باحثون يؤكدون ضرورة تغيير الطريقة المعتمدة في تصنيف السرطانات

التصنيف المعتمد راهنا يمنع إتاحة علاجات مبتكرة للملايين من المرضى.
الجمعة 2024/02/02
حان الوقت لإعادة كتابة المراجع العلمية للسرطان

دعا باحثون من فرنسا إلى تصنيف السرطانات النقيلية استناداً إلى الخصائص الجزيئية أو البيولوجية للأورام، وليس استنادا إلى العضو الذي أصيب بالمرض. مشيرين إلى أن التصنيف المعتمد راهنا يمنع إتاحة علاجات مبتكرة للملايين من المرضى. كما توصلت دراسة أميركية إلى إمكانية إعادة تصنيف الأورام إلى 28 مجموعة تشترك في جزئيات متشابهة، مؤكدة أنه حان الوقت لإعادة كتابة المراجع العلمية للسرطان.

باريس - بات تصنيف السرطانات النقيلية استنادا إلى العضو الذي طاله المرض للمرة الأولى أسلوبا قديما، وقد يحدّ أحيانا من إتاحة العلاج المناسب لبعض المرضى، على ما أكّد باحثون من معهد “غوستاف – روسي” في مجلة “نيتشر”. وقال الباحثون في مقالة نشرتها المجلة، هؤلاء الأطباء الباحثون من مركز مكافحة السرطان الواقع في جنوب باريس ومن جامعة باري – ساكليه، إنّ “هذه العادة المتمثلة في تصنيف السرطانات وعلاجها استنادا إلى العضو الذي أُصيب بالمرض أوّلاً تؤدّي إلى إبطاء التقدّم في الأبحاث”.

وأشاروا إلى أن علم الأورام يعتمد على تقسيم المرضى بحسب العضو الذي أصيب بالسرطان. ويُقال تالياً إنّ شخصاً ما مصاب بسرطان الكبد أو الرئة أو البنكرياس، حتى لو كان المرض قد انتشر إلى أعضاء أخرى. وقد سلّطت دراسات بحثية كثيرة الضوء على الخصائص المشتركة بين أنواع عدة من سرطانات الأعضاء، بحسب الباحثين الذين دعوا إلى تصنيف السرطانات النقيلية استناداً إلى الخصائص الجزيئية أو البيولوجية للأورام. فالتصنيف المعتمد راهنا يمنع إتاحة علاجات مبتكرة لملايين المرضى.

وتطرّقوا إلى مثال أولاباريب، وهو جزيء مضاد للسرطان أُجيز بيعه للمرة الأولى سنة 2014، لعلاج سرطانات المبيض فقط. ثم مُدّد الترخيص في العام 2018، ليشمل سرطانات الثدي، وفي العام 2020 سرطان البنكرياس والبروستات. وقُسّمت التجارب السريرية لمضادات “بي دي 1/بي دي ال 1، وهو علاج مناعي نشط لدى المرضى الذين لديهم خلايا سرطانية ذات مستويات عالية من بروتين “بي دي-ال1” ، استناداً إلى العضو الأساسي الذي طاله السرطان، ما أدى إلى تأخير طرح العلاج في الأسواق ليستفيد منه ملايين المرضى، بحسب الباحثين.

◙ تصنيف السرطانات وعلاجها استنادا إلى العضو الذي أُصيب بالمرض أوّلا يؤدّي إلى إبطاء التقدّم في الأبحاث

وتوصلت دراسة طبية إلى أنه قد أصبح من الضروري مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين الأورام السرطانية وإعادة تصنيفها، بدلا من الاهتمام بتحديد أول مكان ظهر فيه الورم بالجسم. وتوصلت دراسة، بقيادة علماء من الولايات المتحدة، حللت أكثر من 33 نوعا من الأورام السرطانية في أكثر من 10 آلاف مريض، إلى إمكانية إعادة تصنيف الأورام إلى 28 مجموعة تشترك في جزئيات متشابهة.

ويقول الباحثون، الذين نشروا دراستهم في مجلة “سِل” الطبية، إن إعادة تصنيف الأورام سيقود في النهاية إلى تحديد وسائل علاج أفضل وأكثر دقة. وقال أحد الباحثين "حان الوقت لإعادة كتابة المراجع العلمية للسرطان". وعادة ما تصنف الأورام السرطانية وتعالج وفقا للمكان الذي ظهرت فيه بالجسم لأول مرة، مثل سرطان الثدي أو الرئة. لكن في الدراسة الجديدة، التي نُشرت بعنوان "أطلس الأورام السرطانية"، حلل العلماء 23 نوعا من السرطان الأكثر شيوعا، وكذلك 10 أنواع نادرة، لرصد أوجه التشابة والاختلاف على المستويين الوراثي والخلوي.

وتوصلت الدراسة، إلى أن قرابة ثلثي مجموعات السرطان التي تشترك في أوجه تشابه جزيئية رئيسية وجدت في أكثر من منطقة من الجسم. وأظهرت أن نوعا ما وجد في 25 مكانا بالجسم، ما يعني أنه من البديهي علاجه بصورة مختلفة اعتمادا على المنطقة الذي ظهر فيها.

