هل دفع أبوماريا القحطاني ثمن تحديه لأبي محمد الجولاني

لم يكن خبر اغتيال القيادي في هيئة تحرير الشام ميسر الجبوري الملقب بأبي ماريا القحطاني، بالمفاجئ بالنسبة للكثيرين ولاسيما للقيادات المنشقة، والتي وجهت اتهامات لزعيم الهيئة أبي محمد الجولاني بالوقوف خلف العملية في إطار تصفية حسابات، وإزاحة “رفقاء” باتوا مصدر إزعاج.
إدلب (سوريا) - تشكك أوساط متابعة للحركات الإسلامية في تورط تنظيم الدولة الإسلامية في اغتيال الرجل الثاني في هيئة تحرير الشام العراقي أبي ماريا القحطاني، معتبرة أن قائد الهيئة أبا محمد الجولاني هو المستفيد رقم واحد من اغتياله.
وقتل القحطاني وأصيب أربعة آخرون بجروح خطيرة، من ضمنهم قيادات كانوا في تنظيم القاعدة سابقا، نتيجة تفجير انتحاري لحزام ناسف في مضافته ببلدة سرمدا شمالي محافظة إدلب.
وجاء مقتل القحطاني بعد نحو شهر على الإفراج عنه من سجون هيئة تحرير الشام، على إثر ضغوط داخلية وشعبية تعرضت لها قيادة الهيئة، التي كانت اتهمته بالتورط في ملف العمالة وسجنته لنحو ثمانية أشهر مع عدد من القيادات الآخرين في التنظيم الجهادي.
ويعد أبوماريا القحطاني وهو ميسر علي موسى عبدالله الجبوري من أبرز قيادات تنظيم القاعدة في سوريا قبل أن ينضم إلى تنظيم داعش، ثم ينشق عنه ليصبح الرجل الثاني في هيئة تحرير الشام، بفعل علاقاته الخارجية وأيضا صلاته القوية مع العشائر في شمال غرب سوريا، وهو ما شكل مصدر إزعاج كبير لزعيم الهيئة الجولاني.
وأكدت هيئة تحرير الشام مقتل القحطاني في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وحمّلت تنظيم الدولة الإسلامية المسؤولية، فيما لم تعلن أي جهة حتى الآن عن مسؤوليتها عن الهجوم.
في المقابل اتهمت قيادات سابقة في “تحرير الشام”، الجولاني بعملية الاغتيال ومنهم القيادي السابق في الهيئة والمنشق عنها صالح الحموي والذي قال إن الجولاني اغتال القحطاني، وإنه مستعد لقتل أي شخص يقف في طريق سلطته. وأضاف الحموي أن تنظيم الدولة الإسلامية لم ينفذ أي تفجير في إدلب منذ ثلاث سنوات، بسبب اتفاق مع الهيئة مقابل السماح لعائلاتهم بالتنقل والسماح لكل قيادي بزيارة زوجته من البادية، متساءلا “لم الآن تمكن من ذلك بعد خروج القحطاني حصرا؟”.
من جهته اتهم القيادي السابق أبويحيى الشامي زعيم هيئة تحرير الشام بالوقوف وراء الاغتيال. وكان الشامي حذر قبل أسابيع من إقدام الجولاني على اغتيال ما أسماه “كبشا سمينا ويتهم به غيره”.
وتقول الأوساط المتابعة للحركات الجهادية إن سبب استبعاد رواية قيادة هيئة تحرير الشام عن تورط داعش في عملية الاغتيال يعود إلى كون التنظيم الجهادي لا يتوانى عن تبني أي عمليات يقوم بها.
وتوضح الأوساط أن تنظيم داعش قد يكون راغبا في تصفية الحسابات القديمة مع القحطاني الذي انشق عنه في العام 2013، وشارك في معارك ضده في محافظة دير الزور شرق سوريا، وكان له دور رئيسي في القضاء على خلاياه في شمال غرب البلاد، لكن عمليا لا يملك داعش حاليا أي حضور فاعل داخل إدلب، وبالتالي فإنه من الصعب تصديق رواية قيادة هيئة تحرير الشام. وتلفت الأوساط إلى أن الافتراض الأكثر واقعية والأقرب هو أن تكون قيادة هيئة تحرير الشام خلف عملية اغتيال القحطاني، أو أقلها أنها يسرت عملية اغتياله، لاسيما وأن هناك مخاوف لدى الجولاني من انقلاب قد يتم عليه.
وقال الباحث في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبوهنية إن القحطاني شكّل بعد خروجه من السجن نوعا من الخطورة على الجولاني، خاصة بعد التفاف العشائر حوله وتوافد وجهائها إليه لتهنئته بالبراءة، إضافة إلى استمرار ولاء كتلة الشرقية له.
الجولاني تخلص بمقتل القحطاني من أحد أبرز القيادات المثيرة للقلق، وأيضا وجه رسالة لباقي القيادات بالعودة إلى بيت الطاعة أو التعرض لمصير مشابه
وأكد أبوهنية في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن هذه العملية لم تكن تحدث لولا انكشاف الغطاء الأمني عن القحطاني، والذي كانت توفره له تحرير الشام.وأفرجت هيئة تحرير الشام عن القحطاني في السابع من مارس الماضي في غمرة احتجاجات شعبية واسعة شهدتها محافظة إدلب ومناطق خاضعة لسيطرة الهيئة في حلب، بعد أزمة العمالة.
وجاء في بيان اللجنة القضائية التابعة للهيئة أن بعد الاطلاع في قضية “المتهمين بالعمالة”، تمت تبرئة المدعى عليه ميسر الجبوري، أبي ماريا القحطاني، من تهمة العمالة، والإفراج عن ميسر الجبوري.
وخضع القحطاني للإقامة الجبرية في منتصف سبتمبر الفائت، إثر الحديث عن اعتقال خلية تعمل لصالح التحالف الدولي واعتراف أفرادها بتورطه.
ويرى مراقبون أن بمقتل القحطاني فإن الجولاني تخلص من أحد أبرز القيادات المثيرة للقلق، وأيضا وجه رسالة لباقي القيادات بالعودة إلى بيت الطاعة أو التعرض لمصير مشابه.
كما أن قائد هيئة تحرير الشام تخلص أيضا من صندوقه الأسود، حيث إن القحطاني يعد أكثر العارفين بخبايا الهيئة، ومستودع أسرار الجولاني.
ويشير المراقبون إلى أنه من المستبعد أن يقدم أنصار القحطاني أو الكتلة الشرقية الخاضعة له على أي تحرك.
وتوقع عبدالرزاق المهدي الذي يعد من أحد أبرز الدعاة والشرعيين في الشمال السوري، أن الأمر لن يتوقف عند استهداف القحطاني.
وقال المهدي، عبر قناته في “تلغرام”، “الظاهر أن البعض لهم مصلحة في إدخال المحرر (المناطقة الخاضعة لسيطرة التنظيمات الجهادية في سوريا) في دوامة وفوضى لخلط الأوراق، فلن يتوقف الأمر باستهداف أبي ماريا”.
وأضاف “بل سيتبعه استهداف الشخصيات المؤثرة والفاعلة في المحرر”.