السودانيون يفتقدون عادة "الضرا" الملمح الرئيسي لرمضان

عادة رمضانية قديمة تنتفي فيها الفوارق بين الفقراء والأغنياء عندما يجتمعون على مائدة واحدة في الطرقات والشوارع.
السبت 2024/04/06
في الضرا تنعدم الفوارق

اعتاد السودانيون في شهر رمضان على عاد "الضرا" التي تقوم على مشاركة المائدة الرمضانية عند حلول ساعة الإفطار بين جيران الحي الواحد وضيوفهم المحتملين وعابري السبيل، بهدف تحقيق قيم التكافل والتضامن والمساواة بين الناس، لكنها هذا العام باتت من الماضي بسبب الأوضاع التي يمر بها السودان.

الخرطوم - يفتقد السوداني سيف الدين السنوسي في شهر رمضان الإفطار بالطرقات والميادين والساحات العامة في عادة وتقليد قديم يعرف محليا باسم “الضرا” بعدما انزوت بصورة لافتة هذا العام ولاسيما في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وخاصة العاصمة السودانية الخرطوم.

وتمثل “الضرا” عادة رمضانية قديمة عند السودانيين، وتعني الكلمة باللهجة المحلية السند أو الحماية، فيما يشير البعض إلى أنها مشتقة من “المضاراة” أو “الإخفاء”، بمعنى إخفاء الفقر خلف الغنى، بحيث تنعدم الفوارق بين الفقراء والأغنياء عندما يجتمعون على مائدة واحدة في الطرقات والشوارع.

ولطالما شكلت إفطارات الشوارع مشهدا اجتماعياً في غالب مناطق السودان خلال شهر رمضان. وتقوم فكرة “الضرا” على مشاركة المائدة الرمضانية عند حلول ساعة الإفطار بين جيران الحي الواحد وضيوفهم المحتملين وعابري السبيل، وذلك بهدف تحقيق قيم التكافل والتضامن والمساواة بين الناس.

وقال السنوسي، وهو أحد مواطني حي الإنقاذ بجنوب الخرطوم لوكالة أنباء “شينخوا”، “هذا العام نفتقد الإفطار في الطرق والشوارع، ونتناول الإفطار داخل المنزل بسبب الحرب”. وأضاف “إفطار الشارع أحد أهم طقوس رمضان في السودان، وهو تقليد وثيق الارتباط بالعادات والحياة الاجتماعية في السودان”.

وأشار السنوسي إلى عدة أسباب تحول دون الخروج إلى الشوارع لتناول الإفطار قائلا “الوضع الأمني لا يسمح بذلك، هناك قصف جوي ومدفعي وإطلاق نار عشوائي، ولذلك نخشى الخروج إلى الشوارع”. وفي محاولة للتغلب على الوضع الراهن يتجمع بعض الجيران داخل أحد المنازل يوميا لتناول الإفطار. وقال السوداني خليل بشارة، الذي يقطن بحي الأزهري بجنوب الخرطوم لـ”شينخوا”، “نحاول بقدر الإمكان التجمع داخل أحد المنازل لإحياء عادة الإفطارات الجماعية”.

◙ فكرة "الضرا" تقوم على مشاركة المائدة الرمضانية بين جيران الحي الواحد وضيوفهم وعابري السبيل بهدف تحقيق قيم التكافل والتضامن والمساواة

وأضاف “صحيح أننا نفتقد إفطارات الشوارع، ولكننا نحاول تعويض ذلك من خلال التجمع في أحد البيوت، هذا بسبب الحرب وتداعياتها التي حرمتنا من تجمعات رمضان”. وتابع “لا نستطيع التجمع في الساحات والشوارع العامة لأنها غير آمنة، هناك قصف عشوائي وهجمات مسلحة، وحفاظا على سلامتنا نتناول الإفطار داخل البيوت”.

ولم يقتصر تأثير الحرب على انزواء عادة “الضرا” فقط، بل امتد إلى مائدة رمضان بشكل عام، إذ اختفت أصناف عدة عن مائدة رمضان لدى العديد من الأسر السودانية بسبب انعدام السيولة وارتفاع الأسعار وعدم توفر المواد الغذائية الرئيسية. واقتصرت مائدة إفطار رمضان على أصناف قليلة وإن كانت احتفظت بأصنافها التقليدية مثل العصيدة ومشروب الحلو مر.

وتعتبر “العصيدة” سيدة الأطعمة السودانية في رمضان، وهي إحدى الأطباق التقليدية، وتتكون بشكل رئيسي من مزيج الماء وطحين الذرة وأنواع من الحبوب، فيما يعد “الحلو مر” مشروبا تقليديا متوارثا عبر الأجيال في السودان، وهو خليط من أكثر من ثمانية أعشاب تمزج مع دقيق الذرة. وتسببت الحرب في السودان في غياب كل مظاهر الاحتفال بشهر رمضان، وأثرت الأوضاع الأمنية وتبعات الحرب النفسية والاقتصادية على استعدادات السودانيين لشهر رمضان والاحتفاء به.

وقال الباحث في التراث السوداني عبدالله شيخ إدريس “أثرت الحرب على كل نواحي الحياة في السودان، ولا شك أن انزواء عادة ‘الضرا’ بمثابة فقدان لملمح رئيسي من ملامح رمضان في السودان". وأضاف "يتمسك السودانيون بعادة الإفطار في الشارع أو ما يعرف بـ'الضرا'، وهو موروث ثقافي يؤشر إلى التكافل والتعاضد في شهر الخير".

وتابع إدريس أن هناك سببا آخر للاختفاء النسبي لإفطارات الشوارع في العاصمة السودانية الخرطوم هذا العام، وهو أن الحرب أوجدت واقعا اقتصاديا صعبا مما قلص من قدرة المواطنين على إعداد مائدة رمضانية متكاملة. وتابع "تغيب عناصر رئيسية عن مائدة رمضان بسبب انعدامها أو ارتفاع أسعارها، فاللحوم مثلا تضاعفت أسعارها وبلغ سعر الكيلو الواحد أكثر من 20 ألف جنيه سوداني (نحو 15 دولارا أميركيا)، كما تغيب المشروبات المستوردة بسبب توقف حركة الاستيراد".

18