عودة جاذبية السندات المصرية تغري التدفقات الساخنة

رجح محللون أن يجد مديرو محافظ الاستثمار أماكن قليلة جاذبة للاستثمار في الأسواق الناشئة، بما فيها مصر، مدفوعين بحزمة القرارات الأخيرة بعدما سحبوا من سوقها 20 مليار دولار في غضون أشهر عقب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل عامين.
القاهرة - أعاد يوم المفاجآت المصري الأربعاء الماضي لأدوات الدين الحكومية الكثير من الزخم المفقود، وبرزت العلامات مع بدء كبار مالكي المحافظ الاستثمارية في النظر إلى هذه الإغراءات بجدية لضخ المزيد من رؤوس الأموال إلى السوق المحلية.
ولم يحسم أغلب المستثمرين موقفهم بعد إزاء رؤيتهم المستقبلية لمصر بعد يوم شهد خفض قيمة عملتها بأكثر من 38 في المئة عقب زيادة قياسية لأسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس إلى 28.25 في المئة.
لكن دعم قرض صندوق النقد الدولي الموسع بقيمة 8 مليارات دولار والتزام دولة الإمارات بأكثر من أربعة أضعاف هذا المبلغ قلبا السيناريو لبعض أكبر الأسماء في مجال التمويل مثل أفيفا إنفستورز وفانغارد أسيت سيرفيسز.
ويقول محللون إن الصفقة التي حصلت بموجبها الإمارات على حقوق تطوير الأراضي البكر في شبه جزيرة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط مقابل 35 مليار دولار من شأنها تخفيف حدة المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر حاليا.
في المقابل، فإن خط الائتمان من المؤسسة الدولية المانحة سيكون أحد دفاعات القاهرة التي تغذي استكمال الإصلاحات وعلى رأسها برنامج الطروحات الطموح ومنح القطاع الخاص دورا أكبر في تنمية الاقتصاد.
وتقدم مصر الآن ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية بين 23 من الاقتصادات النامية تتبعها بلومبرغ، بمتوسط عائد يقترب من 30 في المئة.
وعوضت العملة المصرية الخميس بعض خسائرها وحققت مكاسب تصل إلى 1.5 في المئة مقابل العملة الأميركية لتستقر عند نحو 49.5 جنيه للدولار مع فتح السوق.
وتعهد البنك المركزي بعد الإقدام على تعويم رابع في غضون عامين بالتحول إلى نظام صرف أكثر مرونة بالتزامن مع توقيع مصر على برنامج قرض موسع بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
وأظهرت بيانات مجموعة بورصات لندن أن الجنيه بقي في نفس النطاق الذي استقر عنده قرب إغلاق الأربعاء الماضي. وقبل خفض قيمة العملة والزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة، أبقى البنك المركزي العملة لمدة عام تقريبا عند سعر يقل قليلا عن 31 جنيها للدولار.
وكان المستثمرون يتجنبون في السابق الاستثمار في أدوات الدين المحلي بمصر مع مقاومة المركزي المصري تخفيض الجنيه الذي يديره بإحكام، وكانت قيمة العملة مبالغا فيها في نظر المتعاملين الأجانب، ما ساهم في شح الدولار الذي تسبب في ارتفاع التضخم.
وفي مؤشر على أن تدفق الأموال الساخنة سيشهد طفرة في المرحلة المقبلة، أوصى بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان بشراء أذون خزانة مصرية لأجل عام في مزاد الخميس.
وكتب جبولاهان تايواو، كبير الاقتصاديين لأفريقيا في جي.بي مورغان، في مذكرة المتعاملين “لقد عادت تجارة المناقلة في مصر إلى بؤرة التركيز مرة أخرى، وينبغي أن تكون هذه المرة مختلفة”.
