برامج شبابية على فضائيات مصرية بحثا عن التغيير

نجاح الإعلام يكمن في الخروج من قوالب تختفي مع ثورة مواقع التواصل.
السبت 2024/01/27
تجربة جديدة

تعاني الفضائيات المصرية من عزوف الشباب عنها، وهو ما بدأ يدركه القائمون عليها أخيرا، والتوجه نحو ابتكار برامج تتميز بصبغة شبابية، تطرح قضايا مختلفة تحمل خصوصية تجعلها تلبي احتياجات الشباب الفكرية.

القاهرة - عبّرت الخارطة البرامجية الجديدة لعدد من القنوات الفضائية المصرية عن زيادة ملحوظة في المحتوى الموجه إلى الشباب بعد عزوف من قطاعات شبابية عن الإعلام التقليدي، ما يعني أن هذا التغير يهدف إلى مد جسور الثقة مع جيل غير مقتنع بما يتم تقديمه من برامج تميل لمتابعة صناع المحتوى على منصات رقمية، ويحققون معدلات مشاهدة مرتفعة ويوجهون خطابهم نحو الشباب.

ويتجه القائمون على إدارة الفضائيات المصرية نحو التغيير مع بدء العام الجديد، وما يحدث الآن يؤكد تقليل المحتويات المرتبطة ببرامج المنوعات والتسلية لصالح برامج تتميز بصبغة شبابية، تطرح قضايا مختلفة قد تكون موجهة للجمهور العام لكنها تحمل خصوصية تجعلها تلبي احتياجات الشباب الفكرية.

وبدأت فضائية “سي.بي.سي” أخيرا عرض ثلاثة برامج، هي “ميوزيك هب” وتقدمه الإعلامية الشابة مها بهنسي، متخصص في تغطية الموسيقى البديلة المعروفة بـ”أندرجراوند” وتجذب قطاعا من الشباب، ويقدم البرنامج ألوانا غنائية غير تقليدية.

وأطلقت المحطة البرنامج الاقتصادي “المغامر” وتقدمه الإعلامية داليا أبوعمر، ويحمل تجربة جديدة حول بيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة في مصر والمنطقة.

خالد برماوي: سد الفجوة بين الفضائيات والشباب لن يتحقق بحفنة برامج
خالد برماوي: سد الفجوة بين الفضائيات والشباب لن يتحقق بحفنة برامج

وعملت القناة على خلق محتوى يحمل قدرا من التسلية، يشبه المنوعات التي توسعت في استضافة نجوم الفن والرياضة عبر برنامج يغوص في تفاصيل حياة النماذج الناجحة، بعنوان “إكسر سايز” تقدمه مدربة “اللايف كوتشنيج” نور خطاب ويعرض العديد من الأفكار والنصائح بغرض تغيير حياة الإنسان إلى الأفضل.

ويرى خبراء الإعلام أن الصبغة الشبابية السائدة من خلال الاستعانة بتقديم محتوى يعبر عن الابتكار في تناول قضايا تحظى باهتمام الشباب هي نتيجة لحالة الانفصال بين الشباب وفضائيات طغت عليها الصفة المحلية وتوسعت في عرض مسلسلات وأفلام وبرامج منوعات ورياضة، بجانب الـ”توك شو” السياسي، ما أوجد حاجة لدى جهات تتولى الإشراف على القنوات إلى ضرورة التغيير لإحداث الوعي لدى الشباب.

وقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة صفوت العالم إن الفضائيات المصرية تعاني من عزوف الشباب عنها، وهو ما بدأ يدركه القائمون عليها أخيرا وانعكس على التجديد في الأفكار التي تقدم، وعليها تقديم المزيد من المحتوى المتبكر، لأن الجمهور لم يعد يهتم بالأشكال التقليدية للبرامج التي تعتمد على وجوه الفنانين ومقدميها في جذب الجمهور، بغض النظر عن المضمون.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن متابعة الإعلام التقليدي في الوقت الحالي تتطلب جهدا وتطويرا كي يتمكن من جذب الجمهور، واستخدام طرق مختلفة لتقديم محتوى غير مكرر والخروج من قوالب آخذة في الاختفاء مع ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا قدمت الفضائيات برامج شبابية برعت في تقديمها سابقا حول قضايا الشباب لن تحقق الجذب المطلوب طالما أنها تدور في إطار نمطي، والأهم أن يكون الوعاء العام لها قادرا على مخاطبة شغف الشباب حاليا والاهتمام بمستقبلهم.

وأشار إلى أن سد الفجوة الهائلة بين الإعلام والشباب أمر صعب، لكن يمكن تحقيق نتائج إيجابية بالتدرج في نوعية البرامج والقدرة على خلق رأي عام يقتنع بها، مع أهمية التنوع في المحتوى وابتكار قضايا جديدة تزيد طموح الشباب وتشجعهم، والاستفادة من نتائج معدلات المشاهدة التي تحققها برامج صناع المحتوى على المنصات الرقمية، والتي تشير إلى أن الشباب أكثر ميلا نحو البرامج التي تولي اهتماما بمشكلاتهم العملية وتتماشى مع طموحاتهم وتطلعاتهم.

اتجهت قناة “أون إي” نحو تقديم عدد من البرامج تبثها عبر منصتها الرقمية، وبات المحتوى المقدم من خلال وجوه شابة تقدما مضمونا يستهدف مخاطبة عقول الشباب والتأثير في توجهات المراهقين، وأعادت التذكير ببرامج مصرية حققت نجاحا واسعا باعتمادها على المعلومات العامة، وهو ما ظهر في برنامج “سر الاسم” وتقدمه إسراء شومان، وبرنامج “خمس حاجات” يقدمه أحمد فرج ويشرح في كل حلقة معلومة.

خبراء الإعلام يتفقون على أن تجديد الشاشة لا يتوقف فقط على نوعية البرامج المقدمة، بل يرتبط أيضًا بتطوير السياسة التحريرية لتلك القنوات

وتقدم المحطة برنامجا آخر يحمل اسم “ريد فلاج” تقدمه المذيعة منة سمير، يتناول العلاقات الإنسانية بين الشباب، وعرضت على منصتها الرقمية على “يوتيوب” برنامج “هو في إيه” تقديم فادي عجايبي، يسلط الضوء على السلوكيات المرفوضة في المجتمع، وبرنامج “هيحصل إيه لو” من تقديم أحمد لطفي وهو برنامج متخصص في الاقتصاد من خلال رؤية شبابية تنطلق بالتعريف المبسط للأوضاع الاقتصادية.

ويتفق خبراء الإعلام على أن تجديد الشاشة لا يتوقف فقط على نوعية البرامج المقدمة، بل يرتبط أيضًا بتطوير السياسة التحريرية لتلك القنوات وإتاحة المزيد من مساحات الحركة أمام القضايا المقدمة بما يتماشى مع الانفتاح على المنصات الرقمية، مع إحداث الربط بين المنصات الرقمية للقنوات والمحتوى المعروض على شاشتها.

أكد خبير الإعلام الرقمي خالد برماوي أن التفكير في تقديم برامج ذات صبغة تلفزيونية على المنصات الرقمية مسألة جيدة، لكن الخطوة جاءت متأخرة للغاية، وكان من المفترض أن يتم تنفيذها منذ سنوات، وفي حال تطورت هذه البرامج ونجحت في تحقيق معدلات جذب مرتفعة، مثل قنوات صناع المحتوى إلى جانب ما تقدمه وسائل الإعلام العربية والأجنبية للجمهور عبر مواقع التواصل، فإن الفضائيات المصرية سوف تكون لديها فرصة نحو استعادة جمهورها الذي فقدت جزءا كبيرا منه مؤخرا.

وشدد في تصريح خاص لـ”العرب” على أن سد الفجوة بين الفضائيات والشباب لن يتحقق من خلال حفنة قليلة من البرامج التي قد لا تصل إلى الهدف المطلوب في ظل غياب اهتمام الشباب بالإعلام التقليدي، وسيكون على القنوات تغيير خططها لتتمكن من جذب جزء مهم من بين 80 مليون مصري يستخدمون الإنترنت لمدة تتراوح يوميا بين ثلاث وأربع ساعات، وبالتالي فالفضائيات عليها تقديم محتوى جيد وجذاب على المنصات الرقمية يصل إلى 250 ساعة على مدار الشهر الواحد.

5