تاهيتي جنة ساحرة تغري زوارها باستكشاف إقليم ما وراء البحار

عروض المطبخ اليومي في جزيرة تاهيتي تعتبر أكثر إثارة للسياح من عروض الرقص الفولكلوري في المطار.
الأحد 2024/03/10
جزيرة تحقق جميع التوقعات

بابيتي - تعد جزيرة تاهيتي بمثابة جنة ساحرة في إقليم ما وراء البحار الفرنسي لما تزخر به من مناظر طبيعية خلابة تتمثل في الشواطئ الرملية الناعمة والمياه الفيروزية الرقراقة، كما أنها تضم بين أركانها منتجعات سياحية فاخرة.

وتبذل تاهيتي قصارى جهدها لتحسين التصورات عن البحار الجنوبية، فعندما يصل السياح إلى المطار يشاهدون فرقة من ثلاثة رجال يعزفون الموسيقى التقليدية، بينما ترقص امرأة تاهيتية وهي مبتسمة وتحمل فوق رأسها إكليلا من الزهور ترحيبا بالزوار الساعة العاشرة والنصف مساء.

ومن عادات استقبال السياح في تاهيتي وضع قلائد الزهور التقليدية، حيث يتم وضعها حول رقاب الزوار دون طلبهم، وبمجرد نزول السياح من الطائرة يحصلون على جرعة جيدة للتعرف على الموروثات والفولكلور في جزيرة تاهيتي.

وترقى المناظر الطبيعية في تاهيتي إلى تحقيق جميع التوقعات، حيث تبدو الشواطئ البيضاء الناعمة لا نهاية لها تقريبا، كما تتلألأ مياه البحر بجميع الألوان تقريبا، وينعم عشاق السباحة بالكثير من الشعاب المرجانية القريبة من الشاطئ، كما تفوح في الهواء رائحة الياسمين الهندي.

ولكن هذه المنطقة ليست مجرد جنة خيالية، حيث كثيرا ما يتساءل السياح عن هؤلاء الأشخاص من أين يأتون؟ وماذا يأكلون؟ ويتعرف المرء على إجابة مثل هذه التساؤلات عند الانطلاق في جولات بالمناطق الداخلية في تاهيتي أو التوجه إلى الجزر الصغيرة القريبة منها.

وعادة ما يطلق السياح اسم تاهيتي على منطقة بولينيزيا الفرنسية بأكملها، إلا أن جزيرة تاهيتي تعتبر الجزيرة الرئيسية والقلب النابض “لإقليم ما وراء البحار” الفرنسي، والذي يضم 118 جزيرة بشكل إجمالي ويمتد على مساحة 3675 كيلومترا مربعا.

Thumbnail

وعلى الرغم من أن مساحة إقليم ما وراء البحار تعادل نصف مساحة كورسيكا، إلا أن هذه الجزر منتشرة في منطقة تعادل مساحة أوروبا، ويبلغ عدد سكان بولينيزيا الفرنسية حوالي 278 ألف نسمة، ويعيش معظمهم في جزيرة تاهيتي وجزيرة موريا المجاورة.

وتمتاز بولينيزيا الفرنسية بتنوع الجزر بها، فإلى جانب الجزر السياحية التقليدية مثل بورا بورا، هناك العديد من الجزر التي يعيش بها السكان المحليون إلى جانب أماكن الإقامة المخصصة للسياح، مثل منطقة “ماوبيتي” الصغيرة والمنعزلة، والتي تقع على مسافة 300 كلم إلى الشمال الغربي من تاهيتي، حيث قرر السكان المحليون هنا عدم إقامة مشروعات كبيرة، وبدلا من ذلك تتم استضافة السياح في بيوت الضيافة العائلية، كما يتم تشغيل البنسيونات الخاصة في الجزر القريبة.

وبعيدا عن مظاهر الاستقبال الفولكلورية في المطار، فإن السياح يمكنهم التعرف على الثقافة البولينيزية من خلال الانطلاق في جولة بصحبة المرشد السياحي ماتاهي توتافاي إلى وادي “بابينو”، والذي يمتد من الساحل في الشمال إلى وسط الجزيرة الرئيسية.

ويصطحب المرشد السياحي الزوار في سيارة بيك آب وينطلق بهم عبر المسارات الوعرة ويمر عبر الغابات المطيرة الخضراء، التي يكسوها الضباب، وتظهر الشلالات الصغيرة على اليسار واليمين، وتزهر الأشجار بمختلف الألوان وتفوح الروائح الذكية في جميع الأرجاء، كما ترسل الشمس أشعتها الذهبية إلى هذه الجنة الخيالية.