30
في المئة متوسط العائد الذي تقدمه السندات الحكومية عقب القرارات الأخيرة
وأضاف “تحققت الآن المحفزات التي كنا ننتظرها مع قيام المركزي المصري برفع الفائدة بشكل كبير في الاجتماع الطارئ وفي الوقت نفسه السماح بمرونة سعر صرف الجنيه”.
وكان مورغان قد توقع أيضا أن يقفز معدل التضخم في مصر أربعة في المئة على أساس شهري في فبراير على أن يتباطأ في وقت لاحق من العام، وهو ما يفسح المجال لخفض أسعار الفائدة.
وتمتلك مصر 13 من السندات مقومة بعملتها المحلية في مؤشرات جي.بي مورغان، بآجال استحقاق تتراوح بين 2024 و2030.
ويعاني أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان بالفعل من ارتفاع مستويات الدين الأجنبي، وتأثر كثيرا بالحرب في قطاع غزة التي تهدد بتعطيل حجوزات السياحة وواردات الغاز الطبيعي، وكذلك بالهجمات في الآونة الأخيرة على السفن في البحر الأحمر.
ولدى القاهرة نحو 100 مليار دولار من الديون بالعملة الصعبة، معظمها مقوم بالدولار، والتي يتعين على الدولة سدادها على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها سندات ضخمة بقيمة 3.3 مليار دولار هذا العام.
ونسبت وكالة بلومبرغ إلى نافذ ذوق محلل الديون السيادية للأسواق الناشئة لدى أفيفا إنفستورز في لندن قوله إن “ما تحتاجه مصر منذ فترة هو الحصول على ثقة إيجابية مفاجئة”.
وأضاف “ما حدث يوم الأربعاء لم يكن محاولة لتقديم ذلك (الثقة المفاجئة) فحسب، بل كان مدعوما بأموال فعلية”.
ومن شأن عودة تدفقات المحافظ الاستثمارية أن تنهي الجزء الأخير من معضلة التمويل لمصر بعد أن استبعدها جي.بي مورغان مؤخرا من مؤشراته للسندات بالعملة المحلية التي تتبعها صناديق تستثمر مليارات الدولارات.
وعقب إعلان الأربعاء أظهرت بيانات تريدويب أن السندات المستحقة في 2049 حققت مكاسب بلغت نحو أربعة سنتات قبل أن تتخلى عن بعض هذه المكاسب لتصل إلى 83.2 سنت.
وتقلصت العلاوة التي يطلبها المستثمرون فوق سندات الخزانة الأميركية، التي تعد ملاذا آمنا، للاحتفاظ بسندات مصر الدولية إلى 529 نقطة أساس، وهو أدنى مستوى منذ يونيو 2021، بحسب بيانات جي.بي مورغان.
وبعد صفقة رأس الحكمة حققت السندات المقومة بالدولار استحقاق 2025 أكبر المكاسب، حيث ارتفعت بنحو 2.8 سنت ليجري تداولها عند نحو 74.3 سنت، وهو أعلى مستوى لها خلال ما يزيد قليلا على عام.
وكانت السندات المصرية قد خسرت أكثر من 10 في المئة العام الماضي، وهي الفترة التي حقق خلالها الدين المحلي في الأسواق الناشئة عوائد بنسبة 6 في المئة، وفقا لمؤشر بلومبرغ.
وأدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبالتالي زيادة أسعار واردات مصر من القمح والوقود، ما دفع مستثمري السندات إلى الهروب من الديون المحلية للبلاد.
لكن فئة الأصول تبرز بشكل متزايد بالنسبة إلى تجارة الفائدة، حيث يقترض المتعاملون مقابل أسعار فائدة منخفضة، ويعيدون استثمار الأموال مقابل عوائد مرتفعة.
ولئن ارتفعت السندات الدولية، التي أصدرتها مصر وتم تداولها عند مستويات متعثرة حتى ديسمبر الماضي، الأربعاء الماضي فإن السندات الحكومية المحلية جذبت انتباه المستثمرين.