قوات الأمن الفلسطينية بين فكي الرحى

هناك فجوة هائلة بين التصورات الإسرائيلية والفلسطينية لما يجب أن تبدو عليه غزة بعد الحرب وما يجب أن يكون دور قوات الأمن.
الاثنين 2024/04/08
أي دور بعد صمت المدافع؟ معضلة تؤرق الجميع

القدس – توجه محمد مناصرة في أواخر فبراير إلى محطة وقود بالقرب من مستوطنة عيلي في الضفة الغربية. وكان مسلحا بسلاح آلي. وقتل شخصين قبل أن يقتله صاحب مطعم في المحطة، التي شهدت مقتل أربعة إسرائيليين في الصيف الماضي.

وبعد ثلاثة أسابيع، أطلق مجاهد بركات منصور، وهو أب لطفلين، النار بالقرب من مستوطنة دوليف الإسرائيلية في الضفة الغربية، وقتل جنديا إسرائيليا وأصاب ستة آخرين في معركة بالأسلحة النارية استمرت ساعات قبل أن تستهدفه مروحية عسكرية إسرائيلية.

وبعد أيام، أطلق أبورضا السعدي النار على حافلتين مدرسيتين وسيارة في غور الأردن، وأصاب ثلاثة إسرائيليين، من بينهم صبي يبلغ من العمر 13 عاما. وهرب من مكان الحادث لكنه سلّم نفسه بعد يومين إثر مطاردة مشددة.

ولهؤلاء الرجال قواسم مشتركة تتجاوز مهاجمة الإسرائيليين. وكان الثلاثة أعضاء نشطين أو سابقين في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. وتبقى الحوادث الثلاثة من بين عدد متزايد من الهجمات المنفردة على الإسرائيليين منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر. وتأتي وسط اشتباكات يومية بين القوات الإسرائيلية وفلسطينيين في الضفة الغربية.

عجز قوات الأمن الفلسطينية عن حماية نفسها وحملتها المتكررة على منتقدي عباس يعدّ من أهم أسباب فقدان السلطة لمصداقيتها

ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي إن الحوادث الثلاثة تسلط الضوء على قوات الأمن الفلسطينية المكونة من 35 ألف فرد التي تريد الولايات المتحدة ودول الخليج والكثير من المجتمع الدولي أن تجعلها مسؤولة عن الأمن على الأرض في غزة بعد الحرب.

وتتألف قوات الأمن، التي ترفع تقاريرها إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، من الشرطة، وقوات الأمن الوطني، والحرس الجمهوري، والأمن الوقائي، والمخابرات العامة.

ويصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على غزة والضفة الغربية لكنه يرفض تولي المسؤولية اليومية على القطاع المدمرأو الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لتمهيد الطريق لعودة سلطة عباس إلى غزة.

وفي نفس الوقت، يُواجه بالرفض اقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي باعتماد بدائل (عشائر غزة، والدول العربية، والشركات الأمنية والعسكرية الخاصة) لمساعدته في ملء الفراغ وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.

وتخدم الحوادث الثلاثة إصرار نتنياهو على أن يدير الفلسطينيون الممتثلون شؤون غزة اليومية، بما في ذلك ضمان القانون والنظام، حتى وإن كان رفض نتنياهو للسلطة مرتبطا أكثر برفضه الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية منه بالمخاوف الأمنية.

وتبرز هذه الحوادث ورفض نتنياهو الفجوة الهائلة بين التصورات الإسرائيلية والفلسطينية لما يجب أن تبدو عليه غزة بعد وقف الحرب، وما يجب أن يكون دور قوات الأمن. وتتصور إسرائيل أن مهمة القوات الرئيسية تكمن في منع العنف ضد إسرائيل، بينما يرى الفلسطينيون أن عليهم حماية أنفسهم من هجمات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين أيضا.

