الشركات الأوروبية في الصين تواجه بيئة أعمال خطرة

فرنسا تدعو إلى اليقظة لمواجهة المنافسة الصناعية من الأميركيين والصينيين.
الخميس 2024/03/21
من يكتسب المهارة يكسب السباق!

يثير توجيه قادة الصين العازمين على تقييد الأعمال عبر تشديد القوانين، بالنظر إلى المشاكل التي تعرض لها ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ الوباء ثم آثار الحرب في أوكرانيا، حفيظة المستثمرين الأوروبيين الذين يعتبرون نشاطهم في هذه السوق بات محفوفا بالمخاطر.

بكين- تواجه الشركات الأوروبية في الصين ظروف عمل “يصعب توقعها”، وفق ما جاء في تقرير الأربعاء، وهو ما يجبرها بالتالي على تخصيص المزيد من الموارد لإدارة المخاطر.

ويسلط التقرير الذي نشرته غرفة التجارة التابعة للاتحاد الأوروبي في الصين الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجهها الشركات الأجنبية في أنشطتها في البلاد.

وتحدّثت أكثر من نصف الشركات المستطلعة، أي 55 في المئة، عن مناخ أعمال مسيّس بشكل أكبر خلال العام الأخير، وفق استطلاع أجرته مؤخرا الغرفة التي تمثّل أكثر من 1700 شركة متواجدة في الصين تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية.

وخلص المسح أيضا إلى أن “شعور عدم اليقين العام” هذا دفع ثلاثة أرباع الشركات الأوروبية لمراجعة تعاملها مع الصين وتنويع سلاسل الإمداد على مدى العامين الأخيرين.

لكن 12 في المئة منها فقط قررت تأسيس سلاسل إمداد جديدة تماما خارج الصين بينما ستقطع واحد في المئة منها فقط جميع الصلات مع البلاد.

برونو لومير: لنقبل التحدي ونصبح بمستوى الصين والولايات المتحدة
برونو لومير: لنقبل التحدي ونصبح بمستوى الصين والولايات المتحدة

وفي أعقاب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية سعى صناع القرار في أوروبا إلى اتباع نهج جماعي جديد يقلص انكشاف اقتصادات بلدانهم على الصين.

ويقول محللون إنه يبدو الأمر صعبا وربما محفوفا بالمخاطر، وقد يزيد من تعقيدات الوضع العالمي أكثر بدليل الرؤية المختلفة لدى فرنسا، والتي تريد عبرها معالجة التوتر القائم.

وتوترت علاقات أوروبا مع الصين في السنوات القليلة الماضية، وبدأ التأزم بتعثر اتفاق للاستثمار في عام 2021 ثم رفض بكين إدانة موسكو فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.

وتمكن الصينيون مع مطلع عام 2021 من تبوء مكانة الشريك التجاري العالمي الأول مع أوروبا، وأقصت بذلك منافستها الولايات المتحدة، التي حافظت على تفوقها هناك لعقود.

ووفقا للأرقام استطاعت الصين زيادة صادراتها لدول الاتحاد في عام 2020 بنحو 5.6 في المئة عما كانت عليه في عام 2019، كما ارتفعت وارداتها من هذه الدول بنسبة 2.2 في المئة مقارنة بالواردات الصينية من المنطقة الأوروبية في عام 2019.

ويلتقي التقرير الجديد بتسليطه الضوء على الضبابية مع الآراء الواردة في تقرير صدر مؤخرا عن غرفة التجارة الأميركية.

وأشار تقرير نشر في فبراير الماضي إلى تفاؤل أعضاء الغرفة الأميركية حيال السوق الصينية، لكنه ذكر أن التوتر بين الولايات المتحدة والصين وعدم الاتساق التنظيمي هما من بين التحديات الرئيسية التي تم ذكرها.

وكتب معدو التقرير إن “معظم أعضاء الغرفة يخططون لاستثمارات محدودة أو عدم القيام بأي استثمارات جديدة في الصين في عام 2024”.

