التصعيد الإسرائيلي في الضفة يزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية

إسرائيل تعمل في الضفة عبر العمل العسكري والأمني للقضاء على أيّ إمكانية تصعيد أو تشكيل خلايا عسكرية، وخاصة في المخيمات الفلسطينية.
السبت 2024/01/27
المزيد من العزلة

القدس - يزيد التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية من إضعاف السلطة الفلسطينية التي تراهن عليها الولايات المتحدة والمجتمع المدني للعب دور في قطاع غزة ما بعد حماس.

ومنذ أن بدأ حربه المدمرة على قطاع غزة، في 7 أكتوبر، كثّف الجيش الإسرائيلي ووسع عمليات الاقتحام والاعتقال والقتل والتدمير في الضفة الغربية.

وأسفرت هذه الاعتداءات المتواصلة، وفق بيانات رسمية فلسطينية، عن مقتل 373 فلسطينيا واعتقال 6285، وهي أرقام قياسية خلال أقل من 4 أشهر، فاقت تلك المسجلة على أساس سنوي في الأعوام السابقة.

ويعمل الجيش الإسرائيلي، خلال اقتحاماته المتكررة للمدن والبلدات وخاصة مخيمات شمالي الضفة الغربية، على تدمير البنية التحتية وهدم المئات من المنازل، بحسب السلطات الفلسطينية.

ويقول خبراء فلسطينيون إن التصعيد في الضفة يهدف إلى وأد أيّ إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، ومحاولة إجبار الفلسطينيين على القبول بالاحتلال، وتفكيك أيّ مقاومة مسلحة، ومنع ما يسمى بـ”وحدة الساحات”.

سليمان بشارات: تدمير البنية التحتية يفاقم من أعباء السلطة الفلسطينية
سليمان بشارات: تدمير البنية التحتية يفاقم من أعباء السلطة الفلسطينية

وأوضح الخبراء أن التصعيد يرافقه تصاعد في الأنشطة الاستيطانية؛ لخلق واقع جديد وكتل استيطانية شبه متصلة من شأنها وأد حلم إقامة الدولة الفلسطينية.

ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي إن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واضح من أيّ عملية سلام وحل الدولتين.

ويضيف البرغوثي أن “نتنياهو هو صاحب مقولة: يجب القضاء على التطلعات الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية”.

وشدد على أن “إسرائيل تعمل في الضفة، عبر العمل العسكري والأمني، للقضاء على أيّ إمكانية تصعيد أو تشكيل خلايا عسكرية، وخاصة في المخيمات الفلسطينية”.

ويتابع البرغوثي “تظن (إسرائيل) أن تفكيك وقتل الجماعات المسلحة هو الحل، هذا مؤشر على أنها لم تتعلم من تجارب السنوات الطويلة مع الفلسطينيين؛ فأيّ تصعيد يخلق جيلا فلسطينيا جديدا يذهب نحو خيار المقاومة”.

وأردف “بحسب اعتقادها، تسعى إسرائيل، عبر التنكيل والاعتقال والقتل، إلى خلق حالة هدوء، لكن ما يجري على الأرض عكس ما تتمناه وتسعى إليه تماما”.

وأكد أن “الضفة الغربية تشهد حالة تنام في الجماعات المسلحة من مدينة إلى أخرى، وخاصة في شمالي الضفة”.

وعن التدمير الكبير الذي يخلفه الجيش الإسرائيلي خلال عمليات الاقتحام، قال البرغوثي إن “الجيش يعتقد أنه يضرب الحاضنة المجتمعة للمقاومة”.

الضفة الغربية تشهد حالة تنام في الجماعات المسلحة من مدينة إلى أخرى، وخاصة في شمالي الضفة

واستدرك “لكن ذلك فشل منذ البداية في مخيم جنين (شمال)، الذي تعرض خلال العامين الماضيين إلى تدمير وتنكيل وهدم وتضييق، ورغم ذلك الحاضنة الشعبية قوية للمقاومة هناك، والأمر ذاته في كافة محافظات الضفة”.

ويعتبر مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات أن “السلوك الإسرائيلي بالضفة في الفترة الحالية يقع ضمن مقاربتين”.

وأوضح أن “الأولى أمنية، حيث يعتبر الاحتلال أن الضفة تشكل خطرا أمنيا، ويخشى أن تكون هناك عملية تطور وبنية تحتية للمقاومة والحالة النضالية تشكل له خطرا أساسيا، وخاصة المشروع الاستيطاني”.

واستطرد “ترى إسرائيل أن الضفة تعد العمق الاستيطاني المستقبلي لمفهوم الدولة اليهودية، ولهذا ترفض التخلي عن الأغوار (شمال) التي تعد من أكبر مساحات الضفة”.

وشدد بشارات على أن إسرائيل “سعت بشكل أو بآخر إلى إبقاء حضورها في الضفة عبر تعزيز الاستيطان وتحويل المستوطنات إلى تجمعات استيطانية شبه متصلة عبر شوارع التفافية وبؤر استيطانية”.

تزايد العمليات العسكرية والضرر في البنية التحتية والمدنية يهدف إلى تدفيع المواطن الفلسطيني الثمن

وأما المقاربة الثانية، بحسب بشارات، فهي “سياسية، بحيث يتم تحويل السلطة الفلسطينية إلى أداء دور خدماتي وليس سياسيا عبر إضعافها بشكل كبير”.

وقال بشارات إن تدمير البنية التحتية “يشكل عبئا كبيرا على السلطة الفلسطينية التي تعاني من تهميش وأزمة مالية؛ مما يثقل كاهلها”. وأفاد بأن “إسرائيل تسعى إلى إعادة هندسة المجتمع الفلسطيني، بحيث يقبل بالاحتلال كوجود اعتيادي طبيعي، عبر خلق حالة ردع للمجتمع وضرب الحاضنة الاجتماعية للمقاومة”.

ومتفقا مع البرغوثي وبشارات، أرجع رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل في جنوبي الضفة الغربية بلال الشوبكي التصعيد المكثف في الضفة إلى مخاوف إسرائيلية من أن تستجيب جيوب المقاومة، التي تصاعدت خلال العامين الأخيرين في مدن ومخيمات عديدة، لما يجري في غزة ببدء عمليات عسكرية في الضفة.

وأضاف الشوبكي أن “إسرائيل تهدف إلى تفكيك ما يسمى ‘وحدة الساحات’، بحيث لا تكون هناك عمليات عسكرية متشابكة في الضفة الغربية وقطاع غزة ومواقع أخرى، لذلك نشطت بصورة مكثفة لتفكيك تلك المجموعات المسلحة”.

ورأى أن “تزايد العمليات العسكرية والضرر في البنية التحتية والمدنية يهدف إلى تدفيع المواطن الفلسطيني الثمن، بحيث تصبح المقاومة عبئا على المواطن لخلق حالة من التنفير من العمل المقاوم”.

وأردف الشوبكي أن تلك العمليات تهدف كذلك إلى “إبقاء الضفة الغربية ساحة مناورة لرئيس الحكومة الإسرائيلية مع اليمين الإسرائيلي (في الائتلاف الحاكم)، ليقدم عبرها عطايا لليمين لإرضاء طموحاتهم في تطوير الاستيطان وتمويله”.

6