عبدالفتاح البرهان يجمد التعامل مع "إيغاد"

يفتح قرار السلطة الموالية للجيش في السودان تعليق التعامل مع الهيئة الحكومية “إيغاد”، وقبلها ضرب منبر جدة، أبواب خيارات لا يريدها السودانيون الذين كانوا يأملون في أن تتحلى قيادة الجيش بالمسؤولية، وتتخذ قرارات جريئة للسلام بعيدا عن أجندة فلول النظام السابق.
الخرطوم - قررت الحكومة السودانية الموالية لقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إيقاف الانخراط وتجميد التعامل مع الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد)، وذلك قبل يومين من قمة طارئة ستعقدها الهيئة لبحث الأزمة السودانية الراهنة. ويرى متابعون أن القرار كان متوقعا وسبق وأن جرى التلميح له حينما أعلن مجلس السيادة برئاسة البرهان، السبت رفض دعوة هيئة إيغاد إلى المشاