هل ما زالت "الخرزة الزرقاء" تقي من الحسد في لبنان

اعتقاد راسخ بأن الخرزة الزرقاء تقوم بامتصاص شرور العين القادمة التي قد تكون حاسدة، فيبطل الحسد.
السبت 2024/02/17
حماية من "صيبة العين"

تستخدم الخرزة الزرقاء في لبنان اعتقادا بأنها "ترد العين" الحاسدة، وتقي منها، وتحول دون حدوث أذى، ولكن هذا الاعتقاد شهد تراجعا في أوساط الفئات الشبابية. وانتشر الاعتقاد في المجتمع التقليدي اللبناني بأن الناس يحسدون بعضهم البعض على ما يملكون من نعم، وأنه يصيب بالأذى، فالعين هي نافذة الروح.

بيروت - يعلق بعض اللبنانيين عند عتبات مداخل بيوتهم، رموزاً دينية بهدف الحماية من شرور العالم الخارجي، فيما يضع آخرون خرزة زرقاء، تكون أحياناً مقرونةً بآيات دينية، أو حتى يعلقون حدوة حصان مرصعة بالخرز الأزرق، لاعتقادهم بأن ذلك يمثل “ردّ العين” الحاسدة. وليس ذلك حال جميع اللبنانيين. كما يعلق الكثير من اللبنانيين خرزة زرقاء في ملابس أطفالهم خاصةً حديثي الولادة، وهي ظاهرة للعيان، ويعتقدون أن ذلك وقاية من "صيبة العين".

ويعتقد باحثون أن الخرزة الزرقاء تقوم بامتصاص شرور العين القادمة التي قد تكون حاسدة، فيبطل الحسد. ويسود اعتقاد بأن هناك شعاعاً يخرج من عين الحاسد فيضرب جمال امرأة أو طفل أو قطعة أثاث أو حيوان. ويقول المهندس أنور الشامي “إن استخدام الخرزة الزرقاء لحماية الأطفال من ‘صيبة العين’ مرتبط بالمجتمع الزراعي حيث لم يكن الطب قد وصل إلى مرحلة متقدمة، وكانت نسبة الوفيات مرتفعة جداً وخاصة بين الأطفال”.

واعتبر الشامي أن “تعرض الإنسان للموت المبكر، خاصةً بين للأطفال، دفعه إلى البحث عن سبل الوقاية من الوفيات التي ربط حدوثها بقدرات خفية يمتلكها بعض الناس على افتعال الأذى من باب الحسد، فكان استخدام الخرزة الزرقاء أحد سبل الوقاية”. وأضاف “لذلك كان يتم تعليق الخرزة الزرقاء في ثياب الأطفال في السنوات الأولى من العمر. وبالرغم من التقدم الذي حققه الطب خلال الفترة الماضية، لا تزال هذه المعتقدات منتشرة، وإن بوتيرة أقل”.

وتُعرض الخرزة الزرقاء في معظم المحلات المخصصة لبيع المجوهرات في لبنان، على اعتبار أنها تدخل ضمن قائمة الهدايا التي يبتاعها الأقارب للأطفال حديثي الولادة. وقالت المتخصصة في التصميم الداخلي آية عبدوني “تستخدم الخرزة لحماية الأشخاص، وخاصةً الأطفال، حيث تعلق على ملابسهم حتى عمر سنتين، على الأقل، كما توضع ‘يد فاطمة’ عند عتبة مداخل المنازل من الجهة الداخلية، وفي وسطها خرزة زرقاء، بهدف الحماية من الشرّ والحسد”.

