تسوية مُرجأة: هل يشهد 2024 انفراجة في الملف الرئاسي بلبنان

حراك جديد لانتخاب رئيس للبنان وإنهاء فترة الشغور الرئاسي في ضوء اشتعال حرب غزة.
السبت 2024/03/30
صفقة لم تنضج بعد

بيروت - بدت مؤشرات عدّة محلية ودولية في الأسابيع الأخيرة باتجاه عودة حراك انتخاب رئيس جديد للبنان وإنهاء فترة الشغور الرئاسي الممتد لنحو عام ونصف العام منذ 31 أكتوبر 2022 بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.

وجاء في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أنه على الرغم من أن هذا الحراك الذي جاء في ضوء اشتعال حرب غزة، سواء المبادرة التي طرحتها كتلة الاعتدال الوطني لانتخاب رئيس الجمهورية أو ما أعقبها من تحركات لللجْنة الخماسية التي تضم سفراء الولايات المتحدة وفرنسا ومصر والسعودية وقطر مع الفرقاء اللبنانيين لتعبيد الطريق أمام الانتخاب، فإن هذه الجهود تصطدم بمجموعة من العوامل الثابتة في المشهد السياسي اللبناني التي مازالت تعيق السير في هذا الطريق.

وثمّة مجموعة المتغيرات التي إما طرأت على المشهد السياسي اللبناني أو على العوامل المؤثرة فيه، والتي عُدّت في مجملها قوى دافعة إلى تحريك الجمود الحادث في ملف انتخاب رئيس الجمهورية.

مجموعة من المتغيرات طرأت على المشهد السياسي أو على العوامل المؤثرة فيه، عُدّت قوى دافعة إلى تحريك الجمود

وكانت القوى الداخلية والدولية قد سلّمت بأن أزمة انتخاب رئيس لبنان ستمتد وأن الجهود المبذولة لحل الأزمة لم تنضج بعد، خاصة مع عقد مجلس النواب اثنتي عشرة جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية انتهت جميعها بالإخفاق. إلا أن عملية طوفان الأقصى التي قادتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وشن إسرائيل حربها على قطاع غزة، وما ارتبط بها من تصعيد في جنوب لبنان بين إسرائيل وحزب الله، مثل عامل تغيير في هذه المعادلة على المستويين الداخلي والخارجي؛ فداخلياً رأى حزب الله من خلال ما أسماه حرب الإسناد لفصائل المقاومة في قطاع غزة فرصة لتعزيز موقعه شعبياً وسياسياً، ولاسيّما أن انخراطه في هذه الحرب كان محسوباً إلى حد كبير بما يجنب لبنان أكبر قدر ممكن من التداعيات، وفي نفس الوقت يرسخ موقعه كقوة مقاومة؛ ومن ثم يعطيه ذلك كله قوة ثبات على خياراته الرئاسية التي تواجه معارضة سياسية كبيرة.

أما خارجيا فإن القوى الإقليمية والدولية التي سلّمت بامتداد الفراغ الرئاسي رأت في التصعيد على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية فرصة لإعادة فتح هذا الملف انطلاقاً من أن شغل القوى الداخلية، ومنها حزب الله، بالتطورات السياسية وحساباتها من شأنه أن يهدئ التوترات على الجبهة الشمالية لإسرائيل ويحد من تطورها إلى حرب من جانب حزب الله، فضلاً عن أن وجود رئيس للبنان وليس حكومة تصريف أعمال تقوم في الوقت ذاته بتصريف أعمال رئاسة الجمهورية له بالغ الأثر في التفاوض والتشاور بشأن المبادرات المطروحة لخفض التصعيد وتنفيذ القرار الأممي رقم 1701.

وقدّمت كتلة الاعتدال الوطني التي تأسست في يونيو 2022، وتضم النواب الذين كانوا أعضاء في تيار المستقبل وترشحوا في الانتخابات الأخيرة كمستقلين وهم: أحمد الخير ووليد البعريني ومحمد سليمان وسجيع عطية وعبدالعزيز الصمد وأحمد رستم، مبادرة في الأسبوع الأخير من فبراير الماضي لتحريك المياه الراكدة في ملف انتخاب رئيس الجمهورية.

