معالم الديمقراطية الحالمة وجوهرها البرجوازي: رؤية نقدية للعقد الاجتماعي للإدارة الذاتية

الخيارات السياسية لـ"الإدارة الذاتية" وأهدافها ووسائلها تتناغم مع الإستراتيجية الأميركية في المنطقة.
الخميس 2024/02/08
بصمات الإدارة الأميركية حاضرة بقوة

أعلنت “الإدارة الذاتية” في 13 ديسمبر 2023، عن إصدار وثيقة العقد الاجتماعي بعنوان “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، حيث احتوت على تغييرات كثيرة في بنودها وفقراتها مقارنة بالوثائق الصادرة والمنبثقة قبلها.

تأسست “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا” عام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها “وحدات حماية الشعب “، التي أصبحت في 2015 المكون الرئيسي لــ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتي تحكم اليوم نحو ثلث مساحة سوريا.

تضم النسخة الجديدة والمعدلة من العقد الاجتماعي على أربعة أبواب مقسمة إلى 134 مادة، الباب الأول يتحدث عن المبادئ الأساسية، والباب الثاني يتحدث عن الحقوق والحريات الأساسية، والباب الثالث عن النظام المجتمعي، والباب الرابع يتضمن الأحكام العامة. سوف أحاول، من خلال هذا المقال، إلقاء الضوء على بعض المضامين الأساسية للوثيقة بشكل عام ونتطرق إلى أهم بنودها برؤية موضوعية ونقدية.

تحمل الوثيقة الفكر السياسي لحزب العمال الكردستاني وأفكار مؤسسها عبدلله أوجلان، حيث تم إدخال الكثير من مصطلحاته السياسية وتوجهاته الفكرية في متن الوثيقة من مثل (الكونفدرالية الديمقراطية والأمة الديمقراطية والفكرالمجتمعي والحركات الإيكولوجية، الرأسمالية الحداثوية وغيرها). وهي ظاهرة طبيعية لكل الأحزاب والحركات السياسية، حيث تضع بصماتها وتأثيراتها على مجريات الأحداث، ومن ضمنها هذه الوثيقة. والسبب يعود بالتأكيد إلى الحضور العسكري والسياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي ” pyd” كإحدى الأذرع الرئيسية لها في سوريا، حيث أصبح قوة و أمرا واقعا إبان الأحداث الدامية في سوريا وحتى الآن. ولكن هذا ليس موضع اهتمامنا الرئيسي في هذا المقال، بقدر ما نحاول أن نتحرى ونبحث عن الأبعاد السياسية والحيثيات التي تقف خلف إصدار وتعديل الوثيقة بهذا الصيغة وفي هذه المرحلة.

أميركا تتعقب مصالح وإستراتيجية واضحة في الشرق الأوسط، وتمثل سوريا إحدى أبرز النقاط والبؤر الساخنة لإستراتيجيتها بمسارات واتجاهات متعددة، منها محاولة إلحاق المنطقة وسوريا بمشروعها المتمثل بـ"الشرق الأوسط الكبير"

بغض النظر عن الرغبات والخيارات السياسية لـ”الإدارة الذاتية”، فإن منطلق حركتها وأهدافها ووسائلها يتناغم مع الإستراتيجية الاميركية في المنطقة. وذلك لسبب مفهوم وبسيط، ألا وهو تتبع وإنجرارالحركات البرجوازية الصغيرة والمحلية وراء آفاق وسياسات البرجوازيات الكبيرة، وهذه مسألة موضوعية بحتة.

ويجمع الطرفين أهداف مشتركة، أميركا تسعى إلى خطة تفتيت الدولة إلى دويلات قومية وطائفية ومذهبية، و”الإدارة الذاتية” تتعقب نفس الهدف تحت غطاء نيل الحقوق القومية والخلاص من الدكتاتورية. ومن هنا يظهر دور ومكانة أميركا في اللوحة السياسية التي تعتبر أحد الأطراف الرئيسية في الأحداث السورية، بل الأصح أن نقول هي الجهة الداعمة التي اختلقت وأوجدت الأزمة، ومن هنا ربما نحصل على إجابة واضحة ومادية تفك اللغز والمعنى الحقيقي في توقيت إصدار هذه الوثيقة.

