عبدالقادر عزوز تجربة قدمت للتشكيل السوري أساليب جديدة

الفنان استوحى موضوعاته من مدينته حمص بأزقتها وحاراتها القديمة، مبرزا لمسات من الحنين إلى الماضي بأصالته ونقائه.
الأربعاء 2024/02/07
فنان رسم تجليات مكانية خاصة

دمشق – ودعت الحركة التشكيلية في سوريا الفنان التشكيلي عبدالقادر عزوز أحد رواد الفن التشكيلي الذين قدموا تجارب متفردة معاصرة أضافت إلى الساحة التشكيلية أساليب جديدة من حيث الموضوعات والابتكار.

واستوحى الفنان عزوز وهو من مواليد حمص عام 1947 موضوعاته من وحي بيئة مدينته بأزقتها وحاراتها وعماراتها القديمة، مبرزا في لوحاته التي شارك فيها بالعشرات من المعارض الفردية والجماعية داخل وخارج وطنه لمسات من الحنين إلى الماضي بأصالته ونقائه.

ارتباطه بالمكان والزمان في آن معا
ارتباطه بالمكان والزمان في آن معا

وآثر عزوز الذي اقتنت أعماله وزارة الثقافة والمتحف الوطني بدمشق استخدام الألوان الترابية في لوحاته رغم ضجيجها بألوان أخرى، ليعبر من خلال تناغمها عن ارتباطه بالمكان والزمان في آن معا.

وانتهج الفنان الراحل الأسلوب الواقعي فالتعبيري وصولا إلى التجريد الذي نلتمسه في أعماله التي برز فيها عنصر التضاد كالرجل والأنثى والخير والشر والحب والنفور وغيرها من التعابير الإنسانية التي وظفها في لوحاته، مقدما تجربة تشكيلية جديدة.

وأعرب زملاء الفنان التشكيلي عن حزنهم لفقد قامة فنية تشكيلية مهمة، حيث اعتبر رئيس فرع حمص لاتحاد الفنانين التشكيليين إميل فرحة أن الفنان عزوز على مدى ستين عاما من العطاء الجميل كان بمثابة مدرسة في الفن التشكيلي، حيث ستظل أعماله شاهدة على عظمة ما قدمه من صدق ووفاء لفنه المتفرد الذي ستدرسه الأجيال القادمة.

ووصف الفنان التشكيلي منيف كنوزي صديقه الراحل بأنه كان كريم الخلق والطباع وفنانا كبيرا ومتميزا بفنه الجميل، أخلص لمدينته، وكان شغله وجع البؤساء والكادحين، كما اهتم بالطبيعة كثيرا.

وأعربت نائب رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سوريا لينا ديب عن حزنها لرحيل الفنان عزوز ووصفته بأنه فنان مبدع واستثنائي، بفضل ما راكمه من إبداعات وتجارب تشكيلية، جسدت التزاماته الإبداعية تجاه مشروعه الفني الذي شرع في تشييده منذ سنوات كثيرة من الإنتاج، والذي قام بالأساس على استنطاق الذاكرة المكتنزة بالموروث الشعبي الجميل.

الفنان الراحل، من مواليد محافظة حمص في عام 1947. درس الراحل عزوز في مركز صبحي شعيب للفنون التشكيلية بحمص، وتخرج من قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بدمشق، ثم عمل مدرسا لمادة التربية الفنية في معاهد الفنون بحمص. وفي عام 1971 فاز بالجائزة الأولى لمعرض الفنانين الشباب.

ومنذ تخرّجه، انخرط الفنان في عملية سبر مستمرة لازدواجية الحياة من خلال تصوير الأضداد، واستقصاء العلاقة بين السلبي والإيجابي، وبين الرجال والنساء، وبين السخونة والبرودة، وغيرها من الأضداد.

وتستحضر أعماله جمال وحميمية المنازل السورية والطبيعة والعلاقات الإنسانية، مستخدما ألوانا ترابية وتعبيرية أحيانا. تُقدّم أعماله التشخيصية مجموعات من الأفراد الواقفين سوية أو شخصين متعانقين أو مَشاهِد سردية. كما يرسم مشاهد حضرية هندسية مزدحمة، وبنسبة أقل مَشاهد ريفية تنضح بالسكينة يوظّف فيها دائما أسلوبه المميز.

لوحات من صميم الواقع
لوحات من صميم الواقع

ويؤمن الفنان الراحل بأن “الطبيعة هي أهم معلم، في الطبيعة مكمن لا ينضب من المواضيع المختلفة، التي يستطيع الفنان المجيد من خلالها استلهام الكثير من إبداعاته، نشأت في حي يحمل الكثير من رمزية المكان وعراقته وشعبيته، لذلك أحاول مجددا إعادة صوغ ذلك في تجليات مكانية خاصة، مبرزا جماليات محددة وفق دلالات مختلفة”.

شارك الراحل في معارض في أرجاء سوريا، وكذلك في السويد والجزائر ولبنان والأردن والإمارات. وأعماله مقتناة من قبل المتحف الوطني في دمشق، ووزارة الثقافة السورية، والقصر الجمهوري في سوريا، ووزارة الثقافة الأردنية، ودار الندوة في بيروت في لبنان. وكذلك ضمن مجموعات خاصة في العالم العربي وأوروبا.

يقول الكاتب والروائي السوري فيصل خرتش إن “الحي القديم يشكل المهد الأول لطفولة الفنان عبدالقادر عزوز وتنهض العلاقات بين الأسر التي تبعث في النفس مشاعر المحبة في نسيج حياة اجتماعية تشد الفرد إلى الجماعة كما لعبت البيئة الطبيعية دورها في إيقاظ مشاعر الجمال عند الفنان”.

ويضيف أن “المعارض التي أقامها الفنان تؤكد موقفه الثابت من المضمون الاجتماعي وقدرته المتطورة على عكس موقفه عبر أدوات تعبيرية غنية، وينبغي أن لا نغفل التجارب لدى الفنانين الكبار التي أثرت فيه، يضاف إلى ذلك السفر والاطلاع على الفنون التشكيلية التي راقبها في الجزائر عندما كان يعمل في التدريس عام 1977”.

ويتابع “أتيحت له زيارة عدد من الدول الأوروبية والتعرف على متاحفها، لقد استطاع خلالها أن يطلع على الفن الحديث والقديم أيضا مما شكل عنده زادا غنيا في تجربته التصويرية، ونستطيع أن نميز ثلاثة مواضيع دأب عليها في إنتاجه، وهي: الاهتمام بالموضوع الإنساني والطبيعة الصامتة والطبيعة الخلوية، لكن بقي الموضوع الإنساني هو الذي يشغله، فهو شغوف بتشكيل الملامح البشرية بالصفات التشكيلية التي يعكسها من خلال التحوير والتبسيط، والبحث عن صيغ مبتكرة تنقل العمل الفني إلى عالم الروح”.

14