الهدنة تتيح فرصة محاسبة حماس في الداخل الفلسطيني

رام الله – يشعر الكثير من الفلسطينيين بالغضب من نتائج مغامرة حركة حماس بالهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي دون التحسب للرد العنيف منها. وينتظر أن توفر الهدنة التي يجري التفاوض بشأنها الفرصة أمام الزخم الفلسطيني الرافض للحرب لمحاسبة الحركة سياسيا وشعبيا.
وتتيح الهدنة لقوى فلسطينية عديدة فرصة محاسبة حماس، إذ لم تعد الأمور تحتمل المزيد من الصبر، وتحلم الحركة الآن بالعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع السياسية قبل السابع من أكتوبر، لكنها لن تتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة مع إسرائيل والقوى الفلسطينية والمجتمع الدولي.
ويتوقع على نطاق واسع أن تشهد غزة مظاهرات احتجاجية ضد حماس مباشرة بعد وقف الحرب. كما أن ما جرى قبل أيام، من احتجاجات محدودة في جباليا وغيرها من المناطق وما رصدته فيديوهات منشورة على مواقع التواصل من غضب شديد بين الغزيين واتهامات للحركة بسرقة المساعدات ومهاجمة كبار قادتها، ليس سوى عينة صغيرة مما سيواجهه يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، من غضب على مغامرة قادت إلى مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني وجرح عشرات الآلاف وهدم المنازل على رؤوس الناس وتركهم للجوع والعطش والبرد في حرب غير متكافئة.
ويشهد الشارع الفلسطيني والنخبة السياسية فيه حاليا حراكا جديدا، يحاول الاستفادة من عبر ودروس الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي انفجرت بسبب انفراد حركة حماس بالقرار من دون استعداد عسكري وسياسي، بينما الكلفة يدفعها الجميع، وفي مقدمتهم من لم تستشرهم حماس من القوى والفصائل الفلسطينية.
ما جرى من احتجاجات محدودة في غزة ليس إلّا عينة صغيرة من غضب الغزيين الواسع الذي سيواجهه السنوار ورفاقه
وعلمت “العرب” من مصادر فلسطينية أن هناك اتجاها قويا لترتيب البيت الفلسطيني من دون انفراد حماس بالقرار في غزة أو غيرها، وأن الفترة الماضية كانت كافية لتجربتها والتيقن من قلة خبرتها وتهورها السياسي الذي دفع ضريبته الشعب برمته.
وأجمعت المصادر ذاتها على أن اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو الأربعاء سيشهد اتفاقا على جعل حماس حركة غير مهيمنة على عملية صنع القرار، والسعي لاستعادة قدر من الإجماع الوطني الذي افتقده الفلسطينيون في السنوات الماضية.
كما أن حالة الزخم التي أوجدتها الحرب يتم توظيفها في مساعي إيجاد قدر من اللّحمة الوطنية. ويعد تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة محمد إشتية، وتكليفه بتسيير الأعمال، أحد المحكات التي يجب تجاوزها بنجاح للحصول على دعم المجتمع الدولي.
ومن المتوقع تشكيل حكومة جديدة تتألف من وزراء كفاءات (تكنوقراط)، وبدأ تداول اسم رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى لرئاستها.
وأعلنت حماس أن الوقت غير مناسب لتشكيل أي حكومة أو إجراء تغييرات في السلطة، ورفضت فكرة حكومة التكنوقراط، لكن هناك اتجاها فلسطينيا قويا للتعامل مع المعطيات الراهنة بقدر عال من المسؤولية وتقزيم الفصائلية البغيضة.
ومارست الإدارة الأميركية ضغوطا لتشكيل سلطة فلسطينية إصلاحية، تتسلم الحكم في القطاع بعد انتهاء الحرب، وهو ما يتعارض مع موقف إسرائيل التي رفضت تسليم الحكم في قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية وتلوح بإمكانية إعادة احتلاله أو تسليمه إلى مسؤولين محليين.
وأبدى الكاتب الفلسطيني إبراهيم أبراش تحفظه على ما وصفه بـ”المعاندة والمكابرة” المسيطرتين على حركة حماس ورفض الاستفادة من تجارب الشعوب ومن تجاربها ومغامراتها السابقة التي أضرت بالقضية الوطنية، وآخرها عملية “طوفان الأقصى” التي أعطت إسرائيل مبررا لتنفيذ ما كانت تخطط له لغزة وكل القضية الوطنية.
واستنكر إصرار قادة الحركة على مواقفهم ورفض الاعتراف بالخطأ والحديث عن بطولات وإنجازات متجاهلين الشعب ومعاناته في غزة التي وصلت إلى درجة “أكل الناس للحشائش وأعلاف الحيوانات وامتهان كرامتهم وآدميتهم من طرف الاحتلال وتجار الحروب ومن عناصر حماس أنفسهم”.
