ثلاثون سنة على الإبادة الجماعية في رواندا: هل تعلّم المجتمع الدولي من أخطائه

مقومات تكرار سيناريو المذبحة متوفرة بقوة في العديد من الدول.
الاثنين 2024/04/08
التوتسي والهوتو... من أقسى التجارب البشرية

ثلاثة عقود مرت منذ الإبادة الجماعية في رواندا، عندما قتل 800 ألف من أقلية التوتسي، والهوتو المعتدلين وأعضاء مجموعة عرقية ثالثة في واحدة من أحلك الأحداث في تاريخ العالم. واليوم لا تزال مسببات هذه المجزرة قائمة في عديد الدول.

كيغالي - مرت أمس الأحد ثلاثون سنة على الإبادة الجماعية في روندا بسبب الحرب الأهلية بين قبائل التوتسي والهوتو التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص والتي لعب فيها الصمت والتواطئ الدوليين دورا مهما في استعارها، لكن محللين يرون أن المجتمع الدولي لم يتعلم بعد من هذه التجربة القاسية. ويشير المحللون إلى أن أسس تجدد مثل هذه المذابح، خاصة في أفريقيا متنوعة الإثنيات والمضطربة سياسيا، لا تزال متوفرة، فيما لا يملك المجتمع المدني خططا ناجعة وإستراتيجيات استباقية للحيلولة دون تكرار السيناريو.

وتعاني عديد الدول الأفريقية وحتى بعض الدول الشرق أوسطية من التمييز الإثني والطائفي الذي يمثل وقود كل إبادة جماعية عبر التاريخ، فيكفي أن يتم التوظيف السياسي للأمر لاندلاع الشرارة وبداية مستنقعات الدماء. وللإبادة الجماعية في روندا مطامع سياسية أدت في نهاية المطاف إلى اندلاعها، حيث قُتل أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل، معظمهم من عرقية التوتسي لكن أيضا من الهوتو المعتدلين، في المجازر التي انقلب فيها أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء واحدهم على الآخر، في إحدى فصول التاريخ الأكثر قتامة في أواخر القرن العشرين.

وعام 1994 شن فصيل من عرقية الهوتو التي تمثل أغلبية سكان الدولة، حملة تطهير عرقي ضد مواطني الأقلية من التوتسي وغيرهم من الخصوم. وأثار اغتيال الرئيس المنتمي إلى الهوتو جوفينال هابياريمانا ليل السادس من أبريل 1994 عندما أُسقطت طائرته فوق كيغالي موجة غضب في أوساط متطرّفي الهوتو وميليشيا “إنترهاموي” ما أدى إلى اندلاع أعمال القتل.

وقتل الضحايا بإطلاق النار عليهم أو ضربهم أو طعنهم حتى الموت في عمليات قتل غذّتها الحملة الدعائية المناهضة للتوتسي التي بثت على التلفزيون والإذاعة. ويقدّر بأن ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة تعرّضن للاغتصاب، وفق أرقام الأمم المتحدة. وفرّ مئات آلاف الأشخاص، معظمهم من عرقية الهوتو الذين شعروا بالخوف من الهجمات الانتقامية عقب الإبادة إلى بلدان مجاورة بينها جمهورية الكونغو الديموقراطية.

◙ العديد من الدول الأفريقية وحتى بعض الدول الشرق أوسطية تعاني من التمييز الإثني والطائفي
◙ العديد من الدول الأفريقية وحتى بعض الدول الشرق أوسطية تعاني من التمييز الإثني والطائفي

وواجه المجتمع الدولي انتقادات شديدة لفشله في حماية المدنيين إذ خفضت الأمم المتحدة عديد قوتها لحفظ السلام بعيد اندلاع أعمال العنف. ومنذ ذلك الوقت تسعى رواندا لإعادة بناء المجتمع بالتركيز على المصالحة والتنمية الاقتصادية، وهي الجهود التي أحاطها الجدل في ظل الحكم السلطوي للرئيس بول كاغامي. وفي تحقيق نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي قالت المحللة السياسية ماريل فيراجامو إن المذابح انتهت بانتصار عسكري لمجموعة سياسية تقودها عرقية التوتسي وأصبحت هي حزب الجبهة الوطنية الرواندية الحاكم، برئاسة كاغامي.

وتتبنى الحكومة الرواندية الجديدة بقيادة حزب الجبهة الوطنية منهج “الوحدة والمصالحة”، كما أعدت دستورا جديدا يؤكد المساواة بين المواطنين الروانديين ويمنع أي شكل من أشكال تحديد الهوية العامة على أساس الانتماء العرقي لتأكيد التماسك الاجتماعي. ورغم ذلك أشار تقرير أخير لمنظمة هيومان رايتس ووتش إلى أن هذه الجهود تعرقلها بدرجة كبيرة عمليات إعادة التوطين القسري ومعسكرات إعادة التأهيل لأنصار الحكومة السابقة وغير ذلك من الإجراءات المتطرفة الأخرى.