وتقوم المبادرة بشكل رئيسي على إجراء مشاورات بين الكتل النيابية للاتفاق على اسم أو تحديد عدة أسماء، ثم الولوج إلى جلسات متوالية لانتخاب رئيس الجمهورية دون إقدام أي كتلة على إفشال الجلسات بسحب نوابها لعدم استكمال النصاب القانوني. وقد أجرى نواب الكتلة مشاورات مع جميع الكتل النيابية لإقناعها بالمبادرة، وقد أبدت معظم الكتل تأييدها للمبادرة فيما وصفها حزب الله بالمبادرة الإيجابية ولكنه أرجأ الرد عليها إلى وقت لاحق.

وتوازياً مع حراك مبادرة كتلة الاعتدال يبرز حراك برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي لتوحيد القوى المسيحية، وهو ما قد يُعد استثماراً للتصدع في علاقة التيار الوطني الحر مع حزب الله، والذي زاد إثر اشتعال الجبهة الجنوبية مع إسرائيل إلى الحد الذي أكد فيه رئيس التيار جبران باسيل رفضه لمنطق وحدة الساحات، متهماً الحزب بافتعال الحرب وفرضها على لبنان وحمله أجندات خارجية، ومُكرراً كذلك رفضه لمرشح الحزب سليمان فرنجية.

وهو ما يتزامن مع تحول في علاقة التيار مع القوى المسيحية وخاصة حزب الكتائب برئاسة سامي الجميل إلى حد وصف الأخير لباسيل بالحليف الإستراتيجي للكتائب.

ولكن يمكن القول إن ما يمكن أن يجمع القوى المسيحية الرئيسية (الكتائب – القوات – التيار الوطني الحر) هو الاتفاق على رفض مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية فقط، وهو أمر وإن كان يمثل نقطة التقاء أساسية بينهم فإنه لا يكفي لنقل محاولات الاتحاد فيما بينهم إلى خطوة أكثر تقدما بخصوص الانتخابات.

الشغور متواصل

ويمثل الانفتاح الإقليمي والدولي الراهن على ملف انتخاب رئيس لبنان أحد أهم المتغيرات في المشهد، خاصة وأن القوى الإقليمية والدولية ظلت منشغلة بالعديد من الملفات عن قضايا لبنان، وبالتالي فإن عودة هذا الاهتمام يمثل في حد ذاته متغيراً مهماً.

وتثبت في مقابل كل هذه المتغيرات مجموعة من الثوابت الحاكمة لملف انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، والتي ربما زاد بعضها المتغيرات ثباتاً.
وتصطدم كل هذه التحركات الداخلية والخارجية بموقف الطرف الأقوى في المعادلة اللبنانية وهو حزب الله ومعه حليفه حركة أمل، فقد أكّدا تمسكهما بمرشحهما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ولم يبديا أي استعداداً للتخلي عن ترشيحه.

ويؤدي العامل الخارجي دوراً محورياً في ملف انتخاب رئيس لبنان تقليدياً؛ لكون الوصول إلى هذا المنصب محكوما بتوازنات وتحركات إقليمية ودولية، بل وبمصير العلاقات بين القوى وما قد ينجم عنها من تفاهمات.

ويمكن القول إن هذا الملف سيظل محكوماً بمصير التفاهمات التي يمكن أن تنشأ بين الولايات المتحدة وإيران إزاء مجموعة من ملفات المنطقة. ولمّا كانت هذه التفاهمات بعيدة عن التوصل إليها حتى الآن بحكم الانشغال بمآلات حرب غزة من جانب والتصعيد في البحر الأحمر من جانب آخر، وكذلك الانشغالات الداخلية وخاصة الانتخابات الأميركية المقبلة وترتيباتها، يمكن الإقرار بأن تأثير هذا العامل الخارجي على انتخاب رئيس لبنان سيظل مُرجأً إلى مرحلة لاحقة.

وعلى الرغم من كل المؤشرات الإيجابية التي طرحها الحراك المتنامي لملء الشغور الرئاسي في لبنان، فإن اصطدام تلك المؤشرات بالعراقيل الثابتة قد يُرجئ التسوية إلى مرحلة لاحقة. ويمكن القول إن ذلك الحراك على اتساعه لم يحظ حتى الآن باهتمام أميركي حقيقي، وسيكون تحقيق الاختراق في هذا الملف مرهوناً بهذا الاهتمام الذي إن تحقق فإنه سيستطيع التوصل إلى تسوية سواء أكانت ضمن إطار تسوية غزة أم مكملة لها.

6