زيارة شنقريحة لروندا تثير أزمة مع كنشاسا

 خارجية الكونغو الديمقراطية تستدعي السفير الجزائري ليها بسبب مسائل تمس بالسيادة الوطنية.
الأربعاء 2024/02/28
الكونغو الديمقراطية تنظر بريبة لتحركات قائد الجيش الجزائري في روندا

كنشاسا - أصبحت الجزائر كمن أدمن على افتعال الأزمات واستدعاء عداوات مجانية من خلال تدخلات وممارسات أضرت بعلاقاتها الخارجية خاصة مع مالي وحليفيها النيجر وبوركينافاسو. وتحولت من علاقة الحليف إلى الشريك غير المرغوب فيه.

وعلى هذا النهج وبعد الأزمة التي أثارتها مع مالي باستقبالها شخصيات انفصالية أو مؤيدة للانفصال من أمثال رجل الدين محمد ديكو الذي اجتمع به الرئيس عبدالمجيد تبون في قصر المرادية دون تنسيق أو تشاور مسبق مع السلطة الحاكمة في دولة الجوار، فتحت الجزائر الأبواب مجانا لأزمة جديدة مع الكونغو الديمقراطية دون أن تضع اعتبارا لحساسية الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الأركان قائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة لروندا في 20 فبراير.

وثمة توترات بين الكونغو الديمقراطية وروندا التي ترى أن لكنشاسا أطماع توسعية داخل أراضيها، فيما ترى الأخيرة أن كيغالي تلعب دورا سلبيا يهدد وحدة أراضيها بدعمها لحركة انفصالية متمردة.

وقد أثارت هذه الزيارة غضب كنشاسا التي لم تخف انزعاجها واستدعت السفير الجزائري لديها محمد يزيد بوزيد للاستفسار عن سبب زيارة دولة تؤوي تنظيما انفصاليا معاديا لوحدتها الترابية، بينما سبق لوزارة الدفاع الجزائرية أن أعلنت أن شنقريحة عقد اتفاقيات عسكرية مع كيغالي.

وجاء استدعاء بوزيدي بسبب ما قالت الخارجية الكونغولية إنها مسائل تتعلق بالمساس بسيادة البلاد ارتباطا بزيارة قائد الجيش الجزائري لكيغالي التي تتهمها كنشاسا بدعم ميليشيات مسلحة متمردة تحاول السيطرة على إقليم كيفو الشمالي شرق البلاد والموجود على الحدود مع أوغندا ورواندا.

والأزمة الحالية تبدو مشابهة لتلك التي حدثت مع مالي حين استقبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في قصر المرادية شخصيات انفصالية من الطوارق (أو تنسيقية أزواد) أو مؤيدة للانفصال بينها رجل الدين محمد ديكو.

وعلى الاثر اشتكت باماكو من تدخلات جزائرية في شؤونها الداخلية ونددت باستقبال ديكو المؤثر والمؤيد للانفصال في شمال مالي وأعلنت لاحقا إنهاء العمل باتفاق السلام الموقع في العام 2015 برعاية جزائرية.

كما اتهم المجلس العسكري المالي الجزائر بالعمل ضد مصالحه في السر والعلن في المحافل الاقليمية والدولية ومعارضتها رفع العقوبات الأممية المفروضة على باماكو.

ويبدو أن النظام الجزائري على طريق مراكمة أزمات أوسع مع دول الجوار الإفريقي، فيما رصد محللون حالة ارتباك لدى الدبلوماسية الجزائرية أو جهلا أو تجاهلا أو تعال في التعاطي مع دول المنطقة وفق مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون دول ذات سيادة.

وقالت الخارجية الكونغولية في بيان أمس الثلاثاء إن "نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية والفرنكفونية الكونغولي كريستوف لوتو، استقبل سفير جمهورية الجزائر محمد يزيد بوزيد"، مضيفة "بعيدا عن الاعتراف بسيادة كل دولة، كان الأمر يتعلق بتوضيح يهم الزيارة التي قام بها رئيس أركان الجيش الجزائري إلى كيغالي يوم 20 فبراير الجاري".