وواجه مرتكبو المذابح في رواندا قنوات مختلفة للعدالة. فالأمم المتحدة قادت محكمة جنائية دولية لمحاكمة قادة المذابح، في حين تولى النظام القضائي المحلي الرواندي محاكمة المتورطين في التخطيط لها. وتمت إحالة أغلب القضايا الأخرى إلى ما تسمى “محاكم العشب” وهي نظام قضائي محلي يستند إلى الوسائل التقليدية لتسوية المنازعات عندما تجتمع المجموعات المتنازعة في أماكن عامة لتسوية نزاعات محلية. ونظرت أكثر من 12 ألف محكمة من “محاكم الشعب” أكثر من 2ر1 مليون قضية.

ومن ناحيته يقول كلاود جيتبوك الناشط الحقوقي وأحد الناجين من مذابح رواندا إن “التعافي من أي مذبحة يحتاج إلى الحقيقة والعدالة… والعدالة عني فقط مجرد العدالة التصالحية وإنما المحاسبة الحقيقية للجناة”. وتولى بول كاجامي الحكم في رواندا من خلال انقلاب داخلي، ومازال يحكمها حتى الآن. ويرجع إليه الفضل في كثير مما تتمتع به البلاد حاليا من تنمية واستقرار. كما عزز سيطرة النظام السياسي وفاز في ثلاثة انتخابات رئاسية بأكثر من 90 في المئة من الأصوات، لكن المحللين يقولون إنها لم تكن انتخابات حرة ولا نزيهة.

ويقول المنتقدون إن حكومة كاغامي، تعمل على إضعاف المعارضة بشكل متزايد، بما في ذلك قمع أعضاء المعارضة والصحفيين الذين ينتقدون الحكومة، التي تواجه اتهامات بالخطف والاغتيال والتعذيب وفرض رقابة صارمة على المعارضة. وتعتبر منظمة فريدوم هاوس رواندا “دول غير حرة” بسبب انتهاك الحريات المدنية مثل حرية التعبير وافتقار الانتخابات للحرية والنزاهة. وفي عام 2015 صوت الروانديون على دستور يسمح لكاغامي بخوض انتخابات الرئاسة مجددا.

◙ 800 ألف شخص قتلوا خلال مئة يوم في أحد فصول التاريخ الأكثر قتامة في أواخر القرن العشرين

وفي ظل غياب مرشحين حقيقيين للمعارضة، فإن فوز كاغامي بفترة حكم جديدة تستمر 7 سنوات في الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 15 يوليو المقبل أمر شبه محسوم لأن المنافسين المحتملين إما فشلوا في تحقيق أي شعبية حقيقية في استطلاعات الرأي العام، أو تم منعهم من خوض الانتخابات من الأساس. لكن بعض المحللين يقولون إن شباب روندا الذين ولدوا بعد المذبحة، يمكن أن يطالبوا فورا بالمزيد من الانفتاح السياسي في البلاد.

ورغم هذه المشكلات نجحت رواندا في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية جيدة. ويعتبر معدل النمو الاقتصادي فيها من بين الأعلى في أفريقيا وبلغ خلال العقدين الماضيين حوالي 8 في المئة سنويا. واستند هذا النجاح إلى أرباح الصادرات الزراعية مثل الشاي والقهوة، واستخراج المعادن والسياحة والقطاع العام الكبير. وفي الوقت نفسه نجحت جهود تنويع مصادر الاقتصاد مؤخرا في صعود قطاع التكنولوجيا، ومبادرات تطوير القوة العاملة. كما شهدت البلاد تحسنا كبيرا في الناحية الصحية بفضل نظام التأمين الصحي الذي غطى حوالي 90 في المئة من السكان.

وزاد متوسط العمر المتوقع للمواطن الرواندي إلى الضعف خلال عقدين بعد المذبحة. وانخفضت معدلات وفيات الأطفال والإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (إيدز). وعلاوة على ذلك تعاملات رواندا مع جائحة فيروس كورونا المستجد بطريقة جيدة وسجلت أحد أعلى معدلات التطعيم ضد الفيروس على مستوى أفريقيا، وضخت استثمارات كبيرة في المنشآت الصحية الريفية.

وأما على الصعيد الاجتماعي، فتعتبر رواندا نموذجا نجاحا لتقليل الفجوة بين الجنسين في البرلمان حيث يضم أكبر نسبة من النساء مقارنة بأي برلمان آخر في العالم. وأصبحت نسبة استمرار الأطفال في المدارس الأعلى على مستوى قارة أفريقيا. ورغم ذلك فإن مدى التقدم الحقيقي في رواندا مازال موضع جدل بسبب التناقضات المحتملة في البيانات.

7