكن باحثون يعملون مع شبكة أنظمة الإنذار المبكر بشأن المجاعات من توقع حالات الجفاف تلك باستخدام أساليب تنبؤ مكيفة تستند إلى درجات حرارة سطح البحر. ورغم أن تحديد الرابطة بين درجات حرارة المحيط الهادئ حسّنت التوقعات، مما منح وكالات الإغاثة الإنسانية فرصة لتقليص عدد الخسائر في الأرواح وسبل العيش، لم يكن العلماء سابقاً يدركون تماماً لماذا توجد هذه الرابطة. ودرس الباحثون هذه الرابطة في دراسة جرت مؤخراً.
فلقد أصبحت ظاهرة النينيا مرتبطة بقوة أكبر مع حالات الجفاف منذ أن شهدت منطقة غرب المحيط الهادي ازدياداً كبيراً في درجة الحرارة في عام 1998. وقد محّص الباحثون أكثر في البيانات حول درجات حرارة سطح البحر وحول المشاهدات المتعلقة بهطول الأمطار ولاحظوا أن زيادة درجات الحرارة في غرب المحيط الهادئ تسبب قيماً أكثر تطرفاً للتدرجات الحرارية لحرارة سطح المحيط من الشرق إلى الغرب، وفي فصل الربيع،عندما تشهد منطقة شرق أفريقيا موسماً ماطراً في العادة، فإن ظاهرة النينيا التي تشتد بفعل تغير المناخ تؤدي إلى زيادة التدرجات الحرارية، وهذا بدوره يزيد شدة تدفق هوائي يعرف باسم “ولكر سيركيلايشن”، والذي ينزع إلى التسبب بحرارة ورطوبة عاليين بالقرب من إندونيسيا، ولكنه يقلص الرطوبة في شرق أفريقيا.
ولقد أظهر الباحثون بأن النماذج المناخية تتوقع أن تستمر زيادة قوة التدرج الحراري لسطح المحيط من الشرق إلى الغرب خلال العقود المقبلة، لذا من المرجّح أن يستمر تواتر حالات الجفاف في شرق أفريقيا. إلا أن تحديد الرابطة بين درجات حرارة سطح البحر والهطول المطري أتاح للعلماء في شبكة أنظمة الإنذار المبكر بشأن المجاعات أن يتوقعوا العديد من أسوأ نوبات الجفاف، إضافة إلى توقع الهطول المطري والفيضانات الشديدة في عام 2023. كما حسّنت هذه الدراسة فهم العلماء للكيفية التي يسبب فيها تغير المناخ تفاوتاً شديداً، وإن يكن متوقعاً، للتدفق الهوائي.
وسجلت المحيطات أعلى درجات حرارة مسجلة على الإطلاق؛ حيث تمتص الحرارة الناجمة عن تغير المناخ، مع ما يترتب على ذلك من آثار وخيمة على صحة كوكبنا. وجاء متوسط درجة حرارة سطح البحر العالمية اليومية هذا الأسبوع محطما الرقم القياسي لعام 2016، وفقا لكوبرنيكوس، الخدمة المعنية بتغير المناخ في الاتحاد الأوروبي.
ووصل متوسط درجات الحرارة إلى 20.96 درجة مئوية، وهو رقم أعلى بكثير من متوسط الحرارة في هذا الوقت من العام. وتعد المحيطات منظما حيويا للمناخ؛ حيث تمتص الحرارة وتنتج نصف كمية الأكسجين الموجودة على كوكب الأرض، ما يؤثر على أنماط الطقس.
والمياه الأكثر دفئا تكون أقل قدرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ما يعني بقاء المزيد من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى تسريع وتيرة ذوبان الأنهار الجليدية التي تتدفق إلى المحيط، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر.
كما تتسبب المحيطات الأكثر سخونة مع موجات الحرارة في اضطراب الكائنات البحرية كالأسماك والحيتان أثناء تحركها بحثا عن مياه أكثر برودة، ما يؤثر على السلسلة الغذائية. ويحذر الخبراء من أن المخزون السمكي قد يتأثر. وقد يؤدي ارتفاع درجات حرارة المياه إلى أن تصبح بعض الحيوانات المفترسة كأسماك القرش عدوانية؛ لأنها تصاب بالارتباك مع درجات الحرارة المرتفعة.
وتقول الدكتورة كاثرين ليسنسكي، التي تراقب الموجة الحارة البحرية في خليج المكسيك لصالح الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، “يبدو الماء وكأنه حمّام دافئ عندما تقفز فيه”. وتضيف إن الوقت الحالي يشهد “ابيضاضا واسع النطاق للشعاب المرجانية في المناطق الضحلة في فلوريدا، وقد ماتت العديد من الشعاب المرجانية بالفعل”.