وأشاروا إلى أنه رغم التحسن الكبير مقارنة مع العام الماضي، تفتقر غالبية الشركات، أي 57 في المئة منها، إلى الثقة بأن الصين يمكن أن تفتح أسواقها أكثر أمام الشركات الأجنبية.

وجاء في تقرير الغرفة الأوروبية بأنه “مع ازدياد تعقيد وشدة المخاطر التي تواجهها الأعمال التجارية بشكل هائل في السنوات الأخيرة، تضطر الشركات الآن إلى تخصيص المزيد من الموارد لإدارة المخاطر وأنشطة الامتثال أكثر من أي وقت سابق”.

وأفادت بأنه للتعامل مع هذه المخاطر، يمكن أن يصبح الاستثمار في خدمات العناية الواجبة ومراجعات سلاسل الإمداد المفصّلة ميزة تنافسية. لكن حملة أمنية استهدفت مؤخرا الشركات الاستشارية التي تنشط في الصين أثارت قلق المستثمرين الأجانب بينما تمنح تغييرات جديدة على قانون مكافحة التجسس. وتعطي بكين سلطة أكبر من أي وقت مضى لتحديد طبيعة المعلومات التي تندرج تحت مظلة الأمن القومي.

1700

شركة أوروبية تنشط في السوق الصينية في عدة قطاعات وفق غرفة التجارة الأوروبية

وذكر التقرير أن “خفض المخاطر” برز خلال الأشهر الأخيرة كركيزة لسياسة الأوروبيين الاقتصادية حيال الصين، إذ بات الخفض ضروريا بعد وباء كوفيد والغزو الروسي لأوكرانيا. ويتناقض المصطلح مع النهج الأكثر جذرية المعروف بـ”فك الارتباط” الذي يسعى إليه عدد من صانعي السياسات في الولايات المتحدة بهدف عزل الصين أو قطع جميع العلاقات التجارية معها.

ورغم كل الخلافات، فإن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى الصين على أنها “شريك” وأيضا “كمنافس اقتصادي”، وهو الموقف الذي انتقده وزير الخارجية وانغ يي على اعتباره “غير واقعي أو مجد”. وقال يي خلال مؤتمر صحافي في وقت هذا الأسبوع “إنه أشبه بسيارة تتحرّك باتّجاه تقاطع لتجد الإشارات الحمراء والخضراء والصفراء جميعها مضاءة في الوقت ذاته”.

وكان وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير قد دعا خلال زيارة إلى برلين الثلاثاء الماضي، أوروبا إلى “اليقظة” في مواجهة المنافسة الصناعية من الولايات المتحدة والصين، وطلب من ألمانيا المزيد من التعاون.

وقال أمام أرباب عمل ألمان غداة لقاء مع نظيره كريستيان ليندنر “إذا لم نتحرك فسيقضى علينا. دعونا نستيقظ!”. ومنذ أشهر تتزايد المخاوف من التراجع الصناعي في أوروبا في مواجهة المنافسة من الصين والولايات المتحدة، حيث كلفة الإنتاج أقل وحجم المساعدات التي تقدمها الدولة أكبر.

وقال لومير “لنقبل على التحدي ونضخّ الأموال اللازمة لنصبح بمستوى الصين والولايات المتحدة”، متخوفا من “تراجع مستوى أوروبا اقتصاديا”. في هذا الإطار دعا لومير ألمانيا، أكبر قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، إلى المزيد من التعاون في مجال الابتكار ولاسيما التحول الأخضر للصناعة الأوروبية الذي يتطلب استثمارات بمليارات اليورو.

وتساءل “كيف لا تتخذ أوروبا نفس المبادرات لتمويل الابتكار كتلك التي اتخذت للتعامل مع أزمة كوفيد؟”، في إشارة إلى القرض المشترك التاريخي الذي أقرته دول الاتحاد الـ27. وانضمت ألمانيا إلى هذه المبادرة لكنها لا ترغب في تكرار هذه التجربة.

10