تجاذبات داخل الجيش السوداني حول دور كتائب "المقاومة"

خطاب ياسر العطا عزز المعلومات التي ترددت حول استمرار اختراق الإخوان (الكيزان) للجيش، وعدم رغبة قيادات الحركة الإسلامية وقف الحرب.
الخميس 2024/04/04
تبادل أدوار بين ياسر العطا وشمس الدين الكباشي

الخرطوم- لم تتوقف دوائر سياسية عديدة في السودان وخارجه عن تفسير ما بدا كأنه خلاف بدأ يعصف بالجيش، حيث ربط مراقبون بين تصريحات مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ياسر العطا، وما قاله نائب القائد العام الفريق شمس الدين كباشي، حول المقاومة الشعبية، فالأول ثمن دورها والثاني طالب بعدم تسييسها وحذر من خطورتها.

وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن العطا اعتاد على تبني مواقف صارمة تجاه قضايا ودول عدة، وحرص على تعزيز دوره ضمن ما يعرف بـ”الصقور” في الحركة الإسلامية عن قصد، وغالبية مواقفه خلال الفترة الماضية انحازت إلى هذا الاتجاه، وتحول إلى ما يشبه المتحدث الرسمي بلسانهم علنا داخل الجيش.

ويلقى هذا الخطاب تجاوبا وتفاعلا من قبل من يريدون جر الجيش إلى معارك جانبية لتجاهل المعركة الرئيسية المتعلقة بالحرب وتداعياتها والخسائر التي أحدثتها، والفشل في تطويقها بعد نحو عام من اندلاعها، وما يمكن أن يصيب السودان من تفتت.

محمد تورشين: الجيش به تباينات في وجهات النظر بشأن دور القوى السياسية داخله
محمد تورشين: الجيش به تباينات في وجهات النظر بشأن دور القوى السياسية داخله

ودعا ياسر العطا خلال إفطار رمضاني في قاعدة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان إلى التمسك بالمقاومة الشعبية وعدم الالتفات إلى الأقوال السلبية بشأنها، وذلك بعد وقت قليل من تحذير كباشي من خطورة تصاعد دور هذه المقاومة، ويمكن أن تصبح الخطر المقبل إذا لم يتم ضبطها، وقال يجب ألا تكون “بازارا ولا سوقا سياسيا”.

وأضافت المصادر ذاتها أن العطا قائد عسكري ميداني ولا يعبر عن التوجهات السياسية بدقة للجيش، بينما كباشي هو الذراع السياسية الحقيقية للقائد العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وظهر على رأس وفد الجيش في مفاوضات المنامة مؤخرا مع وفد آخر للدعم السريع يقوده الفريق عبدالرحيم دقلو، ولذلك حمل حديث كباشي عن المقاومة الشعبية صفة رسمية، ثم جاء حديث العطا بعده ليضفي توازنا بين الجبهات داخل المؤسسة العسكرية.

وعزز خطاب ياسر العطا المعلومات التي ترددت منذ فترة حول استمرار اختراق الإخوان (الكيزان) للجيش، وعدم رغبة قيادات الحركة الإسلامية عموما وقف الحرب ضد قوات الدعم السريع إلى حين تحقيق انتصارات عسكرية حاسمة، تمكن الجيش من التفاوض وهو في موقف ميداني جيد، يجعله لا يضطر لتقديم تنازلات كبيرة.

كما أجهض الخطاب الرسالة التي انطوى عليها حديث كباشي، والموجهة بصورة أساسية إلى قوى إقليمية ودولية أبدت امتعاضا من تنامي نفوذ الجناح الإسلامي في الجيش والقوى ذات المرجعية الدينية، وخوفا من تحوله إلى قاعدة لجماعات متطرفة عقب أنباء حول مساهمتها الكثيفة في المعارك الأخيرة التي جرت في أم درمان.

وتعرضت مجموعة من كتيبة البراء بن مالك، التابعة للمقاومة الشعبية وما يسمى بـ”المستنفرين” إلى هجوم بطائرة مسيرة أثناء إفطار رمضاني الثلاثاء بمدينة عطبرة، ما أدى إلى مصرع وإصابة العشرات.

