الأضرار المتبادلة تضغط لتطبيع العلاقات بين الجزائر وإسبانيا

الجزائر - يسير الجليد السياسي المترسب بين الجزائر وإسبانيا خلال الفترة الماضية، إلى الذوبان التدريجي، فبعد عودة السفير الجزائري إلى مدريد ورسائل التهدئة التي أطلقها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، سجلت عودة تدريجية للنشاط التجاري بين البلدين.
وكانت عملية استيراد الصيصان أولى مؤشراتها، الأمر الذي سيسمح بعودة المنافع المشتركة للبلدين، لأن عودة الاستيراد الجزائري سيتيح للمؤسسات الإسبانية العودة للأسواق الجزائرية، بينما تراهن الجزائر على ذلك لاحتواء بعض الأزمات المتعلقة بالندرة والغلاء، كما هو الشأن بالنسبة للدجاج والبيض.
وأبرقت الحكومة الجزائرية مذكرة للجمعية المهنية للمؤسسات المصرفية والمالية، تقضي بتوطين عمليات التحويل المالية الموجهة لاستيراد مواد تسمين الدجاج وصغار الحضنة، مثل الصيصان وبيض التفريخ من دولة إسبانيا، وهو الأمر الذي سينهي أكثر من عام ونصف من القطيعة بين البلدين، مما أفرز أزمة مضاعفة لديهما.
ومن الجانب الإسباني تكبدت المؤسسات التي كانت تغطي الأسواق الجزائرية خسائر معتبرة، في حين سجلت انفلاتا غير مسبوق في الجزائر أدى إلى ارتفاع كبير لأسعار الدجاج والبيض بسبب ارتفاع كلفة الاستيراد من بريطانيا والمجر.
وتشكل عودة النشاط التجاري بين البلدين، آلية ناعمة للتطبيع السياسي والدبلوماسي بين الجزائر وإسبانيا، خاصة بعد عودة السفير الجزائر إلى مدريد عبدالفتاح دغموم، ورسائل الاستلطاف التي وجهها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز إلى القيادة السياسية الجزائرية، بتأكيده على "الطابع الإستراتيجي لعلاقات البلدين، والمصالح المشتركة، وتثمين العلاقات الثنائية بينهما".
وصرح لوسائل إعلام محلية، بأنه "لطالما قلت بأن الجزائر بلد صديق، ويمكننا الاعتماد على هذه الصداقة، وسنواصل العمل للحفاظ على أفضل العلاقات مع هذا الشريك الإستراتيجي"، وهو ما يلمح إلى نوايا مدريد في تطبيع علاقاتها مع الجزائر، خاصة وأن الأخيرة تمثل ممونا إستراتجيا لها بالغاز، وسوقا رائجة لمختلف البضائع الإسبانية.
وكانت الجزائر، قد أعلنت من جانب واحد منذ 19 شهرا، تعليق العمل باتفاقية الشراكة الإستراتجية وحسن الجوار مع إسبانيا، في أعقاب انحياز مدريد للمقاربة المغربية في حل النزاع القائم في الصحراء المغربية، حيث اعتبر حينها الرئيس الجزائري بأن “الحكومة الإسبانية تنصلت من مسؤولياتها السياسية والأخلاقية عن الملف بالإعلان عن الانحياز لصالح واحد من طرفي الصراع".
وأفضى القرار إلى أضرار متبادلة بين الطرفين، حيث فقدت مئات المؤسسات الإسبانية فرصة تموين السوق الجزائرية بمختلف المنتوجات، مما كبدها خسائر قدرت بنحو ثلاثة مليارات دولار، بينما تفاقمت ظاهرة الندرة والغلاء لدى الطرف الآخر، بسبب تغيير وجهات الاستيراد إلى جهات أخرى أكثر كلفة، وتجلى ذلك في بعض المواد الاستهلاكية كالدجاج والبيض.
وصرح رئيس مجلس الأعمال الجزائري الإسباني جمال بوعبدالله، بأنه "أمر طبيعي ومنطقي، بعد عودة سفير الجزائر إلى مدريد، وفتح خط جوي جديد بين العاصمتين، أن تعود المبادلات التجارية وحركة الأشخاص والبضائع بين البلدين، وهو ما نسعى إليه بشكل تدريجي”.
وأضاف “الجزائر اتخذت تدابير لحماية اقتصادها ومنتوجها المحلي، ولذلك فإن المبادلات تتوجه إلى البضائع المصنعة والتي تحتاجها الأسواق المحلية”، وهو تلميح إلى عودة مدروسة وفق خيارات الحكومة، في إطار سياسة حماية الإنتاج المحلي.
◙ عودة النشاط التجاري بين البلدين تشكل آلية ناعمة للتطبيع السياسي والدبلوماسي بين الجزائر وإسبانيا خاصة بعد عودة سفير الجزائر عبدالفتاح دغموم إلى مدريد
ويشكل قطاع الدواجن، بوابة لعودة المبادلات التجارية بين البلدين، في إطار نسق تدريجي لإذابة الجليد السياسي بعد أكثر من عام ونصف من القطيعة، خاصة وأن الجزائر حافظت على أسس تلك العلاقات فيما يتعلق بالالتزام باتفاقيات التموين بعقود الغاز، وجهود محاربة الهجرة السرية، حيث لم تستعملها كورقة ضغط على الإسبان.
ووفقا لمذكرة الحكومة للبنوك والمصارف، فإن “الترخيص يتعلق بثلاثة منتوجات مهمة على الأقل لقطاع الدواجن، وهي صيصان الدجاج اللاحم، والدجاج البياض والبيض المخصص للدواجن ( الفقس )”، في حين ينتظر توسيعها إلى منتجات أخرى في المجال الصناعي والزراعي.
وأكد في هذا الشأن، رئيس مجلس الأعمال جمال بن عبدالله، بأن "شركة كوب الإسبانية تمتلك 60 بالمئة من سوق الكتاكيت الجزائرية، وهذا ليس شيئا هينا، ولذلك ننتظر انخفاضا كبيرا في أسعار الدجاج في الجزائر، مع العودة إلى استيراد الكتاكيت الإسبانية".
وكانت الجزائر، قد لجأت فور اتخاذ قرار القطيعة مع إسبانيا إلى سوقي بريطانيا والمجر، الأمر الذي رفع أسعار الكلفة وأدى إلى التهاب أسعار المواد المذكورة في الأسواق المحلية، خاصة وأن منتوجي المصدرين المذكورين لم يتكيفا مع المناخ المحلي، الأمر الذي كبد المزارعين خسائر فادحة زادت في حدة الأسعار.