النمو الاقتصادي في الهند يدعم حضورها السياسي الخارجي

نيودلهي تستفيد من الصراع الاقتصادي الأميركي – الصيني.
الأحد 2024/02/25
حيوية اقتصادية متعددة الجوانب

الهند استفادت من وضعها كقوة بشرية كبرى من التنافس الصيني – الأميركي لتتحول إلى وجهة دولية للاستثمارات، لكن الأهم أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي قد أدخل إصلاحات اقتصادية ساعدت على ذلك وحققت نتائج لافتة منها أن نموها الاقتصادي الحقيقي يتجاوز الـ6 في المئة سنويا.

نيودلهي- ستمكن توقعات النمو الاقتصادي الهندي القوية في الأمد المتوسط حكومة البلاد من توجيه الموارد المالية والجهود الدبلوماسية نحو إدارة البيئة الأمنية المعقدة التي تشهدها.

وهيمن رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا على السياسة الهندية منذ وصولهما إلى السلطة لأول مرة في 2014.

ويبدو هذا الاتجاه مستمرا، حيث تتوقع استطلاعات الرأي فوز الحزب الحاكم بولاية أخرى مدتها خمس سنوات في الانتخابات العامة المقبلة في الهند، المقرر إجراؤها في أبريل ومايو.

ويعاني حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض في الأثناء من ضعف مع تزايد الانقسامات والحضور الأيديولوجي مقابل تصاعد القومية الهندوسية المتواصل. وسيستطيع حزب بهاراتيا جاناتا بفضل وضعه القوي متابعة أجندته الاقتصادية الخارجية والداخلية إذا فاز بالانتخابات.

◙ رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا هيمنا على السياسة الهندية منذ وصولهما إلى السلطة في 2014
رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا هيمنا على السياسة الهندية منذ وصولهما إلى السلطة في 2014

وأكدت مؤسسة مورنينغ للاستشارات في ديسمبر 2023 أن المعدلات الموافقة التي يحظى بها مودي بلغت نسبة 76 في المئة. وتقدم التحالف الوطني الديمقراطي اليميني، الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا، حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، على التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل (إنديا)، الذي يقوده المؤتمر الوطني الهندي، بنسبة 8 – 13 نقطة مئوية.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن التحالف قد يشغل حوالي 296 – 366 من أصل 543 مقعدا في مجلس النواب في البرلمان الهندي، مقارنة بـ350 مقعدا حصل عليها في انتخابات 2019.

واختارت حكومة مودي، في وضعها للميزانية المؤقتة الأخيرة قبل انتخابات 2024، زيادة التمويل (حتى لو كان بوتيرة أبطأ قليلا مما كان عليه خلال السنوات الأخيرة) للاستثمار في البنية التحتية بدلا من التخفيضات الضريبية للطبقة الوسطى والزيادات الكبيرة في الإنفاق الاجتماعي التقليدية السابقة للانتخابات، بما يشمل الإعانات للأسر الأكثر فقرا.

وتحوّل الحكومات الهندية في العادة الموارد من الاستثمارات إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي لكسب الأصوات. وامتنعت عن ذلك حكومة مودي الواثقة من موقفها السياسي القوي. وخصصت الميزانية ما يعادل 130 مليار دولار لتمويل البنية التحتية المادية، وهو ما يمثل زيادة سنوية تتجاوز 10 في المئة.

وأصبح انتهاج سياسة الاقتصاد الكلي أكثر دعما للنمو ممكنا بفضل الهيمنة الانتخابية التي يتمتع بها حزب بهاراتيا جاناتا.

وتبدو توقعات النمو الاقتصادي في الهند على المدى المتوسط قوية، مما سيساعدها على مضاعفة حجمها الاقتصادي خلال العقد المقبل وتعزيز مكانتها باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وتفوقت الهند على الصين بكونها الاقتصاد الرئيسي الأسرع نموا في العالم.

ومن المتوقع أن تتمكن الهند أيضا من دعم نمو اقتصادي حقيقي يتجاوز الـ6 في المئة سنويا خلال الفترة المتبقية من العقد، مدعومة بسياسات اقتصاد كلي معقولة على نطاق واسع، بما في ذلك عجز مالي متحكم فيه وتضخم معتدل. وستواصل الحكومة اهتمامها بسياسات تجارية أقل توجها نحو النمو تحت ستار الحمائية الانتقائية، مثل ضوابط التصدير والتعريفات الجمركية الأعلى انتقائيا.

لكن هذا لن يتحول إلى سياسة حمائية شاملة لأن التدابير الحمائية تهدف إلى دعم السياسة الصناعية عبر التدخل القطاعي الانتقائي (مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة)، مما سيحد من التأثير السلبي على النمو الاقتصادي.

كما تستفيد الهند من زيادة الاستثمار الأجنبي في إعادة هندستها لسلسلة التوريد التي تعتمدها الشركات متعددة الجنسيات ونقل التصنيع إلى دول صديقة. وتحاول الشركات الغربية في الأثناء تقليل اعتمادها على الصين وتسعى إلى الاستثمار في أماكن أخرى، بما في ذلك في البلدان الصديقة جيوسياسيا مثل الهند.

ويرجع ذلك إلى الصراع الاقتصادي الأميركي – الصيني المكثف الذي يشمل “فك الارتباط” وإزالة المخاطر.

◙ الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الاسمية للدولار وهي ثالث أكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي الإجمالي

وسينتفع النمو الاقتصادي الهندي على المدى المتوسط بفضل مستويات الاستثمار المحلية القوية وزيادة التركيز على الاستثمار في البنية التحتية الذي تشتد الحاجة إليه والمعزز للإنتاجية في سياق سياسة مالية ومستوى دين حكومي يمكن التحكم فيهما.

وتعدّ الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الاسمية للدولار وهي ثالث أكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي الإجمالي المقاس بتعادل القوة الشرائية. وهي تحتل المرتبة 121 من أصل 185 دولة من حيث دخل الفرد الذي يقاس بالقوة الشرائية، أي أقل بقليل من لاوس وأعلى بقليل من أوزبكستان، إذ يبلغ دخل الفرد 7100 دولار.

ويُذكر على سبيل المقارنة أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بلغ 18700 دولار في الولايات المتحدة و59500 دولار في الصين. وسيبقى نصيب الفرد في الدخل في الهند متخلفا عن جل البلدان الأخرى، مما سيحد من قدرة البلاد على تعبئة الموارد لأغراض دولية.

ويتوقع صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتجاوز متوسط النمو الاقتصادي الحقيقي في الهند 6 في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة. وسيكون هذا أقل من النمو الذي سجلته الصين خلال مرحلة النمو المرتفع من 1980 إلى 2020. لكنه يبقى كافيا لجعل الهند الاقتصاد الرئيسي الأسرع نموا في العالم. ويتجاوز معدل النمو الاقتصادي الحقيقي في الهند اليوم معدل النمو في الصين الذي يتراوح بين 4 و5 في المئة.

ومن المتوقع أن ينمو حجم الاقتصاد الهندي بأكثر من الضعف (من أقل من 10 تريليونات دولار في 2020 إلى أكثر من 20 تريليون دولار خلال 2030). ويجعل هذا (دون احتساب التضخم) اقتصاد الهند أكبر بثلاث مرات من اقتصاد اليابان اليوم. وسيتجاوز نصيب الفرد من الدخل في الهند 10 آلاف دولار بحلول 2030.

