لماذا يثير التمركز الإيراني في جنوب سوريا قلق الجوار

السويداء ودرعا بوابات طهران لتشكيل التطورات في الأردن وإسرائيل.
الأربعاء 2024/04/03
الحدود ورقة جيوستراتيجية

النظام السوري يكافح من أجل حكم جنوب سوريا، في حين أن الحرب الأوكرانية أضعفت نفوذ روسيا، مما جعلها أكثر اعتماداً على طهران وحلفائها في المنطقة. ومع ذلك، فإن هذا قد يزيد من احتمالات الصراع بين إيران وإسرائيل.

عمان - أظهرت الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة منذ أكتوبر 2023 أن المصالح الإيرانية والإسرائيلية المتنافسة في جنوب سوريا أصبحت غير قابلة للتوفيق. وجاء في تقرير نشره معهد كارنيغي للسلام أنه إذا تم تقليص أو تحييد حرية إيران في ضرب إسرائيل من غزة أو لبنان بمجرد انتهاء الصراع، فقد تضعف إيران، الأمر الذي لن يؤدي إلا إلى تعزيز حافزها للبقاء راسخة في جنوب سوريا.

ويشكل هذا مصدر قلق لجيران سوريا - وخاصة إسرائيل، التي تهيمن على الأجواء السورية - وللأطراف الدولية الفاعلة. ولهذا السبب، من دون تغييرات في الوضع الحالي، من المرجح أن يشهد جنوب سوريا ارتفاعا تدريجيا في التوترات، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مواجهة كبيرة بين إيران وإسرائيل في المستقبل. ويتاخم جنوب سوريا - الموافق لمحافظات القنيطرة ودرعا والسويداء - الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل ولبنان. ومن يسيطر على هذه المنطقة يتمتع بنفوذ جيوسياسي كبير، خاصة في ما يتعلق بالأردن وإسرائيل.

وللأجزاء من القنيطرة التي لا تحتلها إسرائيل قيمة إستراتيجية لأنها تقع على أرض مرتفعة بالقرب من خط فض الاشتباك الذي تم تحديده بعد الحرب العربية – الإسرائيلية في أكتوبر 1973 بين الجيشين السوري والإسرائيلي، وقربها من الجولان يعني أن القوات الإسرائيلية والبلدات هناك معرضة للهجمات من القنيطرة.

وكما هو الحال في جميع المناطق الحدودية السورية، فإن الجنوب عرضة لتأثير الجماعات المحلية والقوى الإقليمية التي تتنافس على الهيمنة. ومع ذلك، على عكس شمال شرق سوريا أو محافظة إدلب، حيث تهيمن وحدات حماية الشعب الكردية أو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، على التوالي، ولا توجد جهة فاعلة محلية أو أجنبية واحدة تفعل ذلك في جنوب سوريا.

◙ ميزة إيران في الجنوب تأتي من شبكتها الأمنية التي تسمح بالوصول إلى الحدود وتربط مناطق العمليات الرئيسية

وبالمثل، في حين تتمتع تركيا والولايات المتحدة بنفوذ كبير في الشمال، فإن الروابط بين الجماعات المحلية والدول الخارجية تظل مائعة في الجنوب، حيث تسعى أطراف متعددة إلى تحديد النتائج. وتعتبر إيران، من خلال حليفها حزب الله، منافساً رئيسياً في هذا الصدد. ويتمتع بنفوذ في جميع أنحاء المنطقة، والأهم في القنيطرة، لكنه لا يتمتع بسيطرة كاملة. ومع ذلك، فقد خلق هذا الوضع بيئة مواتية لطهران للحفاظ على هيمنتها، بل وتوسيعها مع مرور الوقت، بشرط عدم حدوث تحولات كبيرة في الديناميكيات الحالية في جنوب سوريا.

وفي حين لا يزال الجنوب غير مستقر، فقد حدثت تغييرات كبيرة هناك في ما يتعلق بالنفوذين الروسي والإيراني. واحتفظت القوات الروسية والحكومية بوجودها على الأرض، لكن دورها تراجع في السنوات الأخيرة. وفي حين لم تتمكن إيران من ملء الفراغ، فقد حافظت على نفوذها في المنطقة. ونظراً للموارد الاقتصادية المحدودة التي تسمح للدولة السورية بتعزيز سلطتها، وتآكل مواقف النظام وروسيا، والتقلبات المحيطة في الجنوب، فإن الظروف مواتية لتوسيع نفوذ إيران، على الرغم من العقبات.

وتهدف إيران إلى استغلال الأهمية الجيوستراتيجية لجنوب سوريا حيث تعتبر المنطقة، وخاصة السويداء ودرعا، بوابات لتشكيل التطورات في الأردن، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة. ولهذا السبب فإن الحدود السورية – الأردنية ليست مجرد حدود بين الدول؛ يمكن للجهات الفاعلة السياسية أن تؤثر على التطورات الإقليمية في المنطقة.

