مدفع رمضان.. طلقات بطعم الفرح والحنين للتونسيين

لم يكن العديد من التونسيين يعرفون طيلة قرون بلوغ موعد الإفطار في شهر رمضان إلا عبر المدفع الذي كان ينتشر بأغلب المدن التونسية، ولكن تراجع استعماله طيلة عقود ماضية، لتأتي في السنوات الأخيرة مبادرات لإعادة استغلاله حفاظا على عادة رمضانية ضاربة في القدم.
تونس - مع حلول شهر رمضان اعتاد الموظف المتقاعد سمير جبنون التوجه يوميا إلى مقر بلدية الحمامات بشمال شرق تونس ليستعد لإطلاق مدفع الإفطار الذي ما يلبث أن يدوي حتى تجيبه مآذن الجوامع برفع آذان المغرب في طقس لا يتكرر سوى لشهر واحد في العام لكنه كاف لإسعاد الملايين.
وقال جبنون (64 عاما) الذي يشرف على عملية إطلاق المدفع بالحمامات منذ حوالي ثلاثة عقود إنه يقوم بهذا العمل بشكل تطوعي لأنها عادة لا يمكن الاستغناء عنها “فشهر رمضان يعني صوت المدفع … صوت الفرح”. وأضاف لرويترز أن هذه العادة ورثها عن خاله الذي كان يرافقه منذ الصغر حين كان يطلق مدفع رمضان من على سطح البرج الأثري بمدينة الحمامات. وتابع قائلا “هي جزء مني لا أتخيل يوما في رمضان دون مدفع”.
ويجذب هذا التقليد السنوي عددا كبيرا من المواطنين في وسط المدينة المطلة على البحر المتوسط بالقرب من المكان المخصص لإطلاق المدفع قبل دقائق على الإفطار لمواكبة هذه اللحظات التي تثير فيهم البهجة، وسط أجواء احتفالية من غناء وأهازيج وأناشيد وتصفيق.
ورغم الاختلاف حول أصل وبداية عادة إطلاق قذيفة مدفع بالتزامن مع موعد إفطار الصائمين في شهر رمضان فقد انتشرت في مختلف الدول الإسلامية وترسخت كمظهر من المظاهر الملازمة للشهر الكريم.
وفي تونس، تنتشر المدافع بأغلب المدن خاصة العتيقة منها وإن سكتت أصواتها خلال السنوات القليلة الماضية وتراجع استعمالها قبل أن تعود من جديد بعد دعوات لإعادة هذا الطقس وسعيا للحفاظ على عادة رمضانية ضاربة في القدم.
ومع دفع بعض الجهات، سواء الرسمية أو الشعبية، إلى إحياء هذه العادة الرمضانية الراسخة في وجدان كل التونسيين بدأت الاستجابة لبعض هذه النداءات في حين لم تستجب لأخرى.
وتباعا استعاد هذا الموروث الاجتماعي بريقه في عدد من الولايات التونسية، ففي مدينة سليانة، شمال غرب البلاد، عاد مدفع رمضان في عام 2019 بعد تعطله طيلة تسع سنوات لترافق عودته فرحة عارمة لدى الأهالي.وعاد مدفع رمضان في القصرين، وسط غرب البلاد، عام 2021 بعد توقف دام 17 عاما ليطلق من جديد طلقاته المعتادة استجابة لنداءات السكان بإعادته.
أما في مدينة الكاف، المتاخمة للحدود الجزائرية، فقد غاب مدفع رمضان لمدة تزيد عن 22 عاما ليعود من جديد، وبعودته استرجع الأهالي خاصة كبار السن ومن عاشوا طفولتهم على وقع دويه الهادر الفرحة والبهجة.
وفي بنزرت، بشمال تونس، عاد مدفع رمضان بعد أكثر من 12 عاما من الغياب لينتصب بالحصن الإسباني في المدينة العتيقة ويبث البهجة في أركان المدينة وفي أفئدة أهلها. كما عاد المدفع في القيروان بوسط غرب البلاد بعد وصول كمية الذخيرة الخاصة به من العاصمة ليبهج الكبار والصغار.
ويؤكد جبنون أن “دوي المدفع جزء من الذاكرة الوطنية التي تجب المحافظة عليها والعمل على إحيائها”، لكن رغم سعادته بهذه العودة التدريجية في عدد من المدن التونسية بعد إسكات المدافع لأعوام بسبب الاضطرابات الأمنية التي عرفتها تونس في أعقاب ثورة الرابع عشر من يناير 2011، يبقى الرجل قلقا من اندثار هذا الموروث الثقافي.
فبخلاف نقص الذخيرة اللازمة وصيانة المدافع العتيقة وتعقد الإجراءات الأمنية المصاحبة للعملية، تسبب المدفع الرمضاني في عدد من الحوادث التي أدت إلى إصابة أو مقتل القائمين على تشغيله.
وفي عام 2010، انفجر المدفع في ولاية صفاقس بجنوب تونس عند محاولة إعادة تشغليه مؤديا إلى وفاة مهندس البلدية وجرح جنديين.