الوساطة القطرية في حرب غزة سلاح ذو حدين

الدوحة أمام معضلة فك ارتباطها بحماس أو خسارة مصالحها في واشنطن.
الأربعاء 2024/02/07
أيادينا قد تفرملها الضغوط

حرب غزة وضعت قطر أمام معضلة فك ارتباطها بحركة حماس أو خسارة نفوذها في الولايات المتحدة. ويتخوف القطريون من إمكانية أن تطلق عليهم إسرائيل، التي لديها تأثير كبير في الداخل الأميركي، اللوبيات المؤيدة لها في واشنطن، ما يهدد مصالحهم الاقتصادية والمالية.

واشنطن - يرى محللون في الوساطة القطرية من أجل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين من قبل حركة حماس في قطاع غزة سلاحا ذا حدين، فكما أن الوساطة تجلب لها الثناء من بعض القوى الأميركية، فإن نتائجها سواء نجحت أو فشلت ستؤثر سلبا على علاقاتها مع الجالية اليهودية الأميركية، وهي ركيزة لإستراتيجية القوة الناعمة الناجحة للدوحة في واشنطن.

ولا ترى الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة قطر وسيطا محايدا وموثوقا به، بل تراها شريكا في هجوم حماس في 7 أكتوبر عبر تمويل الحركة واحتضان قياداتها.

وتجمع المتظاهرون، هذا الأسبوع، أمام البعثات الدبلوماسية القطرية في واشنطن ونيويورك وأوتاوا للتعبير عن إحباطهم من فشل قطر في تحقيق اتفاق بين إسرائيل وحماس يفتح جولة ثانية من تبادل الأسرى.

وقال رون هالبر، المدير التنفيذي لمجلس علاقات المجتمع اليهودي في واشنطن، للتجمع في واشنطن إن المظاهرات تهدف إلى “شكر القطريين والضغط عليهم في نفس الوقت. ليس هذان الأمران متعارضين: لقد قمت بعمل جيد، وتحتاج إلى مواصلة القيام بما هو أفضل”.

كما احتشد المتظاهرون الإسرائيليون أمام السفارة القطرية في واشنطن، لكن نبرتهم كانت أكثر حدة. وهتفوا “قطر هي حماس”.

وحمّل المواطنون الإسرائيليون الإمارة مسؤولية هجوم حماس في 7 أكتوبرالذي قتل فيه أكثر من 1100 شخص، واحتجز نحو 240 رهينة.

الانتقادات تهدد العلاقات القطرية مع الجالية اليهودية الأميركية، وهي ركيزة لإستراتيجية القوة الناعمة في واشنطن

وقال نمرود بانتز، وهو محام ومنظم احتجاج،”نحن هنا اليوم لانتقاد قطر على حقيقتها، فهي دولة داعمة للإرهاب تسعى إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط. لن نسمح لقطر بغسل يديها من مسؤوليتها عما حدث في 7 أكتوبر”.

وتعهد متحدث آخر بأن المحتجين “سيطاردون الدبلوماسيين القطريين في كل مكان يوجدون فيه حتى يعود الرهائن”.

وتفاوضت قطر على هدنة لمدة أسبوع في نوفمبر، تبادلت خلالها حماس أكثر من 100 رهينة. ولا تزال حماس تحتجز 136 رهينة وجثامين أسرى قتلوا في غزة.

ووضع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إلى جانب رؤساء المخابرات في الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر، خطة تستند إلى مقترحات من حماس وإسرائيل.

وتشمل وقفا مطولا لإطلاق النار ومبادلة جميع الرهائن والجثث بعدد غير محدد من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

لكن العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق تكمن في كون حماس تصر على وقف دائم لإطلاق النار من شأنه أن ينهي الحرب، بينما تصر إسرائيل على أن إنهاء الحرب يبقى نقطة غير قابلة للتفاوض.

