قائدات مسيّرات لرش الأسمدة يزرعن بذور التغيير في أرياف الهند

برنامج "درون سيستر" يُظهر تطوّر العقليات المرتبطة بالمرأة العاملة في المناطق الريفية.
الخميس 2024/03/07
العقليات تتغير تدريجيّا

باتودي (الهند) - كانت شارميلا ياداف البالغة من العمر 35 عاما تريد أن تصبح طيارة، لكنّها تعيش حلمها راهناً بشكل غير مباشر من خلال قيادة طائرة مسيّرة لرشّ الأسمدة فوق الأراضي الزراعية قرب نيودلهي.

وعلى غرار ياداف تتلقى المئات من الهنديات تدريبات على قيادة هذه الأجهزة، في إطار برنامج “درون سيستر” المدعوم من الحكومة.

ويرمي البرنامج إلى تحديث القطاع الزراعي في البلاد من خلال خفض تكاليف اليد العاملة مع توفير الوقت والمياه، في قطاع يواجه تحديات متزايدة مرتبطة بالتغير المناخي.

ويُظهر “درون سيستر” تطوّر العقليات المرتبطة بالمرأة العاملة في المناطق الريفية.

وقالت ياداف لوكالة فرانس برس، بعد مرور يوم على المسح الجوي لحقل أخضر من براعم القمح الصغيرة، “في السابق كانت النساء العاملات يتعرضن للازدراء والسخرية بدعوى أنهن يهملن واجبات الأمومة”. وتابعت الأم لطفلين قائلة “إنّ العقليات تتغير تدريجيّا”.

وقد كانت مهامها منحصرة في الأعمال المنزلية على مدى ستة عشر عاما عقب زواجها من مزارع، وكانت فرص العمل محدودة أمامها في قريتها الصغيرة قرب باتودي على بعد حوالي ستين كيلومترا جنوب غرب نيودلهي.

النساء اللواتي لم يكن بوسعهنّ في السابق العمل خارج منازلهنّ، أصبحن يتقدّمن متحمسات للمشاركة في البرنامج

وبعد خمسة أسابيع أمضتها وهي تجري مسحاً لـ60 هكتارا من الأراضي الزراعية مرتين، ستحصل على 50 ألف روبية (نحو 603 دولارات)، أي ما يزيد قليلا عن ضعف متوسط الراتب الشهري في ولايتها هاريانا.

ولا يشكل هذا العمل مصدر دخل لها فحسب، بل يمثل مبعث فخر أيضا. وتقول المرأة الثلاثينية التي تحب لقب “طيّارة” الذي يطلقونه عليها “لم أركب طائرة من قبل، لكني أشعر حالياً وكأنني أقود طائرة”.

شارميلا ياداف هي من مجموعة أولى مؤلفة من 300 امرأة درّبتهنّ “إنديان فارمرز فرتيلايزر كووبريتيف ليميتد” (إيفوكو)، وهي أكبر شركة لتصنيع الأسمدة الكيمياوية في البلاد. وبمجرد أن بدأت العمل تلقت طائرات مسيرة قادرة على حمل 30 كيلوغراماً ومركبات كهربائية لنقلها.

وانضمت شركات أسمدة أخرى إلى البرنامج الذي يهدف إلى تدريب 15 ألف امرأة في مختلف أنحاء البلاد.

وأكد مدير التسويق في “إيفوكو” يوغيندرا كومار أن “هذا البرنامج لا يهدف إلى التوظيف فحسب، بل أيضا إلى التمكين وريادة الأعمال الريفية”.

وقال لوكالة فرانس برس إن “النساء اللواتي لم يكن بوسعهنّ في السابق العمل خارج منازلهنّ بسبب الثقافة الذكورية المتجذرة في المجتمع وانعدام فرص العمل، يتقدّمن متحمسات للمشاركة في البرنامج”.

وأضاف “أصبحن قادرات على تغطية نفقات أسرهنّ من دون الاعتماد على الآخرين”. ويُعدّ رش الأسمدة بالطائرات المسيرة مربحاً لأنه يتطلب كمية ماء أقل مما تتطلبه الطرق الأخرى ووقتاً أقل مقارنة بالرش اليدوي.