وتستفيد الهند من الزخم الديموغرافي المناسب، ومن التحول الديموغرافي الكبير، حيث انخفضت الخصوبة في البلاد إلى ما يزيد قليلا عن ولادتين لكل امرأة، وهو أقل من نسبة الاستبدال البالغة 2.1. ويدل هذا على تحسن نسبة الإعالة، ويخلق ظروفا مواتية لزيادة معدل الادخار الوطني والاستثمار، مع توسيع المعروض من العمالة من الناحية النسبية (والمطلقة).

◙ مودي سيكون في وضع مناسب لتعبئة الموارد وبذل الجهود الدبلوماسية اللازمة لتحقيق أهداف سياسته الخارجية

وبلغ متوسط الاستثمار في الهند حوالي 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات القليلة الماضية. وهذا يعدّ أقل مما كان عليه في بداية العقد الماضي، مما يشير إلى أن للهند مجالا كبيرا لزيادة المدخرات والاستثمار.

وتحمل التركيبة السكانية المناسبة القدرة على رفع النمو الاقتصادي من خلال مضاعفة الاستثمار (شريطة ألا تتحرك الحكومة في مواجهة الزيادة البنيوية لإمكانات المدخرات المتزايدة في البلاد). وتمكنت الصين من جهتها من مضاعفة معدل الادخار الذي بلغ 50 في المئة ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 10 في المئة خلال مرحلة النمو المرتفع.

وسيكون مودي وحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه في وضع مناسب لتعبئة الموارد وبذل الجهود الدبلوماسية اللازمة لتحقيق أهداف سياسته الخارجية في بيئة أمنية دولية معقدة إذا فازا بولاية أخرى في الانتخابات القريبة.

وستجد الهند نفسها في موقف قوي للتنافس بنجاح مع منافسيها الإستراتيجيين الرئيسيين (الصين وباكستان) خلال السنوات القادمة بفضل نموها الاقتصادي الأعلى وقدرتها الأكبر على تعبئة الموارد، بما في ذلك الموارد المالية. ويتمثل التحدي الإستراتيجي الأكبر الذي تواجهه البلاد في إدارة علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع الصين، بما في ذلك في المحيط الهندي، حيث تتوسع مصالح بكين الجيوستراتيجية والتجارية.

وهذا ما سيرفع الضغط على الهند للتنافس على النفوذ في دول مثل سريلانكا وجزر المالديف. وستزيد من درجة نشرها لموارد أكبر، بما في ذلك القروض وغيرها من الدعم المالي، للحفاظ على موطئ قدمها الدبلوماسي في المنطقة.

كما تظل منافستها الجيوسياسية باكستان مصدر قلق أمني كبير لها. وبينما تواجه باكستان تحديات محلية واقتصادية كبيرة تصعّب المنافسة الإستراتيجية عليها، إلا أن عدم الاستقرار يخلق مخاطر للهند المجاورة. لكن توافر الموارد المتزايدة في الهند سيمكنها من الاستمرار في إدارة الوضع الأمني على حدودها الشمالية الشرقية، كما فعلت لعقود.

وخاضت الهند وباكستان حروبا في 1947 و1965 و1971 و1999. ويتوجه اهتمام نيودلهي إلى الصراع المستمر بين البلدين، الذي يعود إلى قضية السيطرة على منطقة كشمير المتنازع عليها على طول حدودهما المشتركة. ويُذكر في هذا الصدد أن باكستان تمتلك أسلحة نووية.

◙ وجهة مفضلة للاستثمارات
وجهة مفضلة للاستثمارات

وتعدّ النزاعات الحدودية أيضا مصدرا مهما للمنافسة الهندية – الصينية. وقد خاضت الهند حروبا مع الصين في 1962 و1967. وتسببت المناوشات الحدودية الأخيرة في المناطق المتنازع عليها في مقتل عدة أشخاص.

وتجمع علاقات ودية باكستان مع الصين، المزود الرئيسي للدعم المالي الذي تتلقاه إسلام أباد بما في ذلك مشاريع البنية التحتية التي تعتبرها نيودلهي تهديدا. كما تعمل الصين على توسيع وجودها البحري حول الهند لتأمين وصولها إلى دول الخليج الغنية بالنفط. وهذا ما يكثف المنافسة الأمنية في “الخارج القريب” في شبه القارة الهندية، بما في ذلك سريلانكا وجزر المالديف.

