مسلسل "وبينا ميعاد" يناقش مشاكل الشباب والمراهقين بحبكة جذابة

تبدي الدراما المصرية هذه الفترة جرأة في مناقشة قضايا حساسة لدى الجمهور، ومنها التي تخص الشباب. ويتطرق مسلسل "وبينا ميعاد" إلى العديد من الاختلافات بين الأجيال ويحاول التفكير في إدمان المراهقين ما جعله محل إشادة واستبشار بأن المؤلفين بدأوا يظهرون جدية أكبر تواكب الانفتاح الكبير للأسواق الدرامية المنافسة.
القاهرة - تواجَه الأعمال الدرامية المصرية، التي تغوص في تفاصيل الحياة الخاصة بالمراهقين، بالعديد من المحاذير التي تجعلها لا تتطرق إلى هذه التفاصيل كثيرا كخط درامي رئيسي، وهو أمر تجاوزه مسلسل “وبينا ميعاد (بيننا موعد)” في جزئه الثاني بعد أن تعمق في المشكلات التي يعاني منها شباب ومراهقون، واستطاع أن يجذب الجمهور بحبكة فنية جاذبة منذ عرض حلقاته على منصة “واتش إت” المصرية وفضائية "دي إم سي".
تدور أحداث المسلسل، الذي حقق نجاحا أيضا عند عرض جزئه الأول منذ عام، حول قصة حياة عائلة حسن الذي يجسد دوره الفنان صبري فواز، وتوفيت زوجته وتركت له أربعة أولاد، وعائلة نادية التي تجسد دورها الفنانة شيرين رضا التي انفصلت عن زوجها وتعيل أربع بنات وتقرر الزواج من حسن، إلا أنهما يواجهان الكثير من المشاكل بسبب تعامل الأبناء مع بعضهم البعض.
وسلط العمل الضوء في الجزء الثاني على مشكلات تواجه الأطفال في مرحلة ما قبل المراهقة، ورغبتهم في التعرف أكثر على الجنس، ومشاكل الشباب التي يتعرضون لها عند اختيار طريقهم في الحياة، ولغة النقاش بين الآباء والأبناء، بجانب الأزمة الاقتصادية التي تواجهها قطاعات اجتماعية عدة وتأثيراتها على حياتهم اليومية.
ويشارك في بطولة المسلسل أيضا: مدحت صالح، وفاء صادق، بسمة، إيهاب فهمي، هيدي كرم، نور محمود، محمد مهران، أسامة الهادي، يوسف الكدواني، يوسف إبراهيم، أميرة أديب، آية سليم، تسنيم مطر. وهو من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وتأليف وإخراج هاني كمال.
وقال الناقد الفني مصطفى الكيلاني إن “الدراما المصرية بحاجة إلى تناول مثل هذه القضايا التي يدور الحديث حولها في الندوات والمؤتمرات والغرف المغلقة دون طرحها على عموم المشاهدين، ودائما تحضر الخطب التي تطالب أولياء الأمور بعدم ترك أبنائهم عرضة لمشاهدة الأفلام الإباحية ولا يتم تجسيد ذلك في صورة قوالب درامية تعكس ما يحدث في الواقع، وتقديم هذا النوع من المسلسلات يسهم في علاج بعض التشوهات في منظومة الزواج لدى بعض الأسر المصرية".
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “المسلسل فتح ملف الأفلام الإباحية وحياة المراهقين بصفة عامة بشكل يمكن وصفه بأنه كان راقيا، وأعاد تقديم مشاهد تحدث بالفعل داخل الأسرة والمدرسة بطريقة تجعل هناك إقبالا من أفراد الأسرة على متابعته، ما يشي بوجود تطور مهم في مناقشة القضايا الاجتماعية عبر الدراما”.
ويركز العمل على رغبات الأطفال وفضولهم حيال معرفة أسرار الجنس؛ إذ قرر مصطفى، وهو أصغر أبناء حسن ويلعب دوره الطفل محمد عزازي، سؤال شقيقه الأكبر عن: كيف جاء إلى العالم؟ ولم يخبره وتهرب من الإجابة، فقرر معرفة الأمر بنفسه من خلال الدخول على موقع إباحي أثناء تواجده في المدرسة، وعندما رأته مديرتها قررت فصله من المدرسة لمدة أسبوع.
وتطرق المسلسل إلى كيفية تعامل الأب مع الخطأ الذي ارتكبه ابنه، وحينما بحث عن السبب الذي دفعه إلى مشاهدة الأفلام الإباحية انفعل حسن وجلس مع كل أبنائه الذكور ليسألهم من الذي أقنع مصطفى بمشاهدة مثل هذه الأفلام التى لا تتناسب مع عمره؟ آنذاك أخبره أبناؤه الثلاثة بأنهم ليسوا المسؤولين عن الأمر، وأكدوا أن فضول الطفل أو المراهق تجاه الجنس أمر طبيعي ووارد حدوثه، لكن في مرحلة عمرية متقدمة عن تلك التي يعيشها مصطفى، وطلبوا من والدهم الحديث معه بلا انفعال أو تشنج.
وأشار الكيلاني لـ"العرب" إلى أن “الترفيه والتسلية حضرا في المسلسل، ما يعبر عن تحرك إيجابي لدى الجهات المسؤولة عن صناعة الدراما في مصر وينبئ بتحول الاعتراضات الدائمة على المحتويات الفنية التي تستهدف تشويه عقول الشباب والانتقال إلى مرحلة تقديم أعمال تتماشى مع طبيعة المجتمع. وبالرغم من أن الدراما المصرية تأخرت بشكل كبير فإن البداية تؤكد وجود تطور يجب أن يتواصل من خلال تقديم أعمال درامية تتطرق إلى قضايا اجتماعية شائكة”.
وتركز الكثير من الأعمال الدرامية الاجتماعية في مصر على تفاصيل التجارب العاطفية والمشكلات التي يتعرض لها الشباب والأزمات الناشبة مع أسرهم نتيجة اختلاف طرق التفكير، وتغوص أحيانا في مشكلات العلاقات الزوجية وقليلا ما تتطرق إلى موضوعات تحمل بعدا يرتبط بالجنس والتغيرات التي تصاحب الشباب والفتيات أثناء فترة المراهقة، وتترك هذه المهمة لبعض الأفلام السينمائية القليلة وبعض البرامج الشبابية التي انتشرت في وقت سابق ثم تراجعت حاليًا.
وأكد الناقد الفني محمد عبدالرحمن أن ما يُحسب لصناع مسلسل “وبينا ميعاد” أنهم استطاعوا إعادة فتح بعض الملفات الحساسة بشكل يناسب كل الأسر، وكان العمل جرس إنذار لما يتعرض له المراهقون من مشكلات دون أن يتحول تصنيف العمل إلى شعار “للكبار فقط”، وهو ما يفسر الإقبال الجماهيري الواسع على مشاهدته، كما أن تكرار الغوص في مثل هذه القضايا عبر مسلسلات عديدة أمر مطلوب جدا.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “المؤلفين المصريين بحاجة إلى التعامل مع مثل هذه القضايا باحتراف كبير دون أن يكون هناك إقحام لأفكار أو توجيهات لا تقنع الجمهور وقد تأتي بنتائج عكسية، ومثلما تنظم الجهات المسؤولة عن مكافحة الإدمان دورات تدريبية وتعريفية للمؤلفين بطبيعة الآثار التي يتركها الإدمان ثمة دور مماثل يجب أن تلعبه الهيئات والجهات المجتمعية ذات العلاقة بالنشء والأسرة، بما يدعم أن يكون المؤلف على خلفية معرفية تؤهله لمناقشة التفاصيل بشكل دقيق".
ويتفق العديد من النقاد على أن هذا النوع من الأعمال يستطيع أن يحقق فوائد على المستوى الفني والتجاري والمجتمعي، لأن غياب التوعية للكثير من الأسر يوجد حاجة إلى الوصول إليها من خلال مسلسلات تحظى بمعدلات متابعة مرتفعة من ربات البيوت وكل أفراد الأسرة. كما أن الزوايا الاجتماعية التي تركز عليها بعض الأعمال المصرية تخلو أحيانا من الجرأة المطلوبة التي يمكن أن تشكل ناقوسا يدوي في أذهان الجمهور المتفرج، وكلما تخلصت الدراما من القيود في التأليف والرؤية العامة أصبحت أكثر إقناعاً بعيداً عن التعامل معها كأداة للتسلية والترفيه فقط.
ويجد صناع الدراما في مصر أنفسهم أمام وضعية عربية وعالمية تدفعهم نحو الانفتاح على القضايا المجتمعية الشائكة عبر المنصات الرقمية التي تعج بأعمال تناقش مشكلات المراهقين، ودائما ما كانت تقف عند حاجز الرقابة، وقد تكون الحملات الإعلامية التي تناقش أزمات الرقابة الآن وتأثيرها على صناعة الدراما مقدمة للمزيد من طرح الموضوعات المبتكرة ليس فقط من خلال السينما التي لديها مساحة أكبر لنقاشها، وإنما أيضا عبر المنصات الرقمية وما يتم عرضه تلفزيونيا بما يحقق الأثر الفني والتجاري والمجتمعي معا.
ومسلسل “وبينا ميعاد” عمل درامي بدأ عرضه في الثالث من يناير الجاري، وهو من الدراما الطويلة، ويتكون من ثلاثين حلقة، ويعد امتدادا لأعمال ركزت على العلاقات الأسرية دون أن يكون ذلك بالجرأة التي وصل إليها هذا العمل، فقد تطرق مثل “أبوالعروسة” بأجزائه الثلاثة إلى قضايا اجتماعية أقل جرأة، لكن مسلسل “سابع جار” اتسم بقدر كبير من الجرأة غابت عن مسلسلات مصرية عديدة.
ويظل المقياس في أي عمل ليس مستوى الجرأة ونوعيتها، فالمهم أن تتوافر القضية المركزية وتتم معالجتها من كل زواياها العملية، كي يتسنى للمشاهدين تحقيق الاستفادة منها، لأن ما تقدمه الدراما المصرية من أعمال هو محل مقارنة بأخرى، عربية وعالمية، وفي ظل ثورة الإنترنت يجب أن يكون الفن على قدر المسؤولية ويصمد أمام المستجدات التي تواجهه عبر أعمال متقنة وتتواءم مع خصوصية المجتمع.