بب

وقال الناشط والمحلل السياسي الفلسطيني فادي قرعان إن البعض ينضمون إلى قوات الأمن متوقعين أنهم سيكونون جزءا من النضال التحريري، ثم يتحوّل هذا النضال التحرري بالنسبة إليهم إلى نوع من الحفاظ على الأمن والنظام بين أبناء شعبهم.

واكتسبت القضايا المرتبطة بقوات الأمن الفلسطينية أهمية إضافية الأسبوع الماضي، حيث يضغط الرئيس الأميركي جو بايدن على إسرائيل لتعزيز تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان حماية المدنيين الأبرياء، والموافقة على وقف فوري لإطلاق النار.

وسافر مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز إلى القاهرة خلال الأسبوع الحالي لعقد اجتماع مع رئيس وزراء قطر، ومدير الموساد، ورئيس المخابرات المصرية، في محاولة للتقدم في المحادثات المتوقفة حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.

وترى الولايات المتحدة وقطر ومصر في وقف إطلاق النار نقطة انطلاق لإنهاء الحرب المستمرة منذ ستة أشهر، وهي التي تعد بوضع ترتيبات الحكم والأمن بعد الحرب على رأس جدول الأعمال.

تورط قوات الأمن الفلسطينية في العنف ضد إسرائيل يسلط الضوء على تداعيات تقويض إسرائيل المنهجي للسلطة وقواتها الأمنية

ويعدّ عجز قوات الأمن الفلسطينية عن حماية نفسها وحملتها المتكررة على منتقدي عباس من أهم أسباب فقدان السلطة لمصداقيتها، حيث يرى الفلسطينيون أن القوات تنفذ تعليمات إسرائيل وتخدم الرئيس.

وقال غيث العمري، محلل شؤون الشرق الأوسط والمستشار السابق لفريق مفاوضات السلام الفلسطيني، خلال محادثات الوضع الدائم التي أجريت بين 1999 و2001، إن “المشكلة تكمن في تسييس قيادة قوات الأمن. ويصعب أن نرى كيف يمكنهم ممارسة العمل الأمني نظرا إلى مدى سوء موقف السلطة الفلسطينية اليوم”.

وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط علاء الترتير إن إصلاح قطاع الأمن الفلسطيني يهدف أولا إلى “تحقيق الاستقرار والتنسيق الأمني وأمن إسرائيل”.

واتهمت حركة فتح (التي يترأسها عباس)، الأسبوع الماضي، إيران (التي تدعم حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني) بمحاولة زرع الفوضى وسط تصاعد العنف بين الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وشددت حركة فتح في بيان لها رفضها “للتدخلات الخارجية وتحديدا الإيرانية، في الشأن الداخلي الفلسطيني… هذه التدخلات لا هدف لها سوى إحداث الفوضى والفلتان والعبث بالساحة الداخلية الفلسطينية، الأمر الذي لن يستفيد منه إلا الاحتلال الإسرائيلي وأعداء شعبنا الفلسطيني”.

وأضافت “لن نسمح باستغلال قضيتنا المقدسة ودماء أبناء شعبنا أو استخدامها كورقة لصالح مشاريع مشبوهة لا علاقة لها بشعبنا الفلسطيني ولا قضيتنا الوطنية”.

وجاء تحذير فتح إثر اشتباكات جدت الأسبوع الماضي بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين من حركة الجهاد الإسلامي في مدينة طولكرم بالضفة الغربية وحادث مماثل في جنين التي كانت هدفا متكررا للغارات الإسرائيلية.

وسعت قوات الأمن الفلسطينية إلى منع المظاهرات المؤيدة لحماس في مدن الضفة الغربية وقيدت رفع أعلام خصمتها السياسية. وقال مصدر أمني فلسطيني “هذا ليس دعما للسياسة الإسرائيلية، بل هو أمر مدفوع بالقلق من ارتفاع شعبية حماس”. وقال جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الشهر الماضي إنه أحبط محاولات إيران لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة إلى الضفة الغربية.