ويصل السياح إلى الوجهة الرئيسية لهذه الجولة إلى وادي “فير هيبي”، وهو عبارة عن وادي ضيق تحيط به القمم الجبلية الحادة، وهناك العديد من الأماكن المقدسة، التي تشبه القوارب الحجرية، والتي كان يتم استعمالها في عبادة الآلهة التقليدية قبل اعتناق المسيحية.

ويحكي المرشد السياحي ماتاهي توتافاي بعض المعلومات عن الإله الخالق “تاروا” وإله الحرب “تو” وإلهة النساء “هينا” وإله الخصوبة “أورو”.

وعلى الرغم من ازدهار الثقافة التاهيتية القديمة مرة أخرى، إلا أنه يلزم بذل المزيد من الجهد لتجميعها والحفاظ عليها، وعلل المرشد السياحي ذلك بقوله “تعتبر الثقافة البولينيزية من الموروثات الشفهية، ويشمل ذلك الأساطير والصلوات والتاريخ، ويتم نقل هذه الموروثات من جيل إلى جيل”.

Thumbnail

ومع سيطرة الحكم الاستعماري الفرنسي على هذه المنطقة، انقطعت هذه الموروثات وطواها النسيان، ولذلك يعمل القائمون على مشروع “هاورورو” على البحث في وادي فير هيبي وإعادة إحياء هذه التقاليد.

وتلعب الحياة على الجزر الأخرى التابعة للمثلث البولينيزي دورا هاما في إعادة إحياء الثقافة البولينيزية، وتتمثل أضلاع هذا المثلث في جزيرة الفصح وهاواي ونيوزيلندا، وتقع منطقة بولينيزيا الفرنسية في وسط هذا المثلث تماما، لأن جميع المستوطنين الأصليين ينحدرون من صيادين تايوانيين جابوا البحار الجنوبية قبل 3000 عام، ولذلك ليس من المستغرب أن تكون ثقافات ولغات الشعوب في جنوب المحيط الهادئ متشابهة بدرجة كبيرة، ولا تزال مفهومة فيما بينهم إلى حد كبير إلى الآن.

ويكشف الشيف السابق هيماتا هول عن جانب آخر في الثقافة البولينيزية في جزيرة موريا المجاورة، حيث يقوم الشيف البالغ من العمر 45 عاما، بتعريف السياح بحياة الطهي اليومية في بولينيزيا منذ عام 2019، وتتخلل جولاته الأطباق التقليدية في هذه الجزر.

وتتوقف الجولة في محطتها البينية الأولى عند كشك الفواكه الموجود على رصيف موريا، ويقدم للسياح أصنافا عديدة من الفواكه مثل المانغو والأناناس، وعادة ما يتم تقشير ثمار الفواكه وتقطعيها إلى أجزاء صغيرة ورش مسحوق أحمر عليها.

وأوضح الشيف هيماتا هول “يأتي مسحوق البرقوق من الصين، وهو حامض قليلا ويعمل على تحويل شرائح المانغو إلى بونبون المانغو”.

وأثناء التجول في أحد الشوارع الرئيسية يطلب الشيف هيماتا هول من أحد الأكشاك خبز الباغيت “تشاو مين”، وهو طبق خاص متعدد الثقافات، وأوضح الشيف ذلك بقوله “يعتبر رغيف الخبز الفرنسي المغطى بالشعرية الصينية المقلية إحدى الوجبات الخفيفة الأكثر انتشارا في الجزيرة”.

ويضم مطبخ الجزيرة العديد من العناصر المستمدة من المطبخ التاهيتي والفرنسي والصيني.

وفي محطات التوقف البينية الأخرى يمكن للسياح تجربة المطاعم الصغيرة أو بارات الوجبات الخفيفة المتنقلة، التي تقدم رقائق فاكهة الخبز وأوراق القلقاس المطبوخة على البخار، التي تشبه السبانخ، أو اليقطين المخلوط بدقيق التابيوكا والمطبوخ، والذي يتم تقديمه في حليب جوز الهند.

وتعتبر عروض المطبخ اليومي في جزيرة تاهيتي أكثر إثارة للسياح من عروض الرقص الفولكلوري في المطار، نظرا لأن جذوره تعود إلى ثقافات متنوعة.

13