حرب غزة مجرد مقدمة لأزمات أخطر بالشرق الأوسط

الجبهة اللبنانية وبرنامج إيران النووي يغذيان منسوب التوترات الإقليمية.
الجمعة 2024/04/12
جبهات أخرى على فوهة بركان

انتهاء الحرب في غزة ينذر ببدء المراحل الأخطر من أزمة أعمق وأطول في الشرق الأوسط، إذ يبقي تكديس حزب الله للسلاح في الجبهة اللبنانية ومضي إيران قدما في برنامجها النووي جذوة التوترات الإقليمية متقدة.

واشنطن - بعد مرور أكثر من ستة أشهر على بدء الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وسقوط أكثر من 33 ألف قتيل و76 ألف جريح بين الفلسطينيين بحسب تقديرات وزارة الصحة في حكومة حركة حماس الفلسطينية بقطاع عزة، تبدو سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط على المحك.

ووصلت المفاوضات حول وقف لإطلاق النار في غزة إلى مرحلة حرجة، كما تعرقل هجمات جماعة الحوثيين اليمنية حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن وترهق القوات البحرية الأميركية التي تحاول التصدي لها.

ومازال دعم بايدن لإسرائيل قويا، لكن بعد شهور من تراكم التوتر، تدهورت علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل صريح. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يخوضها بايدن، أضرت الحرب التي كانت لها عواقب إنسانية مأساوية بمكانة الرئيس بين مؤيديه التقدميين في الداخل.

وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، قال المحلل السياسي هال براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، إن الأمور في الشرق الأوسط يمكن أن تصبح أشد تعقيدا وقبحا، ومن المحتمل أن يحدث هذا بالفعل، فتصبح الحرب في غزة مجرد مقدمة لأزمتين جديدتين ويمكن أن تكونا أشد تدميرا. وتتعلق الأزمة المحتملة باحتمالات تطور الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، فعندما نشبت الحرب بينهما في 2006 تم تدمير الجنوب اللبناني.

ومنذ ذلك الوقت ينظر المسؤولون الإسرائيليون بقلق إلى تكديس حزب الله للأسلحة الأكثر تطورا بما فيها حوالي 150 ألف صاروخ. ويعتبر حزب الله قوة عسكرية غير نظامية من الطراز الأول، ويرتبط بعلاقة وثيقة مع حركة حماس الفلسطينية التي تقاتل إسرائيل في غزة.

◙ سيكون من قبيل التمني تصور أن انتهاء الحرب في غزة سيؤدي إلى أي انخفاض في منسوب التوترات الإقليمية

ويقول براندز إن حكومة نتنياهو فكرت في شن ضربة استباقية ضد حزب الله بعد هجوم الفصائل الفلسطينية المسلحة على المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر الماضي، خوفا من قيام الحزب اللبناني بمهاجمة إسرائيل مستغلا انشغالها بالحرب في غزة.

ولكن إسرائيل تراجعت عن هذه الفكرة، بعد أن قرر الرئيس الأميركي بايدن إرسال قوة بحرية أميركية كبيرة إلى البحر المتوسط لإظهار الدعم الأميركي الكامل لإسرائيل واستعداد واشنطن للتدخل إلى جانبها في حال اتساع نطاق الحرب في غزة. لكن المشكلة الأعمق لم يتم حلها.

وقليل من الإسرائيليين يريدون تحمل خطر احتمال قيام حزب الله بمهاجمة شمال إسرائيل على غرار هجوم حماس والفصائل الأخرى على جنوبها يوم السابع من أكتوبر الماضي. وتحولت الكثير من المستوطنات والتجمعات السكنية في شمال إسرائيل إلى مدن أشباح، وانتقل عشرات الآلاف من سكان هذه المنطقة للحياة في أماكن أخرى بإسرائيل، أو ابتعدوا عن الشمال ببساطة.

وتواجه إسرائيل حاليا من الناحية العملية انكماشا لمساحة أراضيها، وهو أمر لا يمكن أن تقبل به حكومة إسرائيل سواء تحت رئاسة نتنياهو أو أي خليفة له. والآن يشهد شمال إسرائيل وجنوب لبنان اشتباكات عنيفة متبادلة بين حزب الله وإسرائيل دون أن تصل إلى مرحلة الحرب الصريحة، لكنها تقترب منها شيئا فشيئا. ويستخدم حزب الله الصواريخ المضادة للدبابات وأسلحة أخرى لاستهداف الجنود والمدنيين العزل الإسرائيليين.

