التلي.. مبادرات لإحياء إحدى أقدم الحرف التراثية المصرية

يسعى حرفيون إلى إحياء التلي، وهو نوع من التطريز المصري الذي يستخدم الخيوط المعدنية الفضية والذهبية اللامعة التي اعتادت النساء في صعيد مصر على التطريز بها وفقا للعادات والتقاليد السائدة.
القاهرة - كانت آمال موسى تقضي عام الخدمة العامة في محافظة سوهاج بصعيد مصر في جمعية تنمية المجتمع فور انتهائها من دراستها الجامعية بكلية الحقوق في جامعة أسيوط عام 1995 حينما لاحظت بعض النساء المسنات المنهمكات في القيام بنوع من التطريز لم تكن قد رأته من قبل. وبعد سؤالهن عنه، قيل لها إن هذا هو نسيج التلي، وهي حرفة يدوية تراثية كان يشتهر بها الصعيد المصري في القرن التاسع عشر ولكنها اندثرت مع مرور الوقت.
عادت آمال إلى منزلها في قرية جزيرة الشندويل وهي تحمل إبرة وقطعة من النسيج والخيوط، حيث وجدت عمتها تزور أسرتها بمحض الصدفة، واكتشفت أن عمتها تجيد تطريز التلي وطلبت منها تعليمها أسلوب التطريز المميز. وكانت تلك الصدفة هي نقطة انطلاق إحدى أهم مبادرات إحياء تراث التلي في مصر.
والتلي هو نوع من التطريز المصري الذي يستخدم الخيوط المعدنية الفضية والذهبية اللامعة التي اعتادت النساء في صعيد مصر على التطريز بها وفقا للعادات والتقاليد السائدة هناك، ويقوم على تصميمات مستوحاة من البيئة المحلية يتم تنفيذها من خلال "موتيفات" أو أشكال تعبر عن التراث الشعبي مثل الجمل والعروسة والسنبلة والنخل والفارس.
ويتم تنفيذ الموتيفات على أنواع متعددة من الأقمشة سواء القطنية أو الحريرية أو الشبكية مثل التُل باستخدام خيوط من الذهب الخالص والفضة الخالصة، وتسرد تلك الموتيفات قصصا من الموروث الشعبي. وعلى مدار الأعوام العشرة التالية قامت آمال بتدريب 35 امرأة على صناعة التلي وأسست مشروعها الخاص لإنتاج أزياء مزخرفة بالتلي حتى لفت مشروعها في عام 2005 انتباه محافظ سوهاج آنذاك سعيد البلتاجي الذي طلب منها تأسيس جمعية ترعى صناعة التلي في المحافظة.
وقالت آمال، وهي رئيسة مجلس إدارة الجمعية التعاونية الإنتاجية للمشغولات اليدوية والتراثية بسوهاج، إن الجمعية التي تأسست عام 2005 بدأت عملها من خلال تدريب 50 سيدة على صناعة التلي ولكن العدد الآن يتجاوز 1500 سيدة، بعضهن مستقلات، يقمن بتصميم وإنتاج منتجاتهن الخاصة وبيعها.
◙ الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها مصر كان لها تأثير سلبي على القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار حد من شراء المادة الخام
كما أوضحت أن هدف الجمعية الأساسي "تنموي وليس ربحيا" إذ تهدف إلى الحفاظ على صناعة التلي عبر تمكين النساء وتدريبهن على صناعة تراثية ليصبحن من خلالها رائدات أعمال. وأضافت أن في الماضي كان ارتداء التلي يقتصر على الأغنياء مثل زوجة العمدة وزوجة الباشا نظرا لاستخدام خيوط الذهب والفضة في التطريز، علاوة على أنه عمل يدوي دقيق يتم تنفيذه عن طريق "الغرزة الواحدة" التي وصفتها آمال بأنها أحد أصعب أنواع الغرز في التطريز.
وقالت إنه حاليا لا تزال قطع التلي مرتفعة الكلفة، حيث تتراوح أسعار القطعة بين 700 و7000 جنيه، ولكن الخيوط المستخدمة حاليا من النحاس والنحاس المطلي بماء الفضة. وأكدت آمال أن الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها مصر كان لها تأثير سلبي على القدرة الشرائية للمواطنين، وأن ارتفاع الأسعار حد من شراء المادة الخام التي تضاعف سعرها، وهو ما جعل سعر القطعة المصنوعة يرتفع أيضا، وهذا بدوره انعكس سلبا على وتيرة البيع.
وأوضحت أن إجمالي عدد القطع التي باعتها الجمعية في العام الماضي لم يتجاوز 50 قطعة، ولكن هذا الرقم لا يشمل ما قامت ببيعه خريجات الجمعية بشكل منفرد. وعلقت آمال على اختلاف تصميمات منتجات التلي بسوهاج عن المنتجات في أسيوط، إذ ترى أن الحرفيين بأسيوط أضافوا لمسات حديثة إلى التصميمات، وهو ما أكده الفنان التشكيلي سعد زغلول، مؤسس بيت التلي.
وتأسس بيت التلي عام 1994، وهو معني بإحياء الحرف التقليدية والفنون التشكيلية ويعمل كمركز لتدريب الفتيات على هذا النوع من التطريز. وأوضح زغلول أن التلي كان في الماضي يقتصر على العباءات والطرحات ولكن بيت التلي بدأ يوظفه في إنتاج مفارش للطاولات وستائر وسترات وفساتين سهرة وغيرها من التصميمات الحديثة، وأضاف “بعد التجربة بتاعتنا (الخاصة بنا) أصبح (التلي) معروفا، والسيدات صفوة المجتمع بيستخدموه (يستخدمنه) في الحفلات والأفراح".
وفي بداية تأسيس بيت التلي كان زغلول، وهو فنان تشكيلي طالما عبرت لوحاته عن العادات والتقاليد المصرية، يهدف إلى تدريب 100 فتاة لكنه درب ما يقرب من 500 فتاة خلال عام واحد. وقال المعتز بالله عمرو، المنسق الفني لبيت التلي، إنهم على مدار 30 عاما أشرفوا على تدريب ما يقرب من 2000 فتاة على صناعة التلي من مختلف المحافظات.