◙ الخرزة الزرقاء تُعرض في محلات المجوهرات في لبنان على اعتبار أنها تدخل ضمن قائمة الهدايا التي يبتاعها الأقارب للأطفال حديثي الولادة
◙ الخرزة الزرقاء تُعرض في محلات المجوهرات في لبنان على اعتبار أنها تدخل ضمن قائمة الهدايا التي يبتاعها الأقارب للأطفال حديثي الولادة

وأضافت “يندرج استخدام الخرزة الزرقاء في إطار معتقدات ورثناها، ولا تزال منتشرة حتى اليوم، وربما يكون استمرار انتشارها مرتبطاً بخوف الناس من التخلي عنها، لاعتقادهم بأن الحسد موجود”.ويعتبر متخصصون في المجال الاجتماعي أن للمعتقدات الشعبية ومن بينها الاعتقاد بـ”صيبة العين”، تأثير كبير على سلوك الأفراد، وعلى تشكيل الرؤى لديهم وعلاقاتهم بالآخرين، وعلى بناء العلاقات الاجتماعية أو تفككها.

وقال المهندس علي عسيلي “ما أعرفه هو أن الاعتقاد بفعالية الخرزة الزرقاء للحماية من الحسد كان موجوداً قبل الإسلام. ومع مجيء الإسلام ترافقت الخرزة الزرقاء مع الآيات القرآنية، وغالباً ما تكون الخرزة الزرقاء عند عتبات بيوت المسلمين، إذا وجدت، مقرونةً بآية قرآنية، بحيث أن هذه العادات اتخذت صبغة دينية”. وأضاف عسيلي “وضعنا عند عتبة باب المدخل من الجهة الخارجية في منزلنا، ‘آية الكرسي’ تتدلى منها خرزة زرقاء وعين زرقاء، بحيث تكون مواجهة لنظر الداخل إلى المنزل، للوقاية من الحسد والشر”.

وأضاف “يؤمن أهلي بوجود الحسد والشرّ الذي يفتعله البشر، وبفعالية الخرزة الزرقاء في ردّ الأذى، أما أنا، فاعتبر أن الحسد موجود، ولكني أرى أن طرق الحماية منه تكون عبر وسائل أخرى غير الخرزة الزرقاء، منها توزيع الأضاحي على الفقراء مثلاً. أما موضوع الخرزة الزرقاء وارتدائها حالياً، فبات من باب إظهار الجمال أكثر منه من باب الاعتقاد بقدرتها على الحماية من العين المؤذية”.

وأشار عسيلي إلى وجود” الكثير من الأخبار المتداولة عن حوادث حصلت بسبب الإصابة بالعين…أذكر حادثة كنت شاهدا عليها، حيث كنا من بين عدد من العائلات المجتمعين بهدف تناول الطعام، وكانت أختي تحمل وعاءً مليئاً بـ /التبولة/، فقالت امرأة من الحاضرين لها ما أحلى الوعاء، وسرعان ما سقط الوعاء من يدها على الفور وتهشم. وبعدها قالت المرأة ذاتها لأمي ما أحلى ابنتك، فوقعت أختي على الفور وانكسر حوضها. ونُسبت تلك الحوادث في حينه، إلى عين المرأة التي تصيب بالأذى”.

ولا يزال بعض اللبنانيين يعتقدون بفعالية الاستعانة بالخرزة الزرقاء للوقاية من شرورٍ يتسبب بها البشر، فيما يرى البعض الآخر أن مثل هذه المعتقدات تدخل في باب الخرافة. وقالت السيدة ياسمين حجازي “تُستخدم الخرزة الزرقاء للحماية من ‘صيبة العين’ وتعلّق في السيارات، وعلى عتبات البيوت، أو في داخل البيوت، وتعلق أيضاً على ثياب الأطفال".

وأضافت ياسمين "لا أؤمن بقدرة الخرزة الزرقاء على الحماية من صيبة العين الحاسدة، ولم أعلّق على ثياب ابني عندما كان طفلاً خرزة زرقاء كما يفعل الكثيرون”. وتابعت ” لدي صديقة تؤمن بالحسد، وبفعالية الخرزة الزرقاء في إبعاد أذية العيون الحاسدة، لدرجة أنها تختار ثياباً فيها خرزة زرقاء لترتديها بهدف الوقاية، وفي غرفة نومها تضع خرزة زرقاء، وغلاف هاتفها الخلوي عليه خرزة زرقاء. وهي تعتقد أن الخرزة تحميها من أولئك الذين يتمنون لها الشرّ. وأي شيء سيء يحصل لها تعتبر أن سببه صيبة العين".

18