وأكد أبراش أن الحركة تعاند وتكابر متجاهلة ما يجري على الأرض، وأن الأوطان أهم من الأحزاب والشعب وكرامته وأمنه أهم من القيادات السياسية، خصوصا عندما تكون هذه القيادات خارج الوطن ولا تعاني ما يعانيه الشعب.
ويقول محللون إن حماس لم تستشر الشعب أو فصائل المقاومة وقامت بعملية “طوفان الأقصى”، ولم يفوض لها الأسرى مسألة تحريرهم مقابل تدمير غزة وسقوط أكثر من مئة ألف شهيد وجريح، وتراجعها عن عنادها قد ينقذ القضية مما تخطط له إسرائيل، وينقذ القطاع من حرب الإبادة وأهله من التهجير ومقاومة هزيمة نكراء.
وأوضح القيادي بحركة فتح جهاد الحرّازين في تصريح لـ”العرب” أن القضية الفلسطينية تمر بمنعطف خطير يفرض الوحدة والتكاتف الوطني، ومن خلالهما يتم العمل لصالح إنقاذ الشعب بعيدا عن أي مصالح -سواء أكانت حزبية أم فئوية- أو أجندات خارجية، فهذا الشعب يعيش معاناة في كافة الأراضي الفلسطينية وليس في قطاع غزة فقط.
وأشار إلى أن الشعب سيواجه كارثة كبيرة إذا تمسكت الفصائل بمواقفها التي لا تتسق مع المصالح الوطنية وحالة النشاط التي بدأت تظهر في فيديوهات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الحرب وتطالب بالتهدئة، وكلها ذات مضامين سياسية مهمة، ومن الضروري أن تراجع حركة حماس تصوراتها في غزة حيث أضرت بكل أبناء الشعب، وجملة المواقف التي كان يمكن البناء عليها سياسيا.
وفي حديثه لـ”العرب” طالب الحرّازين حماس “بإعلاء المصلحة الوطنية العامة، ودعم منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها البيت المعنوي للشعب وتمثل كل أنواع الطيف السياسي، وعلى قادتها التحلي بالوعي الفكري والنضج السياسي ومراجعة المخاطر التي تستهدف قضيتنا، والتخلي عن التفافها على القرار الوطني الذي مارسته في الفترة الماضية، وإنهاء عملية اختطافه التي عرّضت الشعب لحرب إبادة على يد جيش الاحتلال”.
وتعول دوائر سياسية على إمكانية حدوث اختراق خلال اجتماع الفصائل في موسكو، غير أن دوائر أخرى تخشى عودة التراشقات وتصاعد حدة الخلافات بسبب إصرار حماس على موقفها، في وقت ينتظر فيه كثيرون أن تكون الجهات المشاركة في الاجتماع على قدر التحديات التي يواجهها الشعب.
وقال أمين سر المكتب السياسي في جبهة التحرير الفلسطينية بلال قاسم، قبيل توجهه إلى روسيا لحضور اجتماع الفصائل، “إن هذا اللقاء (نهاية فبراير الجاري وبداية مارس المقبل) يجب أن يرتقي إلى مستوى التضحيات التي قدمها المواطنون في الضفة الغربية وغزة، فالشعب ينتظر الاتفاق على برنامج وطني موحد بعيدا عن المناورات الحزبية والعقائدية، وعدم التفريط في الثوابت، وأهمها إقامة الدولة المستقلة والتمسك بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد، والابتعاد عن الخطابات الرنانة غير المجدية”.
وذكر في تصريح خاص لـ”العرب” أن “فلسطين وشعبها أهم من كل الأحزاب والحركات والجبهات”، مضيفا “منذ انضمامنا إلى جبهة التحرير الفلسطينية نرفع شعار أن التنظيم والحزب والحركة وسيلة وليست غاية، لأن الغاية هي تحرير فلسطين وشعبها من ظلم الاحتلال”.
وشدد على أن الخطر الذي يعترض الفلسطينيين في الآونة الأخيرة هو تحويل الحزب من وسيلة إلى غاية، والغاية هنا هي استلام السلطة والانعزال عن بقية الأحزاب والقوى، وهذا ما حدث بعد انقلاب حماس عام 2007 والسيطرة على غزة والانفراد بالسلطة والتحكم في مقدرات الشعب تحت شعارات كبيرة.
اقرأ أيضا:
• قطر وطرفا الصراع لا يشاطرون بايدن التفاؤل بشأن التوصل لاتفاق في غزة