كما توصلت إلى أن أنواعا شائعة من السرطان، مثل سرطان الرئة والثدي، يمكن تصنيفها إلى أكثر من نوع واحد من السرطان. قال كريستوفر بينز، من "معهد باك لبحوث الشيخوخة" في ولاية كاليفورنيا، إن الدراسة مهمة للغاية لأنها تعني أن المرضى لا يتلقون دوما العلاج الأكثر فعالية. وأضاف أنه في بعض الحالات يتعين استخدام أدوية أحد أنواع السرطانات، مثل المثانة، لعلاج نوع آخر، مثل سرطان الرئة. وتابع بينز "سيتلقى المرضى أنجح وسيلة من العلاج، إذا أمكن أولا تصنيف أورامهم وفقا لتركيبها الجزيئي والجينومي".

◙ بات ضروريا مقارنة أوجه التشابه والاختلاف بين الأورام السرطانية وإعادة تصنيفها بدلا من الاهتمام بتحديد أول مكان ظهر فيه الورم بالجسم

وقال بينز إن العلاج المناعي، الذي يستعان فيه بالنظام المناعي بالجسم للمساعدة في مكافحة السرطان، واحد من وسائل العلاج التي يمكن تعميمها على نطاق أوسع. كما يمكن إعادة توظيف أدوية بعض الحالات المرضية الأخرى، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، لمكافحة السرطان. وقال بينز إن سرطان الرئة والقولون هو من بين تلك الأنواع التي يمكن أن تستفيد من وسائل العلاج الأكثر دقة. لكنه أوضح أن الأمر يمكن أن يستغرق عقدًا من الزمن لتكون وسائل العلاج هذه متاحة، بسبب صعوبة الموافقة على طرح أدوية جديدة.

وقالت جوستين ألفورد، من مركز أبحاث السرطان بالمملكة المتحدة "من خلال الكشف عن المجموعات الجزيئية التي يتوقع أن ينتمي إليها السرطان، تتيح هذه الدراسة فرصا لاحتمالات جديدة للمرضى الذين يعالجون في العادة على أساس مكان ظهور السرطان بالجسم". وأضافت أن "الاختبار الحقيقي الآن هو وضع هذه المعلومات قيد التطبيق لمعرفة ما إذا كانت هذه الوسيلة من علاج المرضى ستساعد في إنقاذ مزيد من الأرواح أم لا".

خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لطب الأورام الذي عقد في سبتمبر 2021، كشف الأطباء المشاركون عن معطيات وبيانات حديثة تظهر التوصل إلى إمكان إطالة حياة المرضى المصابين بأشكال متقدمة من سرطانين شائعين، وهما البروستاتا الذي يصيب الرجال، والثدي الذي يصيب الجنسين ولاسيما النساء. وتكون فرص البقاء على قيد الحياة مرتفعة في النوعين إذا كان تشخيصهما مبكرا، لكنها تقل بشكل كبير عندما تتطور النقائل السرطانية في الجسم.

وقبل عام 2015، كان يمكن لأقل من نصف الرجال المصابين بسرطان البروستاتا مع نقائل متعددة أن يعيشوا أكثر من ثلاث سنوات، وفق ما قال الاختصاصي في طب الأورام كريم فيزازي في بيان للجمعية الأوروبية. وأضاف، أنه ولكن من الآن فصاعدا بات في إمكانهم أن يعيشوا أكثر من خمس سنوات.

وحتى عام 2015، كان سرطان البروستاتا المتقدم يُعالَج بطريقة واحدة فقط تتمثل في منع إنتاج الهرمونات مثل هرمون التستوستيرون لدى المريض. ثم تبيّن أن العلاج الكيميائي بدواء "دوسيتاكسيل" يعطي نتائج فاعلة، فبدأ استخدامه في منتصف العقد الثاني من القرن الجاري. وبعد مدة وجيزة، أضيف دواء آخر إلى العلاجات هو "أبيراتيرون" الذي حقق نتائج جيدة من خلال تركيزه كالعلاجات الأولى على الهرمونات ولكن بطريقة مختلفة.

وكانت القاعدة إلى الآن تتمثل في اختيار اثنين من المسارات الثلاثة: إما إضافة العلاج الكيميائي إلى العلاجات التقليدية، أو إضافة "أبيراتيرون". وأوضحت الدراسة التي عرضها فيزازي أن في الإمكان أيضا التوفيق بين أنواع العلاج الثلاثة، إذ تبيّن أن معدلات البقاء على قيد الحياة لدى المرضى الذين طُبق عليهم هذا النهج الثلاثي كانت بعد خمس سنوات أعلى بكثير من أولئك الذين لم يتلقوا “أبيراتيرون”.

وتوصل معدو الدراسة إلى استنتاج واضح يتمثل في ضرورة تغيير الطريقة التي يُعالج بها أخطر أنواع سرطان البروستاتا، من خلال اعتماد مزيج من العلاجات الثلاثة. كما توقعت اختصاصية الأورام غير المشاركة في الدراسة ماريا دي سانتيس في مقال نشرته الجمعية الأوروبية أن "تؤدي هذه النتائج إلى تغيير معايير العلاج".

15