يي

وقال الشاباك إن الوحدة الإيرانية 4000، وقسم العمليات الخاصة التابع لاستخبارات الحرس الثوري، ووحدة العمليات الخاصة التابعة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري في سوريا (المعروفة باسم الوحدة 18840) كانت من نظّم التهريب. وذكر أن منير قداح، وهو مسؤول كبير في حركة فتح في لبنان، كان متورطا أيضا.

وأضاف أن مخزن الأسلحة شمل ألغاما أرضية مضادة للدبابات مزودة بصمامات، وقاذفات قنابل يدوية، وصواريخ مضادة للدبابات محمولة على الكتف، وقاذفات آر.بي.جي، وصواريخ ومتفجرات سي 4 وسمتكس.

وأصدرت حركة فتح بيانها في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لانتقام محتمل من طهران على قصف إسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث أسفر عن مقتل اثنين من كبار قادة الحرس الثوري وخمسة آخرين.

وأكدت ريغافيم، وهي منظمة غير حكومية مؤيدة للمستوطنين الإسرائيليين تسعى إلى تصوير السلطة الفلسطينية على أنها تهديد إرهابي، في تقرير من 68 صفحة صدر في فبراير، أن 80 من مساعدي قوات الأمن الفلسطينية اعتُقلوا أو قتُلوا أثناء مهاجمة مواطنين وجنود إسرائيليين في السنوات الثلاث الماضية.

لكن تورط قوات الأمن الفلسطينية في العنف ضد إسرائيل يسلط الضوء على تداعيات تقويض إسرائيل المنهجي للسلطة وقواتها الأمنية، وسياسة الاحتلال التي تولد المقاومة، حتى وإن لم يوجد ما يبرر العنف ضد المدنيين الأبرياء.

الجيش الإسرائيلي يضيّق بقيوده المتزايدة على المناطق التي يمكن لقوات الأمن أن تعمل فيها ويخضعها لنفس السياسات التي تشل الفلسطينيين العاديين

وتصور إسرائيل، الرافضة لأي تعبير عن التطلعات الوطنية الفلسطينية، على أنها مصممة لقتل الإسرائيليين وتهديد الأمن بدلا من كونها قوة عملت بشكل وثيق مع نظرائها الإسرائيليين رغم مشاعرها القومية.

ومن المؤكد أن أفراد الأمن يرددون الأغاني والشعارات القومية أثناء التدريب والعمل. وتُعلّق في منشآتهم صور لعباس وياسر عرفات، الزعيم الراحل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتكريمات لمقاتلي الضفة الغربية.

لكن إسرائيل عززت المشاعر القومية والمتشددة بعد مذبحة حرب غزة بدلا من العمل مع قوات الأمن. وتسببت في مقتل أكثر من 400 فلسطيني في ستة أشهر من الغارات اليومية المتعددة على مدن الضفة الغربية وقراها ومخيمات اللاجئين.

ويضيّق الجيش الإسرائيلي بقيوده المتزايدة على المناطق التي يمكن لقوات الأمن أن تعمل فيها ويخضعها لنفس السياسات التي تشل الفلسطينيين العاديين. وساءت الأمور أكثر حين رفضت إسرائيل تحويل عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية بالكامل. ويعني هذا أن أفراد قوات الأمن لم يتلقوا سوى نصف رواتبهم منذ اندلاع حرب غزة.

وتحدث مدير تدريب في قوات الأمن إلى صحيفة “واشنطن بوست” خلال الشهر الماضي، واقتصر تعريفه على كونه عقيدا. وقال إن إسرائيل رفضت استيراد الذخيرة الحية لأغراض التدريب لمدة سنة.

وأكد أن القوات ترسل أفرادا إلى الأردن للتدريب على استخدام الذخيرة الحية للتحايل على القيود الإسرائيلية.

وقال مسؤول كبير في قوات الأمن إن “إسرائيل تؤكد على أننا غير قادرين على الحفاظ على القانون والنظام لتبرير غاراتها اليومية وعمليات القتل. وتصبح النتيجة نمو التشدد في غياب قوة أمنية تحمي الفلسطينيين بدلا من تهديدهم”.

6