نصنع أحلامنا كما نحب

إذا كان هناك مَن يبني حياته على الأوهام ليجدها تتحقق في الأحلام فإن هناك مَن يقول "حارب لأجل أحلامك وإن لم يحارب معك أحد".
السبت 2024/03/30
تجربة حب تتقلب بين النجاح والفشل

أكثر من ألف سنة تفصل بين ابن سيرين وسيغموند فرويد. ما يجمع بينهما أنهما اخترقا عالم الأحلام. كل على طريقته وتبعا لأهدافه. جمعتهما الأحلام وفرقت بينهما في الوقت نفسه.

فالفقيه محمد بن سيرين المتوفي في البصرة عام 729 هجري كان قد فسّر الأحلام بناء على رؤية تدافع عن قيم الخير في مواجهة شرور الإنسان، أما عالم النفس النمساوي فرويد فقد اعتبر الأحلام وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها. وإذا كان هناك مَن يبني حياته على الأوهام ليجدها تتحقق في الأحلام فإن هناك مَن يقول "حارب لأجل أحلامك وإن لم يحارب معك أحد".

ولا يتعلق الأمر دائما بالمنام على طريقة محمد عبدالوهاب "رأيت خيالو في المنام/ محلاه يا وعدي/ زوّد في وجدي" فهناك ما يُسمى بـ"حلم اليقظة" حسب قول الشاعر أحمد شوقي "الأماني حلم في يقظة/ والمنايا يقظة من حلم". أليس هناك مَن يقول "يستيقظ المرء حين يموت؟" كما لو أن الحياة عبارة عن حلم.  ذلك ما أراد تأكيده الشاعر محمود درويش بقوله “عيناك نافذتان على حلم لا يجيء/ وفي كل حلم أرمم حلما وأحلم” وحسب قول بيرم التونسي على لسان أم كلثوم فإن كل شيء يمر كما لو أنه “حلم ونام مع الأحلام".

وما الحياة سوى ذلك الحوار المستمر الذي يفرغ المعاجم من مفرداتها “بقه يقلي وأنا أقولو/ وخلصنا الكلام كله” والأحلام هي الأخرى صناعة يجيدها العشاق في مختلف مستويات عشقهم.

وقد تكون أحيانا نوعا من الكذب على النفس طلبا للراحة أو رغبة في تمرير الوقت. تقول وردة "رسم لي ع السما/ جنة فيها الهنا” وهو ما سعى شكسبير إلى الخوض في تفاصيله في مسرحيته “حلم ليلة منتصف صيف". “قالوا أضغاث أحلام” ما كان ملتبسا ومضطربا يصعب تأويله.

ولكن فيروز تأخذنا إلى مكان أخضر يمتزج فيه الواقع النضر بالأحلام "قودي القطيع إلى المراعي/ وامضي إلى خضر البقاع/ ملأ الضحى عينيك بالأطياف من رقص الشعاع/ وتناثرت خصلات شعرك للنسيمات السراع/ سمراء يا أنشودة الغابات يا حلم المراعي".

وهو ما لا تراه نجاة الصغيرة صالحا لوصف تجربة حب تتقلب بين النجاح والفشل وليس الحلم سوى محاولة لردم الفجوة “بحلم وأغني لحبيبي/ وفين حبيبي/ ما ليش حبايب وأنا ونصيبي/ يمكن زماني صالحني بعد العداوة”. ويبقى عبدالحليم حافظ هو الأكثر انحيازا إلى عالم الأحلام “بحلم بيك أنا بحلم بيك/ وبأيامي مستنيك/ وإن مسألتش فيا/ يبقى كفاية عليا/ عشت ليالي هنية أحلم بيك/ أنا بحلم بيك". وما دام الحلم قائما فإن الحياة مستمرة.

18