وتعتبر المنطقة الحدودية ذات أهمية خاصة لقربها من إسرائيل ومرتفعات القنيطرة، التي تشرف على الجولان المحتل والمتاخمة للبنان، تمنح إيران نقطة ضغط ضد إسرائيل، المنافس الرئيسي لطهران. ورغم التحديات، تتمتع إيران بمزايا أكيدة في الجنوب السوري، خاصة على طول المحور الرابط بين محافظة ريف دمشق والقنيطرة، فهي لا تتمتع بحضور واسع النطاق هناك فحسب، بل تتمتع أيضًا ببنية تحتية أمنية قوية.

وتشير الأدلة المتوفرة إلى أن إيران لديها مركز عمليات جنوب دمشق، والذي يتمتع بموقع إستراتيجي بالقرب من مطار دمشق، المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية، وتضم مجتمعات شيعية، وتبعد ما بين 20 و30 كيلومترًا فقط عن لبنان و30 و40 كيلومترًا عن القنيطرة. وتواترت أنباء أيضا عن تواجد إيراني في حي السيدة زينب جنوب دمشق وغرب المطار.

◙ المنطقة الحدودية تعتبر ذات أهمية خاصة لقربها من إسرائيل ومرتفعات القنيطرة تمنح إيران نقطة ضغط ضد إسرائيل

ولا تؤدي الغارات الجوية الإسرائيلية واسعة النطاق في ريف دمشق إلا إلى تعزيز هذه الحجة . ومنذ عام 2013، استهدفت المحافظة 100 غارة جوية إسرائيلية من أصل 244، مما يجعلها المنطقة الأكثر استهدافًا، تليها القنيطرة بـ30 غارة. وفي السنوات الأخيرة، كان هناك ارتفاع طفيف: ففي حين كانت هناك ست غارات جوية على ريف دمشق في عام 2018، بحلول عام 2023 كان هناك 22 غارة جوية. وأما درعا والسويداء، فقد تعرضتا بدورهما للقصف بشكل أقل من قبل إسرائيل، حيث تعرضت كل محافظة للقصف ثلاث مرات فقط منذ عام 2013.

وهذا أقل بكثير من عدد الغارات الجوية على القنيطرة أو على مناطق في حلب ودير الزور ذات النفوذ الإيراني. وقد يشير التباين إلى عدم وجود أنشطة إيرانية كبيرة في المحافظتين؛ أو، إذا كانت موجودة، فإنها لا تشكل تهديدًا كبيرًا لإسرائيل. وعلاوة على ذلك، يشير التباين في الضربات الجوية إلى أن النفوذ الإيراني في القنيطرة أكثر أهمية.

وتختلف جغرافية القنيطرة وموقعها عن باقي مناطق الجنوب. فهي جبلية، مما يسهل إخفاء القوات العسكرية كما أنها ليست بعيدة عن المركز العصبي لإيران في ريف دمشق. وهي قريبة من لبنان، الذي يسيطر حزب الله على حدوده فعلياً. وهناك عامل آخر تنفرد به القنيطرة، وهو أنه في وقت مبكر من الحرب، كان لدى إيران وحزب الله إمكانية الوصول الفعلي إلى خط المواجهة، بل وطوّرا قدرات إطلاق النار بفضل انتشار النظام المستمر في بعض جيوب المنطقة.

وهناك ميزة إيرانية أخرى في القنيطرة تتعلق بديناميكيات الصراع المسلح في المنطقة وتركيبته الاجتماعية والديموغرافية التي خلقت فرصًا لإيران. وتأتي الميزة النسبية إلى إيران في الجنوب، إلى حد كبير، من شبكتها الأمنية التي تسمح بالوصول إلى الحدود وتربط مناطق العمليات الرئيسية، ريف دمشق والقنيطرة ومنطقة الحدود اللبنانية.

وأكسبت الطريقة التي تتبعها إيران في بناء التحالفات من خلال الرعاية والحماية وتخصيص الموارد المحلية للحلفاء، والتي تنطوي على إشراكهم في التجارة غير المشروعة، فطهران أيضًا تدعم الميليشيات في جميع أنحاء سوريا. وبدورها، فشلت روسيا في تطبيق مثل هذا النموذج في درعا مع اللواء الثامن، في حين يفتقر نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى الوسائل اللازمة للقيام بذلك. وقد ساعد ذلك في جعل روسيا والنظام السوري يعتمدان بشكل كبير على إيران وحلفائها، مما أعطى إيران ميزة في الجنوب، وخاصة في القنيطرة.

◙ قرب جغرافي مهم

6