ضغوط تونسية للإسراع في إنقاذ الشركات المتعثرة

تونس - تزايدت المؤشرات على عجز الخطط الحكومية لإنقاذ الشركات المملوكة للدولة الغارقة في الديون في ظل المشاكل الهيكلية المزمنة، التي تفاقمت نتيجة بطء الإصلاحات رغم المحاولات لإنقاذها.
وشكلت تحذيرات كنفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (كونكت)، وهي منظمة غير حكومية، من دخول الشركات المتعثرة المملوكة للدولة في أزمة أعمق لا يمكن التكهن بعواقبها، دليلا آخر على غياب تصور شامل لإعادة هيكلتها.
وطالبت كونكت في بيان أصدرته الاثنين الحكومة بتوجيه المبالغ المتبقية من التسهيلات النقدية التي لن يقع استعمالها في سداد الديون، “نحو إعادة هيكلة المؤسسات العمومية وسداد ديونها”.
وفق المعطيات الرسمية، تعمل 104 مؤسسات ومنشآت عمومية في قرابة 21 قطاعا اقتصاديا، أغلبها متواجدة في ميادين الطاقة والصناعة والصحة والخدمات
وشددت المنظمة في بيانها الذي أوردته وكالة الأنباء التونسية الرسمية عقب اجتماع مجلسها الإداري وانعقاد الجلسة العامة السبت الماضي، على ضرورة زيادة نفقات الاستثمار مما يسمح بإعادة الديناميكية للاقتصاد المحلي.
وعبّرت عن تفهمها للضغوط المتراكمة على المالية العمومية، ما يتطلب تسريع الإصلاحات الهيكلية المنتظرة وتحسين مناخ الأعمال وتجنّب تحميل المؤسسة الخاصة للمزيد من الضّغوط الضريبية.
ولا تزال الدولة تهيمن على كافة القطاعات، حيث يبلغ عدد الشركات المملوكة لها 216 شركة، مثل فوسفات قفصة والخطوط التونسية وغيرهما، وهذا الأمر سبب لها مشكلة كبيرة أدت إلى عجزها عن توفير الأموال لإدارتها على النحو الأمثل.
ووفق المعطيات الرسمية، تعمل 104 مؤسسات ومنشآت عمومية في قرابة 21 قطاعا اقتصاديا، أغلبها متواجدة في ميادين الطاقة والصناعة والصحة والخدمات.
ومنذ العام 2011 يحتدم الجدل في تونس حول وضعية المؤسسات المملوكة للدولة، التي ما انفكت تسجل خسائر مالية بعد أن كانت تحقق أرباحا، وتساهم في تمويل موازنة الدولة.
وحتى مع الإجراءات التي تتخذها السلطات منذ يوليو 2021 من أجل تصحيح مسار الاقتصاد بما في ذلك الشركات الحكومية، فإنه لا توجد دلائل على أن أوضاعها تتحسن خاصة في ظل الوضع المضطرب الذي يعيشه العالم والذي تسبب في تحليق التكاليف لمستويات غير مسبوقة.
وحاولت الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الماضية تلبية مطالب الثورة المتمثلة في التشغيل، وفتحت باب التوظيف في المؤسسات والشركات الحكومية التي كان نشاطها مهما في تحريك عجلة اقتصاد البلاد، مقابل ذلك تضمن ولو بشكل مؤقت سلما اجتماعيا.
وتقدر الخسائر المالية السنوية للمؤسسات المملوكة للدولة نظرا لتعطل النمو والنشاط الاقتصادي بنحو 5 مليارات دينار تقريبا (1.7 مليار دولار).
وتشير أرقام كونكت إلى أن شركات القطاع العام كبّدت خزينة الدولة خسائر بين عامي 2014 و2016 بنحو 2.85 مليار دولار، وأن الدولة ضخت لمساعدتها 4.72 مليار دولار، ولكنها ظلت تعاني من أزمات هيكلية مزمنة.
منذ العام 2011 يحتدم الجدل في تونس حول وضعية المؤسسات المملوكة للدولة، التي ما انفكت تسجل خسائر مالية بعد أن كانت تحقق أرباحا
وتبدو المنظمة قلقة من استمرار تباطؤ الاقتصاد التونسي عموما والطّلب الداخلي على وجه التحديد، حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة لا تتجاوز 0.7 في المئة خلال سنة 2023.
واعتبرت أن التغير المناخي وضعف الموارد المائية وتفاقم عجز الطاقة من أهم أسباب التباطؤ الاقتصادي خلال العام الماضي ومن أهم المخاطر المستقبلية.
وتواجه تونس ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة، وتعمل على توفير التمويلات بعيدا عن صندوق النقد الدولي بعد تعثر المفاوضات لصرف تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.
وفي نوفمبر الماضي، قال البنك الدولي في تقرير إن الاقتصاد التونسي يرزح تحت عوامل سلبية عدة، من أبرزها “الجفاف المستمر والتحديات في التمويل الخارجي، مع تواصل تراكم الديون المحلية في أهم المؤسسات العمومية، والعقبات التشريعية”.
وعيّن الرئيس قيس السعيد، فتحي النوري محافظا جديدا للبنك المركزي التونسي خلفا لمروان العباسي، الخميس الماضي، في وقت تشهد البلاد تحديات اقتصادية وسياسية عديدة.
وقبل أيام من التعيين الذي لم يتم إيضاح أسبابه، أقرت تونس قانونا يسمح للمركزي بمنح تسهيلات للخزينة العامة للدولة بقيمة سبعة مليارات دينار (2.25 مليار ذولار) تسدد على مدى 10 سنوات منها ثلاث سنوات سماح، ومن دون فوائد.
وعبرت منظمة كونكنت في بيانها عن استعدادها المتجدّد لمواصلة دعم جهود الدولة عبر المقترحات البنّاءة، وعزمها على تفعيل كل المبادرات التي من شأنها تعزيز النسيج الاقتصادي ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.