إن أميركا تتعقب مصالح وإستراتيجية واضحة في الشرق الأوسط، وتمثل سوريا إحدى أبرز النقاط والبؤر الساخنة لإستراتيجيتها بمسارات واتجاهات متعددة، منها محاولة إلحاق المنطقة وسوريا بمشروعها المتمثل بـ”الشرق الأوسط الكبير”، ودمج سوريا بالاقتصاد والسوق العالمية تحت الهيمنة الأميركية، وتكثيف جهودها لإبعاد سوريا عن المحور الروسي – الإيراني، وتليها مرحلة التطبيع مع إسرائيل وتأمين أمنها.

وفي النهاية، محاصرة النفوذ الصيني بهدف عرقلة وضرب مصالحه المتمثلة بالدرجة الأساس بمشروعها الإستراتيجي طريق الحرير التجاري، حيث إن الحضور المتنامي للصين في الشرق الأوسط وتحول دورها السياسي بشكل تدريجي إلى لاعب رئيسي في قضايا المنطقة، وتحالفات الصين مع روسيا وإيران، كل ذلك يمثل تحدياً كبيرا للنفوذ الأميركي في المنطقة.

إن أميركا تدير صراعها في المناطق التي تتحكم بها في القسم الشمالي والشرقي في سوريا عن طريق تقاسم السلطات بين قسم من المعارضة السورية الموالية لأميركا وبين القوات الكوردية تحت قيادة الاتحاد الديمقراطي. وكما ذكرت بأن الصراع لم ينته ولم يحقق لأميركا أهدافها، وهذا يعني تمديد عمر الصراع إلى أطول فترة ممكنة.

ووفق هذه المعادلة الجديدة، يستوجب على أميركا وضع إعادة خطة لتنظيم المنطقة التي تقع تحت سيطرتها والمتمثلة بإقليم شمال وشرق سوريا، وإعادة صياغتها بشكل يتناسب مع سياساتها الحالية لتمرير مشاريعها على أرض الواقع.

وتعمل أميركا بهذا الصدد على مسارات متعددة، حسب مقتضيات مصلحتها، ابتداءً بإعطاء شرعية رسمية للمنطقة (بالاستقلال الجزئي، الحكم الذاتي، منطقة حظر الطيران، محمية ومقاطعة حرة) أو تشكيل ميليشيات مع العشائر كظاهرة الصحوات في العراق. وكل هذه الاحتمالات تعتمد على تطور مسارات الأحداث التي تتسم بتغيير سريع في خضم الأحداث العالمية المتقلبة.

وأن الظلم والاضطهاد القومي الذي وقع على جماهير كردستان في سوريا تحول من حلم تحقيق حياة أكثر إنسانية إلى سراب يقدمه حزب الاتحاد الديمقراطي على طبق من ذهب للسياسة والمصالح الأميركية. وأن مسألة الاضطهاد القومي لجماهير كردستان تحول بالفعل إلى ورقة سياسية في كل من العراق وسوريا لتعزيز قدرة ومكانة أميركا المهترئة في أهم أربع دول رئيسية في الشرق الأوسط.

الديمقراطية في عصرنا الراهن بغض النظر عن ماهيتها البرجوازية ليست تلك الديمقراطية التي أنتجتها ثورات 1848 التي بدأت شرارتها في فرنسا وامتددت إلى القارة الأوروبية، حيث كانت البرجوازية تحمل الطابع الثوري لضرورتها التاريخية

وأن التيارات القومية الكردية في سوريا التي يمثلها حزب العمال الكردستاني تحت يافطة اليسار أو الماركسية اللينينية، تتعقب أيضا مصالحها وتحاول أن تواكب الأحداث المتسارعة بتثبيت موطئ قدم لها في الحكم، وطلب الشراكة في الغنائم وتأمين حصتها من الأرباح، لأن الحكم والسلطة تعني الاقتصاد، المشاريع، النفط والربح.