وأكد الحادث فحوى تصريحات ياسر العطا، والتي عبرت عن الدور الذي تقوم به هذه الكتيبة وغيرها من التنظيمات المتشددة التي تقاتل تحت لافتة المقاومة الشعبية، وأهمية الدور الذي بدأت تلعبه في المعارك، وقد يتطور الفترة المقبلة.

وأصبحت المقاومة الشعبية واحدة من الأدوات التي تعرقل اتجاه تيار داخل الجيش يؤمن بأهمية الحل السياسي، وتظهر أن هناك خلافا ظاهرا بين رؤيتين، يحاول البرهان ضبط ايقاعه والتحكم في مساراته كي لا يؤدي إلى هوة تزداد اتساعا.

◄ ياسر العطا حرص على تعزيز دوره ضمن ما يعرف بـ"الصقور" في الحركة الإسلامية عن قصد
◄ ياسر العطا حرص على تعزيز دوره ضمن ما يعرف بـ"الصقور" في الحركة الإسلامية عن قصد

وقال المحلل السياسي السوداني محمد تورشين إن الجيش به تباينات في وجهات النظر بشأن دور القوى السياسية داخله، في مقدمتها حزب المؤتمر الوطني (المنحل)، وهناك جناح يدرك أن هذا الحزب وغيره من الأحزاب مازالت حاضرة في المشهد العام ولديها أدوات مؤثرة في الشارع، ورغبة في الوصول إلى السلطة، وإتاحة الفرصة لها عبر الاستنفار الشعبي أو الالتحاق بالعمل العسكري المباشر، وهو ما سوف يتسبب في إعاقة أهداف الجيش مستقبلاً، ويؤسس إلى حالة جديدة من الاستقطاب داخله.

وأوضح تورشين في تصريح لـ”العرب” أن هذا التيار يرى أنه في حال سمحت القيادة العامة للجيش لأي قوى سياسية بالتوغل وزيادة النفوذ سوف يتهدد مستقبل الجيش في السلطة التي يريد استمرار القبض عليها، وفي المقابل تبرز هذه القوة في صدارة المشهد السياسي، وهو ما ظهرت تجالياته بشكل متفاوت في تصريحات عدد من قادة الجيش.

وشدد على أن تصريحات كباشي لا يقصد بها المؤتمر الوطني الذي ينخرط مع الجيش في الحرب الدائرة حاليًا منذ اليوم الأول حينما دعا البرهان للاستنفار وما صدر على لسانه هدفه قوى وتيارات أخرى تقاتل أيضا إلى جانب الجيش، بينها حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي وتشارك عناصر منهما في الحرب بجوار الجيش، كذلك الحركات المسلحة التي لديها أذرع سياسية، وذلك للتأكيد على أن الجيش لن يتراخى في مواجهة أي طرف مهما كان حجمه أو دوره يسعى لتمرير أجندته السياسية، وأنه لن تحدث شروخ داخل المؤسسة العسكرية.

وكشفت المصادر السودانية لـ”العرب” أن ما يبدو تباعدا بين رؤيتين حول المقاومة الشعبية يحمل في جوهره ملامح من تصورات الحركة الإسلامية التي تعتمد على توزيع الأدوار، والإيحاء بوجود خلافات عميقة للتغطية على أهداف خفية، وإقناع قوى محلية وخارجية بوجود صراع أجنحة قد لا تكون الغلبة فيه للجناح الإسلامي.

تعيد هذه المسألة لعبة الرئيس السابق عمر البشير عندما تحالف مع زعيم الحركة الإسلامية حسن الترابي في الإنقلاب العسكري عام 1989، وذهب الأول إلى القصر وقبع الثاني في السجن إلى حين استقرت الأمور، ثم حكما معا قبل أن ينفجر صراع آخر بينهما، كانت نتيجته ابتعاد البشير عن الترابي تحت مظلة سياسية واحدة.

2