إستراتيجية مغربية طموحة لتعزيز قدرات التمويل الأخضر

الرباط - تتجه السلطات المغربية لاعتماد إستراتيجية جديدة تهدف لتعزيز قدرات مكافحة تغير المناخ بالبلاد، في سياق الجهود التي تبذلها لتشجيع الوصول إلى آليات التمويل الأخضر، واعتبارا منها للحاجيات الأولية لتقوية قدرات القطاع المالي المحلي.
وكشف البنك المركزي مؤخرا، أنه يعمل مع وزارة الاقتصاد والمالية والجهات التنظيمية المالية الأخرى لإعداد "إستراتيجية تمويلية لمكافحة التغير المناخي".
وقال محافظ المركزي عبداللطيف الجواهري في مداخلة خلال ندوة حول "الأثر الاقتصادي الكلي للتغير المناخي"، نظمها البنك مع نظيره الإسباني الجمعة الماضي، إن الخطوة “من شأنها تقييم فجوة التمويلات وتحديد التدابير والآليات الكفيلة بتمكين القطاع المالي".
ومن المتوقع، أن تكثف المؤسسات المالية الأجنبية مساهمتها في التمويل الأخضر والتمويل المرتبط بالمناخ، وبالتالي فإن خطة الرباط سيرافقها اعتماد تصنيف مالي أخضر ضروري لتوجيه التدفقات المالية والوقاية من “الغسل أو التمويه الأخضر".
ويعتبر الجواهري أن مكافحة تغير المناخ والتخفيف من آثاره يتطلبان تعبئة تمويلات هائلة في سياق يتسم على الصعيد العالمي بارتفاع نسب المديونية العامة والخاصة وتقلص الهوامش في الميزانية السنوية.
وسيكون المركزي المغربي مساهما كبيرا في التمويلات، حيث يعتزم رفع استثماراته في السندات الخضراء والاجتماعية والمستدامة، التي تمثل حاليا 7 في المئة من الاحتياطي النقدي، وذلك لبلوغ حصة قدرها 10 في المئة في نهاية المطاف.
ونقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية عن الجواهري قوله إنه "في ما يخص تدبير احتياطاته من العملة، يدرج البنك مبدأ الاستدامة في توجيهاته الاستثمارية، وهذا من خلال تشجيع الاستثمارات المستدامة والمسؤولة”.
وحاليا، يعمل المركزي على إعداد توجيهات تنظيمية جديدة تقدم للبنوك حول المعطيات الواجب جمعها والمؤشرات والمقاييس التي يتعين وضعها لقياس المخاطر المناخية المتأتية من المقترضين الكبار ولتقييم الجزء الأخضر والمستدام من محافظهم.
ومنذ 2016، وبمناسبة مؤتمر المناخ بمراكش، استثمر المركزي 100 مليون دولار في السندات الخضراء الصادرة عن البنك الدولي، وأنه في الآونة الأخيرة من 2023، قام البنك باستثمار مماثل بقيمة 200 مليون دولار.
ويرى رئيس الفيدرالية الوطنية للكهرباء والإلكترونيات والطاقات المتجددة علي الحارثي، أن التحول الأخضر القائم على الطاقات المتجددة يمثل فرصا هائلة للصناعيين.
وقال إن هذا المسار “يعزز التفضيل الوطني، الذي لا يساعد فقط في تعزيز القدرة التنافسية للشركات المحلية، ولكن أيضا في خلق بيئة مواتية للابتكار والتنمية المستدامة”.
ويقدر البنك الدولي احتياجات الاستثمار الصديق للبيئة في المغرب بين عامي 2022 و2050 بنحو 78 مليار دولار.
وأكد المدير الإقليمي لشمال أفريقيا والقرن الأفريقي لمؤسسة التمويل الدولية، الشيخ عمر سيلا، أن المغرب يعد بلدا إستراتيجيا بالنسبة للمؤسسة، “تربطنا به علاقات ممتازة”.
وأوضح أن الركيزة الأولى تتعلق بالنمو الأخضر والشامل، من خلال دعم إزالة الكربون من الصناعة المغربية و”تخضير” النظام المالي”، ووضع أنفسنا على حدود جديدة مثل الهيدروجين الأخضر”.
وأطلقت الحكومة المغربية مجموعة من البرامج والإستراتيجيات القطاعية واسعة النطاق، من بينها “المخطط الوطني للمناخ 2020 – 2030” و”الإستراتيجية الوطنية لخفض الكربون بحلول 2050”، و”المخطط الوطني للماء 2020 – 2050” وغيرها.
وفي قطاع الطاقة، يتطلع المسؤولون إلى بلوغ أهداف طموحة أيضا، لاسيما رفع حصة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة لتصل بحلول نهاية العقد الحالي إلى 52 في المئة.
وقامت السلطات في عام 2021 بمراجعة مساهمته المحددة وطنيا، حيث رسم هدفا أكثر طموحا يتجلى في تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45.5 في المئة بحلول 2030.
◙ 78 مليار دولار حجم الأموال التي يحتاجها البلد حتى عام 2050، بحسب البنك الدولي
ويؤكد الجواهري أنه في مجال السياسة المالية، فيتمثل أحد أهداف القانون المتعلق بالإصلاح الضريبي الصادر قبل ثلاث سنوات في النهوض بحماية البيئة، لاسيما من خلال إحداث ضريبة الكربون.
وقال إنه في البنك المركزي “انخرطنا منذ عدة سنوات في هذه الجهود الوطنية والعالمية لمكافحة تغير المناخ وآثاره”. وهكذا، أصدر سنة 2021 تعليمة بشأن تدبير المخاطر المالية المرتبطة بتغير المناخ والبيئة.
وعزز المركزي خلال السنوات الأخيرة التزامه البيئي، وجعله محورا رئيسيا في سياسة المسؤولية المجتمعية للمؤسسة. فقد قام في سنة 2019 بإنشاء وحدة خاصة، وذلك حتى يأخذ بالاعتبار بشكل أفضل تغير المناخ في مهامه ولتقليص البصمة البيئية لأنشطته.
وبعد عامين، أنجز البنك حصيلة لانبعاثات المؤسسة من غازات الدفيئة ووضع خطة لتقليلها تشمل بشكل أساسي برامج النجاعة الطاقية واستخدام الطاقات المتجددة والتنقل المستدام.
وفي سنة 2022، شارك بكثافة في الجهود المحلية لترشيد الموارد من المياه من خلال اعتماد ميثاق الالتزامات من أجل تدبير مسؤول ومستدام لهذا المورد.
ويشارك البنك المركزي بنشاط في أشغال مجموعة من الهيئات الدولية، مثل شبكة تخضير النظام المالي (أن.جي.أف.أس)، التي يعتبر عضوا في لجنة تسييرها. كما يعزز تعاونه في هذا المجال مع البنوك المركزية والمؤسسات الدولية. ويبقى الهدف دائما هو تعميق الفهم للتصرف بشكل أفضل.