الحرب بين إسرائيل وحماس تذكي البيئة الجهادية في جنوب آسيا

كابول/ إسلام أباد - عكست ردود الفعل الرسمية للفصائل المسلحة الرئيسية المتمركزة في باكستان وأفغانستان على هجوم “طوفان الأقصى”، الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، مجموعة من الأجندات والأولويات المثيرة للاهتمام.
وأصدر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية رداً فورياً على هجوم حماس، وحاول تأطير الحدث للترويج لأجندة الجهاد العالمي التي يتبناها تنظيم القاعدة.
كما أعربت طالبان باكستان أيضًا عن دعمها لحركة حماس في 7 أكتوبر، متعاطفة مع كفاح الحركة ضد قوة أقوى بينما سلطت الضوء أيضًا على الطبيعة المحلية لمعركتها مع باكستان.
وقد أصدرت حركة طالبان الأفغانية بياناً تأخر بعض الشيء، ومن المدهش أنها ناشدت محكمة العدل الدولية التدخل، وهو ما يعكس نظرتها الدولية على نحو متزايد.
وانتظر تنظيم داعش في محافظة خراسان حتى نهاية نوفمبر لإصدار بيان بشأن الهجوم، لكنه استغل الفرصة لإدانة حركة طالبان الأفغانية وحماس والدول الإسلامية بشكل عام لفشلها في الاتحاد تحت راية الخلافة قبل مواجهة إسرائيل.
التحليل الشامل لردود أفعال هذه المجموعات الأربع على الحرب بين إسرائيل وحماس يوفر فهمًا أعمق للديناميكيات العالمية المعقدة التي تشكل المشهد الجهادي في أفغانستان وباكستان
وفي أعقاب هجوم حماس وجد المجتمع الدولي نفسه يتصارع مع حدث غير متوقع أرسل موجات صادمة ليس فقط في الدوائر السياسية وإنما أيضًا في الجماعات الإسلامية المسلحة.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات الجهادية عبدالله السيد في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون أن ردود الفعل الرسمية للفصائل المسلحة الرئيسية المتمركزة في باكستان وأفغانستان، بما في ذلك تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية وداعش في مقاطعة خراسان وحركة طالبان الأفغانية وحركة طالبان الباكستانية، تعكس أجنداتها وأولوياتها الخاصة.
وجاء الرد الأكثر تفصيلاً من تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، بما في ذلك بيان صحفي وبيانات مفصلة لثلاثة من القادة الرئيسيين وعدد خاص من مجلته الرئيسية باللغة الأردية. وفي المقابل ظل تنظيم داعش في ولاية خراسان صامتاً بشأن الهجوم حتى أواخر العام، ولم ينشر بياناً إلا في 27 نوفمبر الماضي. ولم تصدر حركة طالبان الأفغانية، وسط انتقالها من التمرد إلى جهة فاعلة تابعة للدولة، سوى بيانات رسمية موجزة.
وقامت حركة طالبان الباكستانية، على غرار تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، بتغطية الصراع على نطاق واسع من خلال ثلاثة بيانات وبودكاست وأعداد خاصة من مجلاتها باللغتين الأردية والباشتو. وعلى الرغم من استغلال الفرصة لتعزيز أجندة محلية حافظت حركة طالبان الباكستانية، مثل حركة طالبان الأفغانية، على رد فعل حذر نسبيا.
وبشكل خاص حاولت حركة طالبان الباكستانية إيصال رسالة مفادها أنها، خلافاً لما حدث في الماضي، لا ينبغي اعتبارها تهديداً للمجتمع الدولي، حيث أن هدفها الوحيد هو باكستان ذاتها.
ويوفر التحليل الشامل لردود أفعال هذه المجموعات الأربع على الحرب بين إسرائيل وحماس فهمًا أعمق للديناميكيات العالمية المعقدة التي تشكل المشهد الجهادي في أفغانستان وباكستان.
إشادة القاعدة في شبه القارة الهندية
بيان تنظيم القاعدة رفض أي شك في قدرة حماس على تخطيط وتنفيذ استعدادات واسعة النطاق تحت رادار المخابرات الإسرائيلية
في بيان صحفي من ثلاث صفحات صدر في نفس يوم “طوفان الأقصى” وصف تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية الهجوم بأنه إنجاز مهم وصنفه إلى جانب الأحداث المحورية في التاريخ الحديث، مثل هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة.
وفي حين أعرب البيان في الغالب عن الفرح، إلا أنه انتقد بشدة الادعاء بأن الهجوم نفسه كان مؤامرة ضد المسلمين الفلسطينيين. كما رفض البيان أي شك في قدرة حماس على تخطيط وتنفيذ استعدادات واسعة النطاق تحت رادار المخابرات الإسرائيلية.
ومع تزايد الضحايا والخسائر في غزة بسبب القصف الجوي الإسرائيلي المتصاعد، أصدر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية رسالة أخرى باللغة الأردية من 19 صفحة في 16 أكتوبر الماضي، نُسبت إلى منظّره الرئيسي معين الدين الشامي.
وحث الشامي المسلمين على استهداف مواطني ومصالح إسرائيل وحلفائها، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في أي مكان في العالم.
ووصف الشامي المواجهة بين إسرائيل وحماس بأنها حرب من أجل حرية المسجد الأقصى، وشدد على أن المشاركة واجب ديني على كل مسلم. كما نسب الفضل إلى حماس في “الفوز” بالمعركة الحاسمة في 7 أكتوبر، مؤكدا أن المسلمين في جميع أنحاء العالم يتحملون مسؤولية اختتامها بنجاح.
وفي أعقاب الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة أصدر زعيم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية أسامة محمود رسالة باللغة الأردية من 11 صفحة في 31 أكتوبر الماضي. وحث المسلمين في جميع أنحاء العالم على اتخاذ إجراءات عملية للرد على الهجوم الإسرائيلي، وأرجع مقتل سكان غزة إلى دعم الدول الغربية لإسرائيل.
وأشار محمود أيضًا إلى أنه يجب أن يكون هناك جهد متعمد للحض على شن هجمات ضد الولايات المتحدة، العدو اللدود لتنظيم القاعدة. ومع ذلك ادعى محمود أن الخسائر الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية عززت دعم الجهاديين بين المسلمين. ومن المرجح أن هذا التأكيد كان يهدف إلى الحفاظ على الروح المعنوية بين المؤيدين، على الرغم من القيود العسكرية التي تتمتع بها حماس في مواجهة القوات الإسرائيلية الهائلة.
طالبان الباكستانية تقدم أجندة محلية
الخسائر الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية عززت دعم الجهاديين بين المسلمين
على غرار تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، أعربت حركة طالبان باكستان من خلال العديد من المنشورات عن دعمها للهجوم الذي شنته حماس ووصفته بأنه انتصار كبير.
وكانت الرسالة تهدف في المقام الأول إلى حشد الدعم للصراع الذي تخوضه حركة طالبان الباكستانية ضد قوات الأمن الباكستانية، وهي مستوحاة من هجوم حماس. وشددت على فكرة أن الصمود في الكفاح المسلح قادر على التغلب على أي عدو، بغض النظر عن القوة العسكرية لكل طرف.
ووسط تصعيد الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة، أصدرت حركة طالبان الباكستانية عدة بيانات تدين تصرفات إسرائيل.
وحمّلت المنشورات الولايات المتحدة مسؤولية سقوط الضحايا المدنيين في الهجمات الإسرائيلية. وفي السياق نفسه ألهمت المجلات المؤيدين لمعارضة الجيش الباكستاني، الذي تم وصفه بأنه دمية أميركية، جزئيًا لدوره في الحرب العالمية على الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر. وشدد مقال في مجلة “الباشتو” كذلك على أهمية المشاركة في الحرب المستمرة بغزة للمسلحين من باكستان وأفغانستان.
أممية حركة طالبان
انتقاد المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان الأفغانية يشير للمجتمع الدولي إلى أن طالبان تواجه ضغوطا كبيرة ناجمة عن المطالبات العالمية بحقوق الإنسان
جاءت أبرز تصريحات حركة طالبان الأفغانية حول النزاع في غزة على لسان المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد والزعيم الديني عبدالحكيم حقاني.
وأدان كل من مجاهد وحقاني الهجمات الإسرائيلية على غزة، وأعربا عن تضامن طالبان مع الشعب الفلسطيني. ودعيا حكام المسلمين والمنظمات الإسلامية إلى اتخاذ خطوات ملموسة لوقف الهجوم الإسرائيلي على غزة.
ومن الجوانب البارزة في بيان حقاني -الذي يشغل أيضًا منصب رئيس المحكمة العليا في حكومة طالبان- مناشدته محكمة العدل الدولية اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل، واصفا أفعالها في غزة بأنها جرائم حرب. وبهذا المعنى كان تصريح حقاني تعبيرا نادرا عن قبول طالبان للنظام الدولي.
ومن جانبه انتقد مجاهد المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لتقاعسها عن الرد على الهجمات الإسرائيلية، ووصف العمليات الإسرائيلية في غزة بأنها “جريمة حرب” و”انتهاك جسيم لحقوق الإنسان”.
وكان أحد العناصر الأساسية في بيان مجاهد هو توجيه انتقاداته إلى انتقادات المجتمع الدولي لحكومة طالبان.
وباستخدام تصرفات إسرائيل في غزة كنقطة مقابلة، شكك في صحة الشكاوى ضد تعامل أفغانستان مع حقوق المرأة وقضايا حقوق الإنسان الأخرى.
ويشير انتقاد مجاهد للمجتمع الدولي إلى أن طالبان تواجه ضغوطا كبيرة ناجمة عن المطالبات العالمية بحقوق الإنسان، وخاصة في مجال حقوق المرأة داخل البلاد.
داعش خرسان ومقترح الخلافة
موقف داعش بولاية خراسان يتمثل في أن الحل الوحيد لتحرير المناطق الإسلامية، بما في ذلك بلاد الشام، هو تفكيك أنظمة الدولة الحالية وإقامة الخلافة
ظل تنظيم داعش في خراسان صامتا حيال الصراع بين إسرائيل وحماس حتى أصدر ردا مفصلا في العدد السابع والعشرين من مجلته البشتونية “صوت خراسان” التي صدرت في 27 نوفمبر.
وفي هذا الرد هدف التنظيم في ولاية خراسان إلى تعزيز ادعائه الأساسي من خلال انتقاد طريقة تعامل طالبان مع العملية الإسرائيلية في غزة. وأكدت المجلة أن حركة طالبان أصبحت منذ توليها السلطة دمية في يد الولايات المتحدة ولم تعد تمثل جماعة إسلامية حقيقية.
وقدمت المقالة الافتتاحية المركزية في المجلة تحليلاً دينيًا شاملاً لتصريحات حقاني ومجاهد من حركة طالبان الأفغانية. وكان الهدف إثبات مزاعم تنظيم داعش في ولاية خراسان بشأن علاقة طالبان بالولايات المتحدة وتصوير طالبان على أنها جماعة مرتدة.
وشدد تنظيم ولاية خراسان بالأساس على مناشدة حقاني محكمة العدل الدولية باعتبارها عاملاً حاسماً يقوض الشرعية الدينية لطالبان.
كما انتقد داعش حماس والدول الإسلامية المجاورة، بما في ذلك إيران وقطر، التي يُنظر إليها على أنها مؤيدة لحماس.
ويتمثل موقف داعش بولاية خراسان في أن الحل الوحيد لتحرير المناطق الإسلامية، بما في ذلك بلاد الشام، هو تفكيك أنظمة الدولة الحالية وإقامة الخلافة.
وتتمثل الرسالة الأساسية التي يبعث بها التنظيم بولاية خراسان في ضرورة الإطاحة بالحكومات القائمة في الدول الإسلامية أولا، قبل مواجهة إسرائيل مباشرة.
وتؤكد ردود الفعل المتنوعة للفصائل الجهادية في أفغانستان وجنوب آسيا تجاه الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة على الديناميكيات المعقدة داخل المشهد المسلح في المنطقة.
واغتنم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية الفرصة لتعزيز أجندته الجهادية العالمية تحت ستار دعم القضية الفلسطينية، والتأكيد على واجب المسلمين في جميع أنحاء العالم للمساهمة في الصراع. وفي المقابل رددت حركة طالبان الباكستانية دعم الجماعات الإسلامية الأخرى لحماس، ولكنها حافظت على موقف حذر، مؤكدة على كفاحها المحلي ضد قوات الأمن الباكستانية.
وأصدرت حركة طالبان الأفغانية، أثناء انتقالها من التمرد إلى جهة فاعلة تابعة للدولة، بيانات موجزة أعربت فيها عن تضامنها مع الفلسطينيين. ومن الجدير بالذكر أن الاستئناف الذي قدمه حقاني إلى محكمة العدل الدولية كان محاولة لاستخدام الآليات الدولية لمعالجة الصراع، ما يعكس النهج الدبلوماسي المتطور لطالبان. والتزم تنظيم ولاية خراسان الصمت في البداية، لكنه أصدر لاحقًا ردًا انتقاديًا يهدف إلى تقويض شرعية طالبان. وكشفت دعوة الجماعة إلى إقامة الخلافة قبل مواجهة إسرائيل عن موقفها الأيديولوجي المتمثل في الدعوة إلى تفكيك أنظمة الدولة القائمة في الدول الإسلامية كشرط أساسي للمقاومة الفعالة على نطاق أوسع. وتعكس هذه الاستجابات مجتمعة إستراتيجيات دقيقة نيابة عن الجماعات المسلحة الأربع التي تم تحليلها، والتي تمت صياغتها فيما يتعلق بقدرة كل تنظيم على التكيف والأهداف الخاصة به.