الجفاف يجبر ليبيا على استيراد نحو 75 في المئة من حاجياتها الغذائية

طرابلس - تعدّ ليبيا من أكثر الدول جفافا في العالم، حيث تفوق نسبة الاستهلاك وبشكل كبير نسبة التغذية السنوية للمياه الجوفية، مع قلة الموارد المائية الطبيعية، وشح الهطولات المطرية السنوية.
وتحتل المركز السادس بين أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم، حيث بلغ مستوى الإجهاد المائي 817 في المئة عام 2020، فيما اعتمدت 50 في المئة من الأسر على المياه المعبأة.
ومنذ شتاء العام 2020، تعرف ليبيا انخفاضا كبيرا في معدل هطول الأمطار، حيث تراجع المعدل من ملياري متر مكعب من المياه سنويا، وبحسب البنك الدولي، يعتمد الإنتاج الزراعي المتواضع في ليبيا بشكل كبير على الري، لكن محدودية موارد المياه المتجددة إلى جانب الظروف المناخية القاسية والتربة الفقيرة، تحد بشدة من الإنتاج. ويرغم انخفاض المحاصيل الزراعية البلد على استيراد نحو 75 في المئة من الأغذية اللازمة لتلبية الاحتياجات المحلية.
وليبيا هي صحراء معظمها قاحل مع سهول مستوية إلى غير مستوية، ومناخ البحر الأبيض المتوسط يجعل أجزاء كثيرة من البلاد عرضة للفيضانات والعواصف الرملية والعواصف الترابية والتصحر.
ليبيا تستمدّ 90 في المئة من المياه من مصادر غير متجددة، فيما ينخفض المصدر الأساسي للمياه بسرعة أكبر من المتوقع
ويشكل تغير المناخ تهديدا كبيرا للتنمية الاقتصادية والاستدامة في ليبيا، ومن المرجح أن يؤدي تقلب المناخ إلى زيادة آثار المخاطر الطبيعية على الإنتاج الزراعي.
ومع وجود أكثر من 70 في المئة من السكان يعيشون في المدن الواقعة على طول الساحل، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يشكل خطراً وجودياً.
وأدت حالة الجفاف إلى إهمال وضعية السدود المائية في مختلف أرجاء البلاد، وهو ما تسبب في كارثة سيول الفيضانات التي جرفت جزءا كبير من مدينة درنة في العاشر من سبتمبر الماضي ما نتج عنه مقتل أكثر من 4200 من السكان المحليين، وذلك بعد انهيار السدّين الرئيسيين بالمدينة.
وكان مدير إدارة الشؤون العلمية في المركز الليبي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء المهندس محمد عبدالله، أكد على ضرورة دق نواقيس الخطر فيما يتعلق بملف الجفاف ومخاطره على الحياة بشكل عام في ليبيا، مشيرا إلى أن خطورة الوضع تتمثل في كون ليبيا هي إحدى أفقر الدول مائيا، وأن أمنها المائي يحتاج إلى إجراءات أكثر فعّالية عن طريق الاحتياط واتخاذ الإجراءات الوقائية، وهنا يأتي دور الجهات المسؤولة.
وأشار عبدالله إلى أن الجفاف الذي حدث في السنوات الأخيرة وقلة هطول الأمطار، قد يعصف بالثروة الزراعية والحيوانية والغطاء النباتي، لافتا إلى أن المركز الليبي للاستشعار عن بعد بصفته عضوا في اللجنة الوطنية لمكافحة التصّحر، يجري بحوثه العلمية باستمرار ويتابع الوضع المائي، بعد تأثر الغطاء النباتي بالجفاف الذي بدأت ملامحه تظهر على الواقع البيئي في البلاد.
وجددت اللجنة الوطنية لمكافحة التصحر ووقف الزحف الصحراوي تحذيرها من حدوث جفاف عام في كافة ربوع البلاد وذلك لشح الامطار، وأزمة تغير المناخ وتراجع مستوى نزول الغيث النافع وارتفاع درجات الحرارة وحدوث موجات طقس متطرفة على مراحل وفي السنوات الأخيرة.
وتضمنت التوصيات التي صاغها الفريق الفني المتخصص باللجنة، التأكيد على ضرورة العمل المشترك والتنسيق مع كافة الجهات ذات الاختصاص لاتخاذ تدابير عاجلة تحول دون توسع رقعة الجفاف وزحف المد الصحراوي على المناطق الخضراء، نتيجة لعدة عوامل أو سلوكيات تزيد من نسبة فرص حدوث جفاف عام.
ورأت اللجنة أن معالجة هذا الملف تحتاج إلى قيام كل وزارة أو هيئة حكومية بالتزاماتها وبكل جدية من واقع صلاحياتها المخولة بها قانونا، داعية إلى السرعة في تنفيذ توصياتها وذلك للحد وإيقاف خطر تمدد الزحف الصحراوي وللحيلولة دون وقوع جفاف عام سيضرب عصب الحياة ويهدد الأمن المائي.
وشهدت ليبيا تراجعا في كميات الأمطار المتساقطة على أغلب مناطق الشمال التي كانت معدلات الأمطار فيها 400 مليمتر في السنة، وهي الآن لا تصل حتى إلى 200 مليمتر، كما زاد معدل التبخر نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، مما سبب زيادة الرطوبة بشكل ملحوظ وجفاف التربة وزيادة معدل التصحر.
وتستمد 90 في المئة من المياه الليبية من مصادر غير متجددة، وهناك خطر يتمثل في أن مصدر المياه الأساسي في ليبيا سينخفض بسرعة أكبر من المتوقع، مع نضوب المياه الجوفية في المستقبل القريب كونها تستخلص من مصادر محدودة أحفورية.
وتعدّ معظم أراضي ليبيا صحراوية، حيث لا تزيد نسبة الأراضي الصالحة للزراعة عن 2 في المئة من مساحتها، وتعاني من انخفاض كبير في معدل هطول الأمطار، منذ شتاء العام 2020 وحتى مطلع العام الجاري. فبعدما كانت تستقبل نحو ملياري متر مكعب من المياه سنوياً، تراجع هذا المعدل بنسبة تزيد على 75 في المئة.
ويعيش حوالي 80 في المئة من سكان ليبيا البالغ عددهم 7 ملايين نسمة على امتداد ساحل البلاد، ويعتمدون على المياه العذبة التي تضخ عبر أنابيب النهر الصناعي من خزانات جوفية في جنوب البلاد، حيث تقع أيضا الحقول الغنية بالنفط في ليبيا.
وحذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بحث نشره تحت عنوان “تغير المناخ يهدد التنمية الاقتصادية والاستدامة في ليبيا”، من خطورة التغافل عن الخطر المناخي الذي يواجه البلاد، فيما أبرزت بعثة الاتحاد الأوروبي في تقرير لها أن ليبيا تعد من أكثر دول العالم تضرراً من آثار التغيّر المناخي والاحترار العالمي، داعية إلى التعجيل في التخطيط للتخفيف من آثار هذه التغيرات الشديدة وعواقبها على البلاد.
كما حذّرت من موجات جفاف وحرائق وندرة في المياه وارتفاع منسوب مياه البحر، وفيضانات وعواصف وتراجع في التنوع البيولوجي، فضلاً عن تحديات في الزراعة.
الجفاف في ليبيا أدى إلى إهمال وضعية السدود المائية في مختلف أرجاء البلاد، وهو ما تسبب في كارثة سيول الفيضانات التي جرفت جزءا كبير من مدينة درنة
واتفق البحث الأممي مع التقرير الأوروبي في التنبيه إلى أن ليبيا “إحدى أكثر دول العالم جفافا، حيث الطلب على المياه أكبر بكثير من إمداداتها المتجددة، كما أن الزيادات المتوقعة في درجات الحرارة وكذلك ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة حدوث الظواهر المناخية المتطرفة تثير المخاوف، وسط تهديدات بنفاد موارد المياه وغرق المجتمعات الساحلية وتراجع الإنتاج الزراعي، ما يزيد من مشكلة الأمن الغذائي”.
وأنذر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي خلال كلمته بالمؤتمر في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية في نوفمبر 2022 من”أن ليبيا تعد من أكثر الدول حساسية للتغيرات المناخية، حيث بدأ شح مياه الأمطار، وتراجع الموارد المائية في السنوات الأخيرة ينذر بموجات جفاف حادة، تزداد وتيرتها مع الوقت”. وهو ما يتطلب اتخاذ خطوات مهمة من قبل السلطات الحاكمة في سياق التفاعل مع التحولات لمناخية المهمة، وفق أغلب المراقبين.
وترى الهيئة العامة للبيئة أن تراجع مساحة الغطاء النباتي عبر قطع الغابات تسبب في ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع معدلات الغبار وزحف الرمال في طرابلس، ما يحتم ضرورة زرع أكثر من مليون شجرة لتحسين الحياة البيئية في العاصمة طرابلس.
كما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، من توسع التصحر الذي يعيد تشكيل الطبيعة في ليبيا، مشيرة إلى خطورة استبدال المساحات الخضراء بالمباني الخرسانية بشكل أكبر، وأشارت في بيان، إلى أن أكثر من 95 في المئة من البيئة الليبية تصنف على أنها صحراوية أو شبه صحراوية، مشددة على الحاجة إلى استعادة المناطق الخضراء وحمايتها باعتبارهما أمراً بالغ الأهمية، وأنها تعمل مع شركائها على اتخاذ إجراءات جادة لحماية البيئة في ليبيا حتى يتمتع أطفال البلاد بمستقبل أكثر إخضرارا.