رائحة الورد الطائفي تجمع الصائمين في بساتينه

الورد الطائفي يجد نفسه مؤثرا حضاريا وثقافيا وقد أسهم أهل الطائف في تطوير زراعته التقليدية وجعله الشذى الزاكي لأشهر العطور.
الأحد 2024/03/17
فضاء عذب لإفطار رمضاني آسر

يجتذب شذى الورد الطائفي أهالي مدينة الطائف السعودية لاتخاذ بساتينه متنفسا للترفيه والإفطار، لاسيما أنه حط رحاله هذا العام في مزارع المنطقة ومرتفعاتها تزامنا مع حلول شهر رمضان الكريم.

الطائف (السعودية) - يقضي عدد من أهالي محافظة الطائف (غربي المملكة العربية السعودية بمنطقة مكة المكرمة)، فترة ما بعد صلاة العصر في إعداد موائد الطعام قبيل غروب الشمس، حرصا على الإفطار خلال أيام شهر رمضان وسط بساتين الورد الطائفي في أودية نشأته الغنّاء، وتربته الخصبة التي تجعل من الشجيرة يانعة في هذه الفترة من السنة.

ومع خيوط الفجر الأولى يتجه المزارعون لكشف ملامح نضوج الورد الطائفي الذي بدأ في إيقاظ الأزهار ومصافحتها لنسيم فضاء الطائف عبر قمم جبال الهدا في أولى ليالي الشهر الكريم، ويليه بعد ذلك ظهوره في مرتفعات الشفا لمدة تتراوح من 42 إلى 50 يوما، فتكون فيه الشُجيرة محملة بالأقماع التي تكتنف الرحيق.

وتجني أنامل المزارعين الورد منذ ساعات صباح الفجر الباكر إلى أن يبلغ أعلى مستويات الذروة، ثم يبدأ بالتناقص تدريجيا إلى أن ينقطع في منتصف وأواخر شهر شوال القادم. ويحط الورد الطائفي رحاله هذا العام بين البساتين تزامنا مع حلول شهر رمضان، ويستمتع الأهالي بالتجول بين البساتين، حيث تجد هذه العائلات من الطبيعة وتحديدا في بساتين الورد الطائفي فضاءً عذبًا لإفطار رمضاني آسر ذي شجون.

وتفترش العائلات الأرض قبيل حلول الغروب وترتيب سفرة يجتمع عليها الأهل بين شجيرات الورد، وفي نسمات عليلة تحيطها ترانيم الهدوء والسكون، ليعطّر الورد سفرتهم الرمضانية ويحلق بمشاعرهم في سماء مدينة الطائف، ما يضفي الرونق والبهاء على موائدهم البسيطة، كنوع من التغيير بدلاً من المنازل، حيث يساعد مناخ الطائف والأجواء المعتدلة التي تنعم بزخات المطر على الإفطار في الهواء الطلق وسط الطبيعة الخلابة التي تكتنزها قمم جبال الهدا والشفا، ووادي محرم، والطلحات، وأودية الأعمق البني، وبلاد طويرق.

الورد الطائفي يحط رحاله هذا العام بين البساتين تزامنا مع حلول شهر رمضان، ما شجع الأهالي على الإفطار في الطبيعة
◙ الورد الطائفي يحط رحاله هذا العام بين البساتين تزامنا مع حلول شهر رمضان، ما شجع الأهالي على الإفطار في الطبيعة

ويجد الورد الطائفي نفسه مؤثرًا حضاريًا وثقافيًا أسهم فيه أهل الطائف في تطوير زراعته التقليدية وجعله الشذى الزاكي لأشهر العطور، لمدى أهميته الاقتصادية الكبرى في استقطاب الكثير من الزوار والسائحين في مختلف المواسم. ويبدأ استعداد الكثير من العائلات للخروج منذ ساعات العصر واختيار بعض الأماكن بين شجيرات الورد العتيقة، ويتعمدون إحضار سفرة أو مائدة الطعام وتزيينها بالفوانيس والورد الطائفي، وتغمر السعادة أجواءهم الرمضانية، كما أن البعض منهم يمزج مياه الورد الطائفي بالماء العذب، للاستمتاع بطعم فريد يروي عطش الصائمين.

ويجد الكثيرون في هذه البساتين متنفسا للترفيه وسط أجواء آمنة تغمرها الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة، حيث تتنوع الرغبات والاتجاهات، فالبعض يفضل زيارة المزرعة أو معامل ومصانع الورد الطائفي لمشاهدة عمليات صناعة وتقطير عطر ودهن الورد، فيما يفضل آخرون إحضار وجبات إفطارهم والاستمتاع بمشاهدة المدرجات الطائفية المزدانة بنبتات وأزهار الورد.

وأكد المزارع خلف النمري المهتم بزراعة الورد في حديثه لوكالة الأنباء السعودية "واس"، أن مزارع الورد الطائفي تستقبل هذه الأيام الأسر والعائلات من مختلف الجنسيات، في ليال رمضانية معطرة بعبق الورد الطائفي. وأضاف النمري أن البعض منهم يتعمد مد السفرة الرمضانية في أماكن مخصصة داخل المزارع، وتزيين موائدهم بالورد الطائفي، مشيرا إلى أن للإفطار خارج المنزل شعورا لا يوصف، إذ أنه يحمل نكهة مختلفة لاسيما حين يقرر الزملاء والأصدقاء والعائلات في المحافظة تناول وجبة الإفطار بعيدا عن منازلهم، متخذين من مدرجات يكسوها ورد الطائف فضاء يجمعهم على الإفطار.

وتشتهر محافظة الطائف بزراعة وإنتاج الورد الطائفي، الذي يعد أكثر العطور استخداما بين الأفراد في العالم العربي، وهو العلامة الفارقة والجاذبة سياحيا للتعرف على الشذى العطري الذي تناقلت الأجيال مهام الاعتناء به.

ويوجد في الطائف وضواحيها أكثر من 2000 مزرعة للورد الطائفي، تنتج أكثر من 200 مليون وردة في اليوم، حيث تنتج كل شجرة معدل 250 وردة يوميا طوال موسم الحصاد الذي يستمر قرابة 45 يوما، كما ينتظر أهالي المحافظة كل عام المهرجان الذي يتزامن مع موسم قطافه وبيعه وتقطيره.

وتتركز زراعة الورد الطائفي في مرتفعات الشفا والهدا ووادي محرم وأودية الأعمق البني، إضافة إلى بلاد طويرق والمخاضة والطلحات، والتي أصبحت كلها من المصادر الرئيسية للعطور في المملكة. وتشتهر الطائف بزراعة نوعين من الورد، الأول الورد الطائفي ذو اللون الأحمر الفاتح والرائحة النفاذة، والثاني هو الورد الأحمر القاني.

18