المدينة القديمة بالدار البيضاء رحلة إلى عالم متفرد

منذ القرن الحادي عشر تمت الإشارة إلى المدينة القديمة في الدار البيضاء على الخرائط باعتبارها مدينة ساحلية صغيرة منفتحة على التجارة الخارجية، وشهدت أحداثا تاريخية متعددة لتشكل واحدة من أهم الحواضر بالقارة الأفريقية.
الدار البيضاء - تقف المدينة القديمة أحد أهم الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، شاهدة على حضارة غنية وموروث تاريخي عريق، تتميز بشوارعها الضيقة ومبانيها العتيقة، والأسوار التي تحيط بها.
وتتخلل هذه الأسوار عدة أبواب تُمكِّن من دخول المدينة القديمة، أشهرها باب مراكش الذي يوجد قرب ساحة الأمم المتحدة إحدى أكثر المناطق حيوية ورواجا وسط الدار البيضاء.
وفور اجتياز باب مراكش، يجد الزائر نفسه ينغمس في رحلة متميزة تأخذه إلى عالم متفرد، بعيدا عن البنايات الحديثة والمقاهي والمحلات العصرية التي تؤثث جنبات ساحة الأمم المتحدة، ليجد نفسه وسط مدينة عتيقة بمبانيها العريقة وأزقتها الضيقة، وأسواقها التقليدية التي تتميز بأبوابها الخشبية الكبيرة ذات اللون البني، ما يجعل منها معلما سياحيا متميزا وقلب الدار البيضاء النابض بالتاريخ والحضارة.
وتقول مهجة نايت بركة، الكاتبة العامة لجمعية “كازا ميموار/ ذاكرة الدار البيضاء”، أن المدينة القديمة هي القلب التاريخي للدار البيضاء، مبرزة أن أصل مدينة الدار البيضاء الحديثة يعود إلى المدينة القديمة، حيث إنه انطلاقا من هذا القلب التاريخي تطورت العاصمة الاقتصادية للمملكة لتصبح اليوم من أهم الحواضر بأفريقيا وقطبا اقتصاديا مهما على المستويين الوطني والقاري.
وعن تاريخ هذا الحي القديم، أكدت نايت بركة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المدينة القديمة التي يعود تاريخ إنشائها إلى عدة قرون، شهدت أحداثا تاريخية متعددة، مشيرة إلى أنه منذ القرن الحادي عشر، تمت الإشارة إلى المدينة على الخرائط باعتبارها مدينة ساحلية صغيرة في منطقة تامسنا، منفتحة على التجارة الخارجية مع إسبانيا والبرتغال وإيطاليا.
وأضافت أن المدينة كانت تعرف حينئذ باسم “أنفا” وهي كلمة أمازيغية تعني “التلة الصغيرة”، وكانت تحت حكم قبيلة برغواطة، لكن في عام 1068، حاصر يوسف بن تاشفين المدينة ودمرها. وبعد ثلاثة قرون، في عام 1468، هوجمت المدينة ودُمرت مرة أخرى، هذه المرة على يد البرتغاليين، انتقاما من الخطر الذي كانت تتعرض له سفنهم التجارية من طرف القراصنة المحليين.
وبعد معاناة دامت عدة عقود، استطاعت المدينة القديمة استعادة الحياة خلال حكم السلطان العلوي سيدي محمد بن عبدالله (1789-1747) الذي بعث في المدينة روحا جديدة، من خلال بناء وتحصين المدينة المدمرة، وتزويدها بأسوار ومعقل عسكري (السقالة)، ومسجد كبير (الجامع الكبير).
وتم أيضا خلال حكم السلطان العلوي سيدي محمد بن عبدالله تزويد المدينة بميناء، والذي أصبح بين القرن الثامن عشر ونهاية القرن التاسع عشر، الميناء الرئيسي في المغرب لتصدير الصوف والحبوب والشاي، حيث شهدت المدينة ازدهارا كبيرا وأصبحت تستقطب أعدادا كبيرة من السكان من جميع المناطق بالمملكة وكذا من جنوب أوروبا، وهو ما انعكس على معمار المدينة التي أصبحت في عهد سيدي محمد بن عبدالله تعرف باسم الدار البيضاء.
وأوضحت نايت بركة أن المدينة القديمة التي تم إدراجها ضمن قائمة التراث الوطني من قبل وزارة الثقافة سنة 2013، تتميز بتنوع معماري مهم: عمارة دينية، عمارة جنائزية، عمارة عسكرية، عمارة مدنية، وعمارة إدارية، كما أنها تجسيد لقيم التسامح والتعايش بين سكان من أصول وديانات مختلفة.
وأكدت أن ما يميز المدينة القديمة للدار البيضاء، كون أزقتها ومبانيها تشبه المدن الساحلية أكثر من المدن العتيقة بالمدن الداخلية للمملكة.
وقد استفادت المدينة القديمة من عدة برامج ومشاريع مهمة تهدف إلى إعادة تأهيل هذا الموروث الثقافي والحضاري المهم، وتحسين ظروف عيش الساكنة وإعادة تأهيل الإطار المبني وإحداث مرافق جديدة والمحافظة على المباني التاريخية.
وقالت نايت بركة إن “هذا الحي التاريخي استفاد ومازال يستفيد من مشاريع كبرى لإعادة التأهيل والتطوير، بالإضافة إلى اتخاذ عدة تدابير وإجراءات بهدف الحفاظ على المباني التراثية والتاريخية وتثمينها”.
تشكّل مدينة الدار البيضاء كما هي عليه اليوم أكبر المدن بالمملكة، ومن أهم الحواضر بالقارة الأفريقية، وقبلة مهمة للعديد من الزوار من داخل المغرب وخارجه.