وترد إسرائيل بضربات على جنوب لبنان وسوريا بدعوى استهداف حزب الله والعناصر الإيرانية الداعمة له. وكان الهجوم الأكثر دراماتيكية هو الغارة الجوية الأخيرة التي وقعت في الأول من أبريل الحالي واستهدفت قنصلية إيران في دمشق مما أدى إلى مقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، وهو ما دفع طهران إلى إطلاق سيل من التهديدات بالانتقام من إسرائيل.

ويرى براندز أن نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله سيكون أشد تدميرا مما يجري في غزة. ولأن حزب الله حليف حيوي لإيران فقد تنخرط إيران في الحرب إلى جانبه بشكل أوضح. وإذا كان حزب الله وزعيمه حسن نصرالله لديهما أسباب وجيهة لتجنب مثل هذه الحرب، فإنه قد لا يقبل بسحب قواته إلى نهر الليطاني كما تطالب إسرائيل.

ولذلك على الجميع الانتباه إلى أن أزمة قادمة على الحدود الشمالية لإسرائيل بمجرد انتهاء القتال الكثيف في غزة وقدرة حكومة إسرائيل على توجيه اهتمامها إلى تهديدات أخرى. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت ممكنة تسوية هذه الأزمة بالطرق الدبلوماسية، أو بالقوة كما يهدد المسؤولون الإسرائيليون.

وأما الأزمة الثانية التي تنتظر الشرق الأوسط بعد حرب غزة، فتتعلق بإيران الموجودة في أغلب اضطرابات الشرق الأوسط. فإيران مثل حزب الله ستفضل تجنب حرب شاملة ومباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة. لكن ذلك لأن الوضع الراهن يوفر لها الكثير من المزايا. فالفوضي في الشرق الأوسط تعرقل، ولو بشكل مؤقت، التقارب بين إسرائيل والسعودية خصمي إيران. كما تسمح للحوثيين باستنزاف قدرات الولايات المتحدة، وتخلق ستارا كثيفا من الدخان يتيح لها المضي قدما في جهود تطوير قنبلتها النووية.

وعلى الرغم من بعض التعثرات الأخيرة، وصل البرنامج النووي الإيراني إلى درجة من التقدم تتيح لطهران الحصول على كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لصنع ثلاثة قنابل نووية في أقل من أسبوعين. ولكن صنع سلاح نووي قابل للاستخدام سوف يستغرق وقتا أطول، وربما عاما كاملا، في حين لا يوجد دليل دامغ على أن إيران تتخذ الخطوات اللازمة. ولكن المخاوف بشأن هذه النقطة تتزايد.

وفي مارس الماضي ذكرت صحيفة الغارديان أن "شخصيات إيرانية بارزة شككت في الأشهر الأخيرة في التزام طهران ببرنامج نووي مدني فقط". وقال الجنرال ميشيل كوريلا قائد القيادة المركزية الأميركية إن حصول إيران على قنبلة نووية "سيغير الشرق الأوسط إلى الأبد".

وستعطي هذه القنبلة لإيران درعا نووية تدعم بها حلفاءها وتقهر أعداءها. كما يمكن أن ترهب قادة إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من قادة المنطقة. كما أن هذه القنبلة ستعيد رسم خارطة موازين القوة الإقليمية حتى إذا لم تستخدم إيران السلاح النووي ولا الصاروخي لديها.

وستجد إسرائيل والولايات المتحدة نفسيهما إن عاجلا أو آجلا مضطرتين إما إلى القبول بامتلاك إيران للسلاح النووي أو التحرك لوقفها باستخدام إجراءات أقوى سواء بتشديد العقوبات أو بشن هجوم عسكري ضدها. ومعنى هذا أنه سيكون من قبيل التمني تصور أن انتهاء الحرب في غزة سيؤدي إلى أي انخفاض دائم في منسوب التوترات الإقليمية، بل الاحتمال القوي هو أن نهاية الحرب ستكون إيذانا ببدء المراحل الأخطر من أزمة أعمق وأطول في الشرق الأوسط.

6