ترجمان الأشواق ومجرّة العشاق

هل هناك شروط وقواعد للحب الحقيقي؟
لا يكفي أن نتصفح كتاب أليف شفق “قواعد العشق الأربعون” لكي نصل إلى جواب شاف. فالكاتبة التركية نظرت إلى الحب من خلال عيون المتصوفة وبالأخص الأندلسي ابن عربي وهو صاحب كتاب “ترجمان الأشواق” الذي سعى من خلاله إلى شرح ما جرى له بتأثير لقائه بـ”نظام” الفتاة التي أحبها في مكة ومن ثم تزوجها وفي ذلك إنما نفذ وصية الشاب الظريف “لا تخف ما فعلت بك الأشواقُ/ واشرح هواك فكلنا عشاقُ”.
وليس كتاب “طوق الحمامة” للأندلسي الآخر ابن حزم سوى محاولة لشرح مراحل وأنواع الحب الحقيقي الذي يصل بالبعض إلى الجنون كما حدث مع قيس بن الملوح وسواه ممَّن سلّمهم الحب إلى الجنون. والحب لغز قد لا يتمكن الكثيرون من الوصول إلى أسراره وهو ما دفع أم كلثوم إلى أن تقول بلوعة “إنت فين والحب فين/ ظالمو ليه ديما معاك/ دنتَ لو حبيت يومين/ كان هواك خلاك ملاك”.
وكما يقول المثل “سمكة وطائر قد يقعان في الحب ولكن لا يستطيعان بناء منزل معا”، فهناك شروط خفية للحب لا يعرفها إلا مَن اجتاز عتبته بالصدفة. فالحب ليس مشروعا واضح المعالم حتى بعد أن يقع. وفي ذلك يقول عبدالحليم حافظ “كنت فين وأنا فين جتلي منين/ والإيام دي كانت غايبة عني فين/ نظرة عين فايته القلب وفيه جرحين/ من حلاوتهم قلت يا ريت كان لي قلبين”.
ولأن الحب أعمى فإنه قد يجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا. كما يمكن التصرف بقول مجنون ليلى. والحب الحقيقي لا يتأثر بمزاج صاحبه، فمَن يحبك يحبك في كل حالاته. ذلك ما يؤكده محمد عبدالمطلب “حبيتك وبحبك وحأحبك على طول/ مش خاين ونسيتك زي إنت مبتقول”. ولقد خفف ذكاء الرحابنة العبء حين جعلوا فيروز توزع الحب بين الفصول “حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي” كما لو أن حب الصيف هو غير حب الشتاء.
والمحب يرى العالم من خلال عيون حبيبه. يقول ناظم الغزالي “أحبك وأحب كلمن يحبك/ وأحب الورد جوري عبنه بلون خدك”. وإذا كان الروائي ستندال قد عرف الحب بـ”أنه أشد أنواع السحر فاعلية” فإن أنطوان سانت اإزوبيري صاحب رواية “الأمير الصغير” أصاب قلب الحقيقة حين قال “يبدأ الحب الحقيقي عندما لا نتوقع شيئا في المقابل”، ولذلك فإن “الحب الحقيقي ما يتنسيش طول السنين” على حد قول شادية.