القاهرة تتخلص تدريجيا من عبء إدارة المرافق العامة

عبّر اتجاه مصر للاستعانة بشركات القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المطارات المدنية عن رغبتها للمضي في طريق تخليها عن عبء إدارة المرافق العامة التي توجه لها انتقادات لضعف خدماتها، رغم أن الخطوة لا تحظى بتأييد واسع خشية التفريط في أملاك الدولة.
القاهرة- استجابت الحكومة المصرية لمطالب القطاع الخاص بإطلاق يده بلا مزاحمة من شركاتها في إدارة وتشغيل المطارات، وهي خطوة تعكس التجاوب مع توصيات صندوق النقد الدولي الذي يدعم انسحاب الدولة من المشاريع الكبرى.
وأكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي خلال استعراض إستراتيجية تطوير المطارات الأسبوع الماضي، على ضرورة الاستعانة بشركات القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المطارات، بما يسهم في تحسين الخدمات المقدمة للركاب وزيادة الإيرادات.
وكانت مصادر قد أكدت في نوفمبر الماضي أن السلطات تجهز لطرح تشغيل وإدارة 3 مطارات، هي بورسعيد والوادي الجديد والخارجة التي تديرها الشركة المصرية القابضة للمطارات والملاحة الجوية على مستثمرين محليين وأجانب.
ويُحدث الكلام عن خصخصة المرافق العامة جدلا بين مؤيدين يرون ضرورة المضي قدما في هذا الاتجاه لتحسين الخدمات، ومعارضين لازالوا متأثرين بالأفكار الاشتراكية التي سادت في ستينات القرن الماضي.
ويتعامل المنتقدون مع هذا المسار كخطر داهم على الدولة وأن التخلي عن إدارة المرافق والخدمات العامة كارثة وطنية ترخي بظلال سلبية على الطبقة الضعيفة من المصريين وتؤدي إلى سيطرة رأس المال.
ويتماشى اتجاه الحكومة مع مطالب تتصاعد في وقت تشهد فيه المرافق والخدمات العامة أزمات بسبب الإهمال وضعف التطوير، وهو أمر احتل نقاشا واسعا حينما تعرّض مرفق السكة الحديد لحوادث في مسار القطارات التي كشفت عن وجود فجوات تستلزم تدخلا رشيدا.
وبرز ذلك بوضوح مع عدم القدرة على إيقاف نزيف الدماء على القضبان بسبب سوء الإدارة والصيانة، وهو ما ترتب عليه اتجاه وزارة النقل إلى توسيع دائرة استعانتها بشركات متخصصة في إدارة وسائل النقل المختلفة.
ويتزامن اتجاه تطوير الخدمات العامة مع مساع لترميم جدار الثقة مع المستثمرين في الداخل وجذب آخرين من الخارج، وإرسال إشارات مفادها أن الحكومة مستمرة في إتاحة دخول القطاع الخاص في مجالات مختلفة، بما فيها قطاعات حيوية ترى أنها ستحقق عوائد إيجابية.
وتستهدف الحكومة التأكيد على أنها مستمرة في تحسين مناخ الاستثمار ومواجهة المشكلات التي أصبحت محل شكوى من المستثمرين، وهي مسألة تريد منها أن تحقق عوائد جيدة على المدى القريب بشأن معالجة الأزمة الاقتصادية الصعبة.
وقال المحلل محمود العلايلي إن “العديد من الدول حسمت أمر إدارة المرافق العامة وتسليمها للقطاع الخاص، ولا يجب أن يكون الاتجاه نحو إسناد تشغيل المطارات خطوة أخيرة، بما يضمن الذهاب نحو خصخصة مرفق الطيران كله الذي هو في حاجة إلى إعادة نظر شاملة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الحكومة مطالبة بعقد مقارنات بين حالة المطارات مع غيرها من المطارات الدولية القريبة، فأرقام الشركة المصرية القابضة للمطارات والملاحة البحرية تؤكد ضرورة اتخاذ قرارات مغايرة تدعم تحسين أوضاعها”. وأوضح أن الإقدام على إعطاء المطارات لشركات خاصة في وجود مصر للطيران يفضي إلى المزيد من التضارب، ولا غنى عن خصخصة الشركة الحكومية.
وأكد العلايلي أنه لم يعد ذلك رفاهية للدولة إذا كانت تستهدف تحسين المطارات والاعتماد عليها في جذب السياح، وأن الخضوع للربح والخسارة يضمن نجاح خطط الخصخصة.
وشدد على أهمية أن تكون لدى الحكومة فلسفة عامة تتخذ من خلالها مثل هذه القرارات، ضمن رؤية شاملة وعبر جدول زمني لطرح إدارة المرافق العامة لشركات القطاع الخاص، وليس لإيجاد حلول لمشكلات آنية، وتترتب عليها مواجهة مشكلات أكبر، ربما تكون أكثر فداحة.
ويخشى متابعون من عقبات تعترض عملية الخصخصة، فوجود إدارة حكومية تعمل على إدارة المرافق العامة منذ عقود لن يعرقل وجود شركات خاصة تعمل تحت إدارتها عبر قطاعات صغيرة، وقد يؤدي إلى مشكلات بين الجهات المالكة للمرفق والشركات الخاصة التي تديره.
كما أن نجاح الحكومة في إقناع الرأي العام بتوجهاتها عملية صعبة، في وقت تتولد لدى شريحة كبيرة من المصريين أنها تعمل على بيع الممتلكات العامة لسد الفجوة الدولارية المرتبطة بسداد الديون.
وفي ضوء ذلك قد يجعل الخطوات الحالية وكأنها مدخل للتفريط في أصول الدولة، الأمر الذي يرتبط بصورة ذهنية سلبية لدى المواطنين.
وأكد عضو كتلة الحوار الوطني حسام علي أن ميل الحكومة نحو تمكين القطاع الخاص توجه ضروري في قطاعات يمكن للدولة أن تتراجع عن إدارتها.
وقال لـ”العرب” إن “الخلاف الدائم مع الحكومة ليس في التوجه لكن في حوكمة عملية الخصخصة، بما يضمن الحصول على أعلى دخل لخزينة الدولة، ويتحقق ذلك عبر منح الإدارة لمستثمرين وليس مستثمرا واحدا يقوم باحتكار النشاط”.
وأشار إلى أن طرح إدارة وتشغيل المطارات للقطاع الخاص يمنح الحكومة مميزات، بينها تعظيم الفوائد والاستغلال الأمثل للبنية التحتية العملاقة، إلى جانب قدرته على بناء كوادر مدربة على أحدث النظم العالمية.
وأوضح علي أن الخطوة ستزيد من نشاط الشركات التي تقوم بعملية إدارة الضرائب للدولة، كما تبقى هناك فرصة مواتية لرفع كفاءة المطارات وتحسين تصنيفها وتنشيط السياحة.
وذكر أن ما تنوي الحكومة القيام به في قطاع المطارات يجب أن يسري على جميع المرافق التي تعاني من مشكلات إدارية وأزمات كثيرة بسبب عدم القدرة على استغلال الموارد بشكل جيد.
وشدد على أهمية أن تعمل الدولة على مراقبة جودة الخدمة ودعم التنافسية بين شركات القطاع الخاص للحصول على خدمة متميزة تعود بالفائدة على المواطنين.
واتخذت الحكومة في السنوات الماضية قرارات تدعم خصخصة المرافق العامة، خاصة في مجال النقل، واتسمت خطواتها بالبطء، الذي يعبر عن تردد في السير نحو هذا الاتجاه. وتعاقدت وزارة النقل مع شركات خاصة لإدارة وتشغيل قطارات البضائع بخطوط شبكة سكك الحديد وقطارات النوم.
ووقعت اتفاقا مع شركة تالغو الإسبانية لإقامة منشأة لتصنيع عربات قطار للركاب، والتجهيز لمنح الشركة ذاتها إدارة وتشغيل قطارات النقل المتميزة بالسكك الحديد.
وأعلن وزير النقل كامل الوزير في وقت سابق أن كافة وسائل النقل الحديثة، مثل شبكة القطارات الكهربائية السريعة والقطار الكهربائي الخفيف والمونوريل والأتوبيسات الترددية، سيتم إسناد إدارتها وتشغيلها إلى مشغلي قطاع خاص دوليين متخصصين.