Thumbnail

وأشار كومار إلى أنّ “رش نحو 4000 متر مربع يستغرق ما بين خمس وست دقائق فقط”.

ويلفت تحقيق حكومي أجري في العام الماضي إلى أنّ أقل من 42 في المئة من النساء لديهن عمل رسمي في المناطق الريفية، مقارنة بـ80 في المئة من الرجال.

ويؤيّد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هذا البرنامج، وقد تطرق إليه في خطابه السنوي بمناسبة العيد الوطني الهندي في أغسطس الماضي. وقال إنه سعيد برؤية النساء في طليعة ممارسة زراعية جديدة.

وقال خلال برنامج إذاعي في فبراير الماضي “من كان يظن قبل بضع سنوات فقط أن النساء اللواتي يعشن في القرى الهندية بإمكانهنّ قيادة طائرات مسيّرة؟ اليوم بات ذلك ممكنا”.

ولكي تصبح المرأة جزءاً من برنامج “درون سيستر” عليها الخضوع لمقابلة شخصية ثم لاختبار كتابي بعد أسبوع من الدروس النظرية. ثم تنتقل إلى التدريب العملي الذي يستمر أسبوعاً.

وفي صفّ يضمّ مجموعة جديدة، تقرّ رفعت آرا (23 عاما) بأنها كانت تتردد في التسجيل.

ولكن بمجرد تعلّمها أسرار المهنة باتت لا تتخيّل فكرة أنها ستتركها.

وقالت “إن التمكّن من قيادة طائرة مسيّرة وإطلاق لقب طيارة عليّ يبثان في نفسي شعورا مذهلا”، مشيرة إلى أنها بدأت تتخيّل نفسها وهي “تعلّم نساء أخريات قيادة الطائرات المسيّرة”.

Thumbnail

وما يجعل المدرّبة نيشا بهارتي متحمّسة هو التحول الذي يحدث لطالباتها عندما يتقنّ المهنة.

وقد قالت “عندما يصلن من قراهنّ يصبحن متوترات جدا، ولكن في نهاية التدريب تزداد ثقتهنّ بأنفسهنّ”، مضيفة “كما لو أنّهن صرن ذوات أجنحة وأردن التحليق إلى الأعلى”.

ولا يختلف واقع المرأة في الهند كثيرا عن واقعها في العديد من الدول النامية، حيث تقع عليها مسؤوليات كثيرة في مقابل حقوق أقل. وينظر إليها على أنها الطرف الأضعف في المجتمع.

غير أن الوضع الذي تعيشه المرأة في الهند أكثر تعقيدا، نظرا لطبيعة المجتمع الذي تحكمه مفاهيم ثقافية وعادات وتقاليد تستمد أصولها من المعتقدات الدينية، فالمجتمع الهندي بطبعه مجتمع طبقي بحكم الاعتقاد.

فهناك السادة وهم من طبقة البراهما الذين خلقوا -وفق المعتقدات الهندوسية- من رأس الآلهة، ويمتد التقسيم إلى أن يصل إلى المنبوذين وهم من خلقوا من الأطراف السفلى من الآلهة، وفي كل طبقة من هذه الطبقات تحتل المرأة أدنى مراتبها.

فحرمت المرأة الهندية من أهم حقوقها المتمثلة في حرية الاختيار والتملك، ومن حقها في الميراث، وكانت تباع في الأسواق، وفي بعض المعتقدات كان يطلب منها أن تقتل نفسها إذا مات الزوج فلا يحق لها الحياة بعد وفاته.

وينظر إلى المولودة الأنثى على أنها عبء جديد سيثقل كاهل الأسرة، خصوصا أنها من سيتحمل تكاليف الزواج الباهظة، فأهل العروس يدفعون المهر ويؤثثون البيت ويدفعون تكاليف الحفل، ومن النوادر أن الذكور يتباهون بتخصصاتهم ومراكزهم الاجتماعية التي ستخول لهم طلب مهور باهظة الثمن ممن سيخطبونهن.

16