التعاون الإقليمي وحده قادر على حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

القدس – لا يزال القتال العنيف في غزة في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر مستمرا. وما زال أكثر من 130 رهينة إسرائيليا محتجزين لدى حماس، كما أن الخسائر الفادحة التي يتحملها سكان غزة آخذة في التزايد. ومن ناحية أخرى، تتصاعد التوترات في أماكن أخرى من المنطقة، من اليمن إلى لبنان إلى العراق، وتزيد من احتمالات امتداد الصراع.
وجاء في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأميركية أن في ظل هذا المناخ، قد يبدو الأمر سابقا لأوانه، لكن التخطيط لفترة ما بعد الصراع يجب أن يبدأ الآن، فيما يظهر العنف المستمر مدى إلحاح التوصل إلى حل مستدام للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
وتقليديا، ركزت جهود الحل على المفاوضات المباشرة بين الأطراف المتنازعة. ومع ذلك، فإن الواقع الإستراتيجي المتطور في الشرق الأوسط يتطلب حلا إقليميا يرتكز على التعاون والمصالح الإقليمية، وتحويله من إستراتيجية مليئة بالأمل في الماضي إلى ضرورة إستراتيجية اليوم.
مستقبل الشرق الأوسط لا يعتمد على سلامة الحدود فحسب، بل يعتمد أيضا على صياغة رؤية إقليمية مشتركة
وأحدثت الأشهر الثلاثة الماضية من الصراع جراحا سيستغرق شفاؤها سنوات، والتحديات المقبلة كبيرة. ومع ذلك، يجب ألا نستسلم لأهوال الحرب ويأسها، إذ إن النهج الاستباقي المشترك يشكل ضرورة أساسية لصياغة مستقبل أفضل ليس للفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل للشرق الأوسط برمته.
وتثبت عقود من المفاوضات غير الناجحة والأحداث الأخيرة أن الإسرائيليين والفلسطينيين وحدهم لا يستطيعون حل هذا الصراع والحل يجب أن يكون إقليميا، يجمع بين التدابير الاقتصادية والسياسية.
ولمعالجة الأزمة الإنسانية المباشرة، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن خطط لإنشاء ثلاث محطات لتحلية المياه في غزة، تنتج 600 ألف غالون من مياه الشرب يوميا لنحو 300 ألف شخص.
وتذكّر المستشفيات الميدانية والمساعدات المقدمة من مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وغيرها بأن نكبات الحرب تخفي تحديات مستمرة، مثل الأمن المائي والغذائي، تحتاج إلى حل، إذ إن مصادر الطاقة المستدامة في غزة تعتبر حيوية لكي تصبح حلولا طويلة المدى.
وتشكل خطط التنمية الاقتصادية المشتركة لإسرائيل والضفة الغربية والأردن، بمشاركة لاعبين إقليميين آخرين، أهمية بالغة. ولا ينبغي النظر إلى التنمية في غزة بمعزل عن غيرها، بل كجزء من خطة اقتصادية دولية أوسع.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن السياسات التي تجتذب الشركات المحلية والدولية من خلال معالجة العوائق التنظيمية، وتبسيط العمليات، وتقديم الحوافز هي المفتاح لخلق بيئة استثمارية مؤاتية من شأنها تمكين مستقبل أفضل لغزة.
ومن الممكن أن تعمل مشاريع البنية التحتية الكبرى العابرة للمناطق، مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بقيادة الولايات المتحدة، على تحفيز النمو الاقتصادي والترابط الإقليمي.
وينبغي لخارطة الطريق لتطوير البنية التحتية أن توازن بين الأهداف قصيرة الأجل وطويلة الأجل. وعلى الصعيد السياسي، هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، إذ إن وقف التصعيد والتكامل الإقليمي أمران حاسمان.
وتظل اتفاقيات أبراهم، على الرغم من التوترات الأخيرة، ذات أهمية كبيرة للتنمية والاستقرار الإقليميين. ومع ذلك، فإن التقدم بين إسرائيل والدول العربية يجب ألا يترك الفلسطينيين وراءهم.
وبدلا من ذلك، ينبغي أن يكون الهدف دمج إسرائيل والفلسطينيين في المنطقة. ولا تعتمد فعالية التعاون الإقليمي فقط على التزام القوى الإقليمية بلعب دور ما، بل تعتمد أيضا على استعداد الإسرائيليين والفلسطينيين للتفاوض وتقديم التنازلات. ومن شأن الإطار الإقليمي أن يسهل تحقيق ذلك.
وفي قلب هذا الإطار توجد رؤية إقليمية جديدة من شأنها أن تساعد في إعادة إعمار وتطوير المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن بعد الحرب وهي بمثابة جسر طبيعي بين العالم العربي وأوروبا، وتتمتع هذه المنطقة بإمكانيات هائلة للتنمية والنمو. وستهدف الرؤية الجديدة إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة على المدى القصير، وتحويل المنطقة إلى منطقة سلمية وتعاونية على المدى المتوسط، وإلى منطقة مزدهرة وإستراتيجية اقتصاديا على المدى الطويل.
وقد تم اتخاذ خطوات أولى مهمة مؤخرا في ورشة عمل عقدت في بون بألمانيا، بقيادة معهد اتفاقات أبراهام الألماني ومركز دراسات الأمن الإستراتيجي والتكامل المتقدمة بجامعة بون.
وكان هذا التجمع بمثابة بوتقة تنصهر فيها الأفكار، حيث جمع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والسعوديين والإماراتيين والبحرينيين والمصريين، وجميعهم شخصيات مؤثرة وأعضاء في منظمة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2050، وهي منظمة تسعى جاهدة لخلق رؤية إقليمية جديدة.
ويهدف جدول أعمال ورشة العمل إلى تصميم إطار مفاهيمي إقليمي جديد لفترة ما بعد حرب غزة في الشرق الأوسط، وهو مستقبل سلمي حيث يكون التنشيط الاقتصادي والتآزر الدبلوماسي والتقدم الابتكاري بمثابة ركائز أساسية.
ولا يعتمد مستقبل الشرق الأوسط على سلامة الحدود فحسب، بل يعتمد أيضا على قدرتنا على اتخاذ قفزة الإيمان وصياغة رؤية إقليمية مشتركة. ومن أجل السلام والأمن الدائمين، يجب على جميع الأطراف إعطاء الأولوية للتعاون على الصراع، والاعتراف بالوجود الجماعي والمستقبل المتشابك.
ويرى محللون أن من خلال العمل مع شبكاتنا الإقليمية المؤثرة، يمكن المساعدة في تشكيل رؤية جديدة لقيادة المنطقة تستبدل عدم الاستقرار بالتعاون والحرب بالسلام.