"بنات ألفة" يتوج كأفضل فيلم وثائقي بسيزار

عرف حفل توزيع جوائز "سيزار" في نسختها التاسعة والأربعين المقامة بمسرح أولمبيا في باريس العديد من المفاجآت من بينها منح الفيلم التونسي "بنات ألفة" للمخرجة كوثر بن هنية جائزة أفضل فيلم وثائقي، كما طغت الاعتداءات الجنسية في الوسط السينمائي على سهرته.
باريس - منحت جائزة "سيزار" الفرنسية لأفضل فيلم وثائقي، الجمعة، إلى “بنات ألفة” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، وفقا للمركز الوطني للسينما والصورة في تونس. ويواصل الفيلم التونسي حصد الجوائز العالمية، حيث تمكن من الحصول على تتويج جديد بفوزه بجائزة أفضل فيلم وثائقي في الدورة التاسعة والأربعين لجائزة "سيزار" الفرنسية، التي تمنحها سنويا أكاديمية الفنون والتقنيات السينمائية منذ عام 1976 وهي المعادل الفرنسي لجوائز الأوسكار التي تقدمها الولايات المتحدة.
ويسلط الفيلم، الذي يمزج بين الوثائقي والدرامي، الضوء على الفترة الممتدة من 2010 إلى 2020 بما تحمله من صراعات وتقلبات، حيث الأحداث مستوحاة من قصة حقيقية لسيدة أربعينية تدعى “ألفة” تصارع الفقر وتشهد سقوط بناتها في مستنقع الإرهاب والتطرف حتى انتهى بهن المطاف في السجن.
وتركز المخرجة في هذه التجربة السينمائية على كيفية تعامل ألفة مع بناتها المراهقات وميولهن نحو التطرف وهروبهن إلى ليبيا للانضمام إلى تنظيم داعش وانتهاء الأمر بهنّ في السجن. وكان الفيلم الذي تشارك في بطولته الممثلة هند صبري مع بعض الشخصيات الحقيقية للقصة، قد بدأ سلسلة نجاحاته العالمية بمشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" السينمائي الدولي في مايو الماضي وتتالت بعدها جوائزه العالمية المرموقة.
و”بنات ألفة” هو عبارة عن فيلم داخل فيلم حصل على جائزة 10 آلاف دولار من أيام القاهرة لصناعة السينما في الدورة الثانية والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي، علما وأنه تم اختياره ضمن القائمة الأولية لجائزة أوسكار أفضل فيلم دولي في الدورة السادسة والتسعين للجائزة الأشهر عالميا بمجال السينما. وسارعت وزارة الشؤون الثقافية بتونس لتهنئة فريق العمل عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، معتبرة هذا الفوز “تتويجا يدعم السينما التونسية في العالم”، حاثة على الاهتمام بالمزيد من العمل والعطاء والتميز.
ودعت كوثر بن هنية خلال تسلمها الجائزة بالحفل الذي أقيم بمسرح أولمبيا في باريس إلى وقف إطلاق النار في غزة، مشددة على أن “وقف قتل الأطفال أصبح مطلبا جذريا”.
والأمر نفسه دعا إليه الممثل الفرنسي البلجيكي آرييه فورتالتير خلال الاحتفال الذي لم يكن منصبّا هذه المرة على الجوائز أو التكريمات، بقدر ما أفرد حيزا كبيرا لعدة قضايا بينها غزة وأبرزها ضحايا الاعتداءات الجنسية، لاسيما في خضم موجة فضائح يشهدها الوسط السينمائي الفرنسي.
إذ سرق خطاب الممثلة جوديت غودريش، التي أصبحت شخصية بارزة في حملة "مي تو" الفرنسية، الأضواء من الجوائز والتكريمات. وقالت غودريش في هذا الإطار إنها تحلم بـ”ثورة”، فوسط تصفيق حار من وجوه الوسط السينمائي الفرنسي المتهم بتغطية الاعتداءات الجنسية مدى سنوات، أطلّت الممثلة على مسرح أولمبيا في باريس لتحمل على “درجة الإفلات من العقاب والإنكار والامتيازات” التي تسود قطاع السينما.
وسـألت “لماذا القبول باستخدام هذا الفن الذي نحبه كثيرا، هذا الفن الذي يربطنا، كغطاء للاتجار غير المشروع بالشابات؟”. وأثيرت مسألة العنف الجنسي من خلال الكلمات الافتتاحية لرئيسة الحفلة فاليري لوميرسييه التي قالت “لن أغادر المسرح من دون أن أحيّي أولئك الذين واللواتي يزعزعون عادات وتقاليد عالم قديم جدا حيث كانت فيه أجساد البعض ضمنيا في تصرّف أجساد الآخرين”.
من جهتها، أهدت المخرجة جوستين ترييه “جائزة سيزار لجميع النساء.. سواء للواتي ينجحن أو للواتي يخفقن، للواتي جُرحن ويحررن أنفسهنّ من خلال الكلام، وللواتي لم يستطعن ذلك”. وأصبحت ترييه ثاني امرأة تنال جائزة أفضل إخراج لامرأة في تاريخ “سيزار”، عن شريطها “أناتومي دون شوت” الذي حصد العدد الأكبر من المكافآت خلال الحفلة بنيله ستّا منها، بينها لقب أفضل فيلم، مما وفّر له زخما جديدا عزّز موقعه على مشارف حفلة توزيع جوائز الأوسكار في 10 مارس المقبل، وهو مرشح في خمس من فئاتها.
◙ الفيلم، الذي يمزج بين الوثائقي والدرامي، يسلط الضوء على الفترة الممتدة من 2010 إلى 2020 بما تحمله من صراعات وتقلبات
وبدا التناقض جليّا بين “سيزار” مساء الجمعة وما شهدته نسخة عام 2020 التي مُنِح فيها رومان بولانسكي المتهم بالاغتصاب جائزة أفضل مخرج عن فيلم “جاكّوز”، مما دفع الممثلة أديل إينيل يومها إلى مغادرة الحفلة. وأعادت الأخيرة التي ابتعدت عن السينما منذ ذلك الحين، نشر صورة لحفلة عام 2020 عبر حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي الجمعة، من دون أيّ تعليق.
وانطوى على القدر نفسه من الرمزية منحُ أكاديمية “سيزار” جائزتها الأولى، المخصصة لفئة أفضل ممثلة في دور مساعد، لأديل إكسارشوبولوس عن فيلمها “جو فيرّيه توجور فو فيزاج” الذي تؤدي فيه دور ضحية سفاح قربى. وتظاهر قبل الحفلة نحو مئة شخص أمام مسرح أولمبيا بدعوة من فرع القطاعات الفنية في الاتحاد العمالي العام “سي جيه تيه سبيكتاكل”، دعما لضحايا الاعتداءات الجنسية اللواتي يفضحن ما تعرّضن له.
وقالت الممثلة آنا موغلاليس التي اتهمت المخرجين فيليب غاريل وجاك دويون بالاعتداء عليها جنسيا “معا، يمكننا حقا أن نساعد في تغيير الأمور، ويمكن أن ينفتح عالم حقا أفضل”. واستنكرت قبل الاحتفال أيضا وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، في مقابلة مع مجلة “لو فيلم فرانسيه” ما وصفته بـ”التعامي الجماعي” الذي “استمر لسنوات” في القطاع.
وعن قضية جوديت غودريش، قالت “الحرية الإبداعية كاملة ولكن الموضوع هنا لا يتعلق بالفن، بل بجرائم تستهدف الأطفال”. وشهدت السينما الفرنسية في الآونة الأخيرة ضجة واسعة في هذا الشأن، إذ رُفعَت دعاوى على عدد من أبرز وجوهها، من بينهم النجم جيرار دوبارديو، ودومينيك بوتونا رئيس المركز الوطني للسينما.