جاء في ديباجة الوثيقة بأن منطقة شمال وشرق سوريا تتشكل من مجموعة من الإثنيات والقوميات والمذاهب، وهم (الأكرد، العرب، سريان آشوريون، تركمان، أرمن، شركس، شيشان، مسلمون ومسيحيون وإيزيديون). إن إضفاء مجمل تلك الهويات القومية والطائفية والإثنية يهدف بالأساس إلى طمس المحتوى الطبقي باسم تلك الهويات المفروضة والزائفة. إن غياب إنسانية الإنسان المضطهد بغض النظر عن خلفيته المصطنعة القومية أو الدينية هو تعبير عن جوهر البرجوازي للعقد.

وهذا يتم تكراره بشكل منهجي في معظم بنود العقد بصيغة (الشعوب والمكونات) وتقسم الوظائف باسمها على هيكلة كل البنود، على سبيل المثال وليس الحصر (كل الشعوب والمكونات، بإرادة الشعوب، التآخي فيما بين جميع الشعوب، ضمان حرية الفكر السياسي لكافة الشعوب والمكونات، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الشعوب، مجلس الشعوب في المقاطعة، مجلس الشعوب الديمقراطي يمثل كافة الشعوب القاطنة في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية، حق الشعوب..إلخ).

وبهذا تحول شمال وشرق سوريا إلى أكثر من 11 مجموعة عرقية وإثنية وقومية من الشعوب التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة. وهذه التقسيمات التي تحدث في منطقة شمال وشرق سوريا وفق هذه التركيبة تفضي إلى إنهاك الدولة وتفتيتها وقيام دول عرقية وهذا ما تتعقبه أميركا كما ذكرنا.

من ضمن التعديلات التي أجريت على العقد أيضا، هو تغيير التسمية من “روج آفا” (غرب كردستان) إلى إقليم شمال وشرق سوريا. بمعنى تحولت الفيدرالية القومية إلى الفيدرالية القومية العرقية والجغرافية، لتشمل وتتوسع خارج النطاق القومي، وهذا ما تم خارج خيارات حزب الاتحاد الديمقراطي، والهدف هو التناغم مع سياسات أميركا وإرضاء وتقوية الدور الإقليمي لدول الخليج المتمثلة بالسعودية والإمارات واللعب بورقة العشائر العربية، من خلال ضخ الأموال وتقديم الخدمات من أجل تعبئتهم في مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا وهي تتمة لسياسيات أميركا.

في الأبواب الأربعة وفي معظم بنود العقد تم التركيزعلى مفهوم تطبيق الديمقراطية في كل المناحي السياسية والثقافية والاجتماعية، وذكر 129 مرة في سياق العقد.

إن الديمقراطية التي تعزف على أوتارها جميع الحكومات الدكتاتورية والأحزاب والمنظمات والشخصيات والمعارضة اليمينية واليسارية على حد سواء، فالكل يلصقها على واجهته الإعلامية وبرامجه السياسية وينافسون بها معارضيهم وأنهم أكثر إخلاصا لتطبيق الديمقراطية. ويروجون لها على أنها السبيل الأوحد لخلاص المجتمع من نير الظلم والاضطهاد. وتمرر جميع المشاكل عبر التمسك بالقيم الديمقراطية!!؟ بوصفها الحل السحري لكل المعضلات.