كما لم يتفق الطرفان بعد على عدد الفلسطينيين الذين سيُطلق سراحهم مقابل كل رهينة تحتجزها حماس، وهوية الفلسطينيين الذين سيُحررون.

وبما أن الرهائن يشكّلون ورقة مساومة حماس الرئيسية، فربما ستصر الحركة على الاحتفاظ بعدد قليل منهم للتأكد من التزام إسرائيل بالاتفاق، وسيكون هذا أمرا مرفوضا من إسرائيل.

كما أشار مسؤول في حماس إلى أن الحركة قد تسعى لنيل ضمانات من الولايات المتحدة وقطر ومصر بأن وقف إطلاق النار سيرقى إلى نهاية للحرب.

بما أن الرهائن يشكّلون ورقة مساومة حماس الرئيسية، فربما ستصر الحركة على الاحتفاظ بعدد قليل منهم للتأكد من التزام إسرائيل بالاتفاق

وذكر رئيس الوزراء القطري أيضا للإذاعة الوطنية العامة (مؤسسة إعلامية غير ربحية أميركية) “يكمن هدفنا في إنهاء هذا في أقرب وقت ممكن… في إعادة الرهائن، ووضع حد للحرب أيضا”.

و يقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي إن ذلك سيتطلب سد الفجوة بصيغة خاصة تسمح للطرفين بالقول إنهما حققا أهدافهما التي لا يمكن التوفيق بينها.

و يضيف دورسي أن إحدى الصيغ قد تشمل اتفاقا مطولا لإطلاق النار، يمكن وصفه بأنه انتقالي وليس دائما وهذا ما سيسمح لإسرائيل بالحفاظ على وضع الحرب المستمرة، بينما يمكن لحماس أن تدعي عكس ذلك.

ولم يسهّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمور بتبنيه موقفا متشددا خلال الفترة الأخيرة. ورفض إنهاء الحرب، ورفض أيضا إطلاق سراح “آلاف الإرهابيين” وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة في أي وقت قريب.

وقد يتبنى نتنياهو لهجة مختلفة، في نهاية الأسبوع الحالي، في محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي سيجري زيارته السادسة إلى إسرائيل منذ بدء الحرب. لكن أي اتفاق لتبادل الرهائن قد يشمل نقاطا يمكن أن تدفع شركاءه في الائتلاف اليميني المتطرف إلى الانسحاب من الحكومة.

وقد يأمل نتنياهو أن تنقذه حماس من خلال رفض كل ما تعتبره أقل من إنهاء الحرب وإطلاق سراح آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل الرهائن.

وتنظر وزارة الخارجية الأميركية ووزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في إمكانيات الاعتراف بفلسطين، في محاولة واضحة للضغط على نتنياهو لتخفيف رفضه لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة ونهج لمفاوضات الرهائن.

الحكومة الإسرائيلية واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لا ترى قطر وسيطا محايدا وموثوقا به، بل تراها شريكا في هجوم حماس

واعترفت الولايات المتحدة وبريطانيا بالفعل بالسلطة الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس محمود عباس في الضفة الغربية، باعتبارها الكيان الذي يحكم الضفة الغربية والمحاور الفلسطيني الرسمي بموجب اتفاقات أوسلو لسنة 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وبعثت العقوبات الأميركية، هذا الأسبوع، لأربعة مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية رسالة مماثلة.

وكانت المظاهرات في الولايات المتحدة وكندا،على الرغم من قلتها، تردد صدى انتقادات نتنياهو الأخيرة لقطر.

وقال نتنياهو لعائلات الرهائن، في وقت سابق من هذا الشهر، “أنتم لا تسمعونني أشكر قطر… فهي في الأساس لا تختلف عن الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر، وهي أكثر إشكالية إلى حد ما. لا تنتابني أية أوهام بشأنهم… لهم نفوذ على حماس. لماذا هذا النفوذ؟ لأنهم يمولونهم”.

وأضاف، في مؤتمر صحفي لاحق، “تستضيف قطر رؤساء حماس. كما أنها تمول الحركة. لديها نفوذ على حماس… وقدّمت نفسها وسيطة. انطلقي في إثبات ذلك وأعيدي لنا رهائننا”.

وهذا الأسبوع، سعى معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط (ميمري)، الذي أسسه يغئال كارمون، وهو المستشار السابق لسلطة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة ورئيسي الوزراء إسحاق شامير وإسحاق رابين، إلى تعزيز حجة نتنياهو وذكر أن قطر تدرب بانتظام قوات الشرطة التابعة لحماس.

واتهمت وزارة الخارجية القطرية نتنياهو في المقابل بـ”تقويض عملية الوساطة لأسباب يبدو أنها تخدم حياته السياسية بدلا من إعطاء الأولوية لإنقاذ حياة الأبرياء، بمن فيهم الرهائن الإسرائيليون”.

وطلب الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس الأميركي من إدارة بايدن الضغط على قطر، مرددين انتقادات نتنياهو وإحباط القادة اليهود في الولايات المتحدة. كما دعا المشرعون إلى طرد حماس من الإمارة.

واتفقت الولايات المتحدة مع قطر خلال شهر أكتوبر، على إعادة النظر في علاقة الدولة الخليجية مع حماس بمجرد إطلاق سراح جميع الرهائن.

Thumbnail

وترك المسؤولون من كلا البلدين الباب مفتوحا حول ما إذا كانت المراجعة ستؤدي إلى طرد ممثلي حماس أو إلى فرض قيود على قدرتهم على العمل من الإمارة الخليجية.

ومن المرجح أن تعتمد المراجعة على ما إذا كانت حماس ستنجو من حرب غزة. وقد يعني بقاء حماس أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستحتاجان إلى إبقاء قناة خلفية.

لكن الانتقادات تهدد بإحداث تأثير في العلاقات القطرية مع الجالية اليهودية الأميركية، وهي ركيزة لإستراتيجية ناجحة للقوة الناعمة في الولايات المتحدة.

وحافظت حماس على وجودها في قطر منذ 2012، بناء على طلب من الولايات المتحدة وبموافقة إسرائيل.

وردت كل من قطر والإدارة الأميركية على الانتقادات.

وقال آل ثاني في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث في واشنطن،”لقد سمعت كثيرا عن النفوذ والضغط. يجب أن يُفهم دور قطر بوضوح في هذا السياق. دورنا هو الوسيط الذي يحاول جمع الأطراف لسد الفجوات وتقريب المواقف”.

وأضاف “وبعيدا عن ذلك، لا نرى قطر قوة عظمى يمكنها فرض الضغط على هذا الطرف أو غيره. نحن نعتمد مساعينا الحميدة في الأساس للتواصل لسد الفجوات ووضع الحلول للتوصل إلى بعض البدائل”.

وأكّد المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون الرهائن، روجر كارستنز، لمنتدى عائلات الرهائن واللجنة اليهودية الأميركية إن قطر “تفعل كل ما نطلبه”.

لكن إميلي معتي، وهي عضوة الفريق الدبلوماسي للمنتدى والعضو السابقة في البرلمان الإسرائيلي، أشارت إلى أن العائلات كانت “تمسك أنفها” أثناء التعامل مع قطر.

وقالت إن المنتدى “يعتقد أن الطريقة الوحيدة لإطلاق سراح الرهائن هي من خلال المفاوضات. وبقدر ما قد يكون الأمر مؤسفا لكوننا نفضل مصر، إلا أن قطر تعدّ شريكا”.

ومن المفارقات أن المستشار الممول من قطر، جاي فوتليك، ساعد العائلات في عقد اجتماعات مع آل ثاني ومسؤولين قطريين آخرين، وساهم في تدريبهم على كيفية التعامل مع تلك اللقاءات. وتدفع قطر لشركة فوتليك الاستشارية مبلغ 40 ألف دولار شهريا.

6