العلماء البريطانيون يلجأون إلى الذكاء الاصطناعي لإصلاح الحفر في الشوارع

لندن - عند النظر إلى أحوال الكثير من شوارع بريطانيا، لا يكاد المرء يلحظ ظهور تغيير يذكر في مجال إصلاحها، منذ أيام فريق البيتلز الغنائي.

ويقول مقطع من أغنية شهيرة للبيتلز في عام 1967 بعنوان “يوم من أيام الحياة”، تدور حول المفارقات التي تزخر بها الأنباء في بريطانيا، “قرأت أنباء الصحف اليوم يا صديقي، ومن بينها وجود أربعة آلاف حفرة في شوارع بلدة بلاكبيرن في لانكشاير”.

غير أن هذا الرقم كان في الستينات من القرن العشرين، في تلك البلدة الكائنة في الشمال الغربي من إنجلترا، ومنذ ذلك الحين حدث تغير ما، يوضحه مدرب قيادة السيارات شون موراي، وهو من بلدة بلاكبيرن في تصريح لصحيفة الغارديان، حيث يقول “من المحتمل أن يكون هذا الرقم قد وصل إلى أكثر من 40 ألف حفرة”.

وبعد مرور نحو 60 عاما باتت أنباء حفر الشوارع تتردد كثيرا في الصحف والمواقع الإخبارية البريطانية، ومازالت تمثل نوعا من الوباء للمشاة وقادة السيارات على حد السواء، بل إن السكان يحتفلون باليوم الوطني للحفر في يناير من كل عام لتسليط الضوء على هذه المشكلة التي يأملون أن يقوم المسؤولون بحلها، وتوجد في بعض الطرق حفر كثيرة إلى درجة أن السكان يشبهونها بالجبن السويسري.

وتشير تقديرات هيئة خدمة النقل إلى أنه توجد قرابة مليون حفرة في جميع أنحاء بريطانيا، كما توجد في الشوارع العامة بإنجلترا وويلز قرابة ست حفر في كل ميل (1.6 كيلومتر).

غير أن دراسة استقصائية شملت 185 من المجالس المحلية في إنجلترا، لم تقدم تفاصيل كاملة عن أعداد الحفر، حيث تقدم بالإجابة 81 مجلسا منها فقط أي أقل من نصف العدد.

وبلغ عدد الحفر التي تم الإبلاغ عنها 556658 حفرة خلال عامي 2021 ـ 2022، اعتبارا من 31 مارس، ولذلك من المرجح أن يكون العدد الحالي للحفر أعلى بكثير.

ونتيجة لهذه المشكلة وصف الحزب الديمقراطي الحر المعارضُ الوضعَ بأنه “جائحة الحفر”.

وتقول هيلين مورجان المتحدثة باسم إدارة الحكم المحلي والإسكان والمجتمعات السكانية في الحزب “أصبحت الآن في حكم المستحيل قيادة السيارات في بعض أنحاء البلاد، دون الاضطرار إلى الانحراف يمينا ويسارا لتجنب الحفر”.

وفي أكتوبر 2023 وحده تم الاتصال بجمعية قائدي السيارات 52152 مرة، بسبب التلفيات التي لحقت بالسيارات جراء عيوب الطرق، وخلال ذلك العام بأكمله زاد العدد ليصل إلى أكثر من 511 ألف اتصال، ما يعني أكثر بكثير من 1500 اتصال في اليوم الواحد.

وبلغت الشكاوى حد عنونة صحيفة الغارديان مقالا بـ”الطرق المتكسرة والرقاب المكسورة: الحياة في الحفرة البريطانية”.

والطرق الخطرة تكون لها كلفة باهظة بشكل متزايد، فمثلا زادت المطالبات بالتعويضات المرتبطة بأعطال السيارات الناتجة عن الحفر بنسبة 40 في المئة عام 2023، مقارنة بالعام السابق وفقا لما قالته مؤخرا شركة أدميرال للتأمينات.

كما قفز متوسط كلفة التعويضات عن كل حادث بنسبة 29 في المئة، بعد أن أصبحت السيارات أكثر تطورا من الناحية التكنولوجية، ما يعني أن عملية الإصلاح صارت أقل بساطة وأكثر كلفة.

وتتوقع شركة أدميرال أن يؤدي طقس هذا الموسم الحافل بالرطوبة والرياح الشديدة إلى حدوث حفر جديدة وتزايد الأضرار الموجودة حاليا في الطرق.

كما يتعرض راكبو الدراجات للخطر، وتوفي العام الماضي رجل متقاعد بعد أن سقط في حفرة عمقها 23 سنتيمترا، في لانكشاير وهي المدينة التي بدأت فيها أغنية البيتلز.

وبعد أن شعر بعض السكان بأن الحكومة تخلت عنهم، بدأوا في حل المشكلة بأنفسهم.

وتم تصوير النجم الغنائي رود ستيوارت في مارس من عام 2022، وهو يقوم بملء حفرة بالقرب من عقاره ببلدة هارلو، وقال آنذاك “إن الطريق ظل على حالته المتكسرة طوال سنوات”.

وتسبب شخص غريب يطلق على نفسه اسم “وانكسي”، في إشارة إلى فنان الشوارع الغامض بانكسي، في حدوث ضجة عندما رسم صورا إباحية حول الحفر، ما أدى إلى إصلاحها حيث أنه يتم إصلاحها من حين إلى آخر بسرعة في الأماكن التي تظهر فيها رسومات هذا الفنان.

واتجه البعض الآخر إلى المزاح بشأن هذه الحفر، مثلما فعل المذيع بيتر ليفي في برنامجه على محطة بي بي سي المسمى “انظر شمالا”. بينما يأمل البعض الآخر في الإصلاح، بعد إعلان الحكومة أنها ستخصص 8.3 مليارات جنيه إسترليني (عشرة مليارات دولار)، لعلاج “وباء الحفر” وهو الوصف الذي أطلقه ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني على المشكلة.

ومن المقرر أن يخصص المبلغ لإصلاح قرابة 8300 كيلومتر من الطرق على مدى 11 عاما، وتم تخصيص 150 مليون جنيه إسترليني لهذا الغرض في موازنة العام المالي الحالي والمقبل، على أن يتم إنفاق المخصصات المالية الباقية حتى عام 2034، وهو برنامج من شأنه أن يوفر 440 جنيها إسترلينيا لقائد السيارة كان يدفعها كلفةً للإصلاح.

غير أن هيئة خدمات النقل تقول إن إصلاح الحفر شيء، وصيانة الطرق شيء آخر.

وفي مواجهة هذه المشكلة أخذ البعض يتساءل: هل يمكن أن يكمن الحل في التكنولوجيا؟ وبالفعل ابتكرت شركة “روبيتيز 3 دي” وجامعة ليفربول روبوتا معالجا للحفر.

وباستخدام الذكاء الاصطناعي تم تصميم روبوت، أطلق عليه اسم “أ.آر.آر.إي.إس” وهي الحروف الأولى من عبارة بالإنجليزية تعني “نظام إصلاح الطرق ذاتيا”، بإمكانه التعرف على الحفر وملئها.

ويستعد العلماء لاختبار هذه الآلة على أرض الواقع.

وربما في مرحلة ما ستشدو الأمة البريطانية بأغنية جديدة على غرار أغاني البيتلز يكون عنوانها “إصلاح حفرة”.