ويثير دعم الجزائر لجبهة بوليساريو الانفصالية، مخاوف دول افريقية ترى في مثل هذه السياسية المعادية لوحدة الأراضي المغربية، سلوكا عاما قائما على دعم حركات التمرد في المنطقة لأسباب سياسية.

وتأمل الجزائر من خلال دعم بوليساريو والدفع بمقترح ما يسمى حق تقرير المصير وطروحات التحرر الزائفة، الحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي عبر الصحراء المغربية وهو ابعد من مجرد طموح اقتصادي يذهب في معانيه إلى أطماع لا تهدأ ورغبة في الهيمنة على المنطقة.

وبنفس هذا المنظار ترى كنشاسا أن روندا تدعم عسكريا 'حركة 23 مارس' الانفصالية الراغبة في السيطرة على إقليم كيفو الشمالي، ضمن أطماعها في ثروات باطنية كبيرة يتوافر عليها الإقليم الكونغولي.

ومن حق الجزائر كما غيرها من الدول إبرام اتفاقيات عسكرية وتعزيز التعاون مع دول المنطقة، إلا أن زيارة شنقريحة لكيغالي حملت في توقيتها ومضامينها أبعد من مجرد تعزيز للعلاقات والشراكات إلى محاولة استقطاب روندا من بوابة التعاون حتى ان كان ثمن ذلك التماهي معها في دعم ميليشيات متمردة تهدد وحدة الكونغو الديمقراطية.

وكثفت الجزائر من تحركاتها ومشاريعها ومعظمها ضبابية، في الفترة الأخيرة في محاولة مجاراة انجازات المغرب على المستوى الافريقي وذلك من خلال مشروع لاستحداث منطقة للتجارة الحرة بين عدد من الدول الافريقية وافتتاح معبر وطريق حدوديين مع موريتانيا عبر تندوف التي يقع فيها مقر جبهة بوليساريو على أمل فتح منافذ للتواصل مع العمق الافريقي.

لكن ما يظهر من تلك المشاريع التي تشكك مصادر في جدواها الاقتصادية والسياسية، يبدو موجها لمناكفة المغرب وملاحقة انجازاته أكثر منه تركيزا على تعزيز التنمية وتعزيز علاقات التعاون مع الجوار الإقليمي.

وأججت مبادرة الأطلسي التي طرحها العاهل المغربي الملك محمد السادس قبل فترة، مخاوف الجزائر من انحسار نفوذها إفريقيا ومن تفاقم عزلتها في محيطها، بما توره تلك المبادرة من مكاسب للدول الإفريقية التي تخطط للانخراط فيها للولوج إلى الأطلسي وتعزيز التكامل بين دول غرب إفريقيا والاتحاد الأوروبي.

وكان شنقريحة قد اختتم زيارته لكيغالي بتوقيع اتفاقيات عسكرية ومباحثات تشمل تعزيز التعاون العسكري بين جيشي البلدين. وقال في كلمة له بالعاصمة الروندية، إن "الزيارة تعد مؤشرا جليا على طموح السلطات العليا للبلدين من أجل بعث ديناميكية جديدة لآلية التعاون العسكري بين الجيشين وبما يسمح بمواجهة التحديات الأمنية، التي تعرفها القارة الإفريقية".

وتحدث كذلك عن دور بلاده في ما وصفه بـ"مكافحة الإرهاب وأشكال الاحتلال"، فيما تصف الجزائر سيادة المغرب على صحرائه بـ"الاحتلال" في ترويج لطروحات بوليساريو الانفصالية ومحاولة تقديم العصابة التي تدير كيانا غير شرعي كـ"حركة تحرر وطني" وهو التسويق الذي باتت ترفضه القوى الغربية الكبرى التي اعترفت بمغربية الصحراء وبمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلال وحيدا واقعيا لإنهاء النزاع المفتعل.