وستزيد جاذبية الشراكة الهندية في أعين الولايات المتحدة والدول الأوروبية بفضل التنمية الاقتصادية السريعة التي تشهدها البلاد وزيادة الإنفاق الدفاعي والاستقرار الحكومي تحت سيطرة حزب بهاراتيا جاناتا المستمرة. وستعمل الهند على تعميق العلاقات التي تجمعها مع واشنطن، مما سيوفر لها فرصا لتعزيز موقعها الجيوسياسي.

ومن المرجح أن يشمل ذلك تعاونا عسكريا ثنائيا أوثق وزيادة مشتريات معدات الدفاع الأميركية. ويكمن الهدف في تأسيس شراكة مع الولايات المتحدة تكون كافية لردع الصين دون المخاطرة بالانجرار إلى صراع أميركي – صيني أوسع.

وقد يجبر هذا الهند على الحفاظ على توازنها، حيث تزيد تدريجيا من التعاون الأمني مع الولايات المتحدة دون الدخول في التزامات دفاعية رسمية. وستساعد أهمية الهند المتزايدة لواشنطن في خضم اشتداد المنافسة مع الصين البلاد على تحقيق التوازن الصحيح، طالما أن العلاقات التي تجمعها ببكين لا تتدهور بشكل كبير.

وستواصل الهند مساعيها الهادفة لتنويع مصادر مشترياتها الدفاعية الأجنبية في خضم انخفاض المبيعات الروسية التي تتلقاها منذ حرب أوكرانيا. وأصبحت أوروبا والولايات المتحدة المصدرين الرئيسيين اللذين تتلقى الهند منهما المعدات الدفاعية المتقدمة، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية. ولن تجد نيودلهي أيّ خيار سوى اللجوء إلى هذه البلدان لتحديث ترسانتها.

◙ من المتوقع أن يتجاوز متوسط النمو الاقتصادي الحقيقي في الهند 6 في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة
من المتوقع أن يتجاوز متوسط النمو الاقتصادي الحقيقي في الهند 6 في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة

والهند هي من أعضاء الحوار الأمني الرباعي مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. وتشمل التزامات المجموعة منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة. ويعدّ هذا من نوع التعاون الأمني الذي تفضل نيودلهي الانخراط فيه لردع الصين، مقارنة بالالتزامات والمعاهدات الأكثر رسمية. كما انضمت البلاد إلى 13 دولة أخرى ضمن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الذي تقوده الولايات المتحدة، وهو يتبع أهدافا مماثلة في المجال الاقتصادي. وامتنعت عن الانضمام إلى الغرب في فرض عقوبات على روسيا إثر غزو أوكرانيا، ورفعت تجارة الطاقة مع موسكو خلال العامين الماضيين.

ويوجد خامس أكبر جيش في العالم بالهند. وأنفقت البلاد في 2022 أكثر من 80 مليار دولار على الدفاع. وسيمكّن النمو الاقتصادي القوي الحكومة من زيادة هذا الإنفاق بنسبة تتراوح بين 6 و10 في المئة سنويا بالقيمة الاسمية.

وانخفضت واردات معدات الدفاع الهندية من روسيا إثر حرب أوكرانيا، مما سيدفع نيودلهي إلى البحث عن قنوات تعاون أوثق مع الدول الأخرى القادرة على تقديم الإمدادات التي تحتاجها. ووقعت ألمانيا في يونيو 2023 اتفاقية لبناء ست غواصات لها. واتفقت فرنسا والهند في يناير 2024 على إقامة شراكة صناعية دفاعية للإنتاج المشترك للمعدات الدفاعية، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر والغواصات.

 

ستراتفور

7