الديمقراطية في عصرنا الراهن بغض النظر عن ماهيتها البرجوازية ليست تلك الديمقراطية التي أنتجتها ثورات 1848 التي بدأت شرارتها في فرنسا وامتددت إلى القارة الأوروبية، حيث كانت البرجوازية تحمل الطابع الثوري لضرورتها التاريخية، كانت تستوجب من البرجوازية الصاعدة أن تقوم بهذا الدور بهدف القضاء النهائي على سلطة الكنيسة وكل ملكيات أوروبا الرجعية والمستبدة، تعقبا لإطلاق حركة الرأس المال وتقاسما للسلطة السياسية. وكانت البرجوازية بأمس الحاجة إلى قوى الجماهير المضطهدة من العمال والحرفيين والفلاحين في إنجاز هذه المهمة التاريخية التي وصفهم إنجلز، هذه القاعدة الجماهيرية، بنواة لطبقة اجتماعية جديدة، وإن هذه القوى هي التي حسمت الصراع في تحطيم العلاقات الملكية الإقطاعية وإنهاء عمر النظام الفيودالي القديم.

إلقاء نظرة سريعة على الأوضاع الاقتصادية الصعبة لهذه المنطقة طيلة السنوات الماضية ولحد الآن، نرى بأن هناك تأزما في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، تنعدم فيه أدنى مقومات الحياة

اما صورة الديمقراطية اليوم، هي ديمقراطية بروز صورة الرأسمالية بأبشع صورها ودمويتها. ديمقراطية تزامنت معظم مراحل عمرها المشؤوم بالمآسي والحروب والنزاعات والكوارث الإنسانية. ديمقراطية التحكم بالسوق، والخصخصة، والاندماج في السوق العالمية. الديمقراطية تعني طريق الهيمنة الأميركية والغرب على العالم. وهو مشروع قائم منذ بداية الحرب الباردة، حولت البرجوازية سياساتها عبر المراحل التاريخية حيث أدركت بأن مصالحها في خطر. وقد بدأت مارغريت تاتشر في بريطانيا، بداية الثمانينيات، بسحق كل حدود الحريات واتخذت الإجراءات الصارمة في مكافحة الحركات والنقابات العمالية وتقييد سلطاتها وحركاتها الاحتجاجية، في إطار سياساتها التي تشكلت في إطارالفلسفة الليبرالية والاقتصادية وقانون السوق الحر، وتطبيق سياساتها المتشددة في تجريد الدولة من وظائفها وتحويلها إلى أيدي حفنة من الرأسماليين والشركات العابرة للقارات.

لقد استخدموا مفهوم الديمقراطية كجزء من التصدي للشيوعية. كانوا يروّجون لأفكارالحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان كمقاييس للنجاح والتقدم الاجتماعي. ولكن واقع الحال أثبت خلاف تلك الترهات التي كانوا يدعونها، انظروا إلى سياسات الغرب وأميركا في دول البلقان بعد الحرب الباردة، انظروا إلى أوضاع العالم العربي والدخول الأميركي إلى الشرق الأوسط تحت ادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ماذا بقيت من مكانة الدول في العراق، مصر، سوريا، ليبيا…… والقائمة تطول. حولت المنطقة إلى جحيم لا يطاق لسكانها. سقطت أكذوبة الديمقراطية بكل تجلياتها في المجازر الجماعية التي ترتكب في غزة الآن وسقطت معها كل أقنعة زيفهم وادعاءاتهم وتشدقهم بالقيم الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان.

وبالتالي، فإن الديمقراطية لا تعني ولا تتعقب بالأساس تحرير الإنسان من الجور واضطهاد الأنظمة المستبدة. وأن كل الأشكال الديمقراطية الكلاسيكية والديمقراطية الحديثة تملك في جوهرها رؤية برجوازية مشتركة في محاولة إيهام الإنسان المضطهد وإبعاده عن مفهوم الحرية، فالمشكلة إذًا ليست التأكيد في الصياغة على المبادئ الديمقراطية، بل في النظر بشكل واقعي على مسارها التاريخي.

وإن جزءا من الشواهد التاريخية التي تحدثنا عنها، تفنّد وبشكل قاطع الادعاءات المتناقضة بـ”الحداثة الديمقراطية في مواجهة الحداثة الرأسمالية”. الديمقراطية ولدت وترعرعت في أحضان الرأسمالية، لا نعلم أين تكمن نقاط المواجهة؟ وماهي سبل النضال الديمقراطي  لمحاربة الرأسمالية؟

أميركا تدير صراعها في المناطق التي تتحكم بها في القسم الشمالي والشرقي في سوريا عن طريق تقاسم السلطات بين قسم من المعارضة السورية الموالية لأميركا وبين القوات الكوردية تحت قيادة الاتحاد الديمقراطي

النقاط الواردة أعلاه في الوثيقة، تؤكد على أهم مرتكزات النظام الرأسمالي وهي مسألة صيانة الملكية الخاصة. وهنا تأكيد على نظام هو أصلا موجود وأن إقرار هذه المسألة كحق مكتسب أو اعتبارها من الحقوق الطبيعية للبشر، حسب المحللين الكلاسيكيين الرأسماليين، ما هي إلا إدامة في عمر النظام الرأسمالي وحمايته. ويذكر في المادة 127 بالاستثمارات الخاصة، وهذا تأكيد على جوهر وتركيبة البنية الرأسمالية. وهي متناقضة مع المادة الثالثة التي تنص على مواجهة الرأسمالية.

وإن صيانة الملكية الخاصة تعتبر بمثابة إشارة اطمئنان لتأمين حصانة المصالح الرأسمالية وتثبيتها بشكل دستوري، وإن كل النصوص البراقة التي يتضمنها العقد في جوهره ما هي إلا تعبير عن ضمان تلك المصالح. ومنها إبراز دور ومكانة المرأة في العقد لا يخرج من إطار أركان النظام الرأسمالي، على الرغم من الوقوف على مجموعة من المسائل الإيجابية. لأن مسألة المساواة الحقيقية ليست مرتبطة بالحضور والاقتدارالبدني للعنصر النسوي، بقدر ما هو محاولة للتعتيم على الصراع الطبقي القائم. إذا كانت المسألة فقط اسم المرأة، فإن مريم رجوي، تاتشر، ميركل، كولدا مائير وهيلاري كلنتون، جميعهن عناصر نسوية ما الذي تغير؟. هذا عدا الحديث عن حقوق الإنسان في المواثيق الدولية التي تعبر عن نفس تلك المفاهيم السطحية والتي انقشع مضمونها الفارغ في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى.

تجسيد البيروقراطية واضح في البنى والهياكل التي تقوم عليها تنظيم السلطات الإدارية والتشريعية. والتقسيم لوظائف ينتج تناقضات تعرقل تنفيذ المهام والأدوار وفرض أفكار استبدادية ونخبوية من الفوق، دون الرجوع إلى تفعيل دور الجماهير الكادحة الغائبة في رسم ملامح سياساتها، مما يخلق انعزال كامل وقوقعة بين الجماهير وبين سلسلة سلطات الإدارات والمجالس.

إن تعديل وثيقة العقد الاجتماعي للحزب الديمقراطي في هذه المرحلة،هي قضيّة الظفر بالسلطة السياسية. وإن توظيف مفاهيم الديمقراطية والحقوق العامة والحريات وإبراز مسألة حقوق المرأة تصب كلها في مصلحة التقرب من السلطة وليست لها مصلحة في تطبيق مثل هذا العقد على أرض الواقع، لا من قريب ولا من بعيد. وإن آلية التطبيق مفقودة في العقد. وتمثل في مسارها العام رؤية البرجوازية للحكم.

إن إلقاء نظرة سريعة على الأوضاع الاقتصادية الصعبة لهذه المنطقة طيلة السنوات الماضية ولحد الآن، نرى بأن هناك تأزما في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، تنعدم فيه أدنى مقومات الحياة، وأن الغلاء الفاحش للمواد الغذائية والمحروقات التي ارتفعت أسعارها بنسبة عالية جدا تصل إلى 200 في المئة ينهش جسد معظم ساكن هذه المنطقة الغنية بالنفط والمنتوجات الزراعية، في حين أن المعابر الحدودية بين الإدارة الذاتية والنظام السوري مفتوحة لتأمين إرسال النفط إلى الحكومة السورية، هذا ناهيك عن التبادلات التجارية والجمارك وبيع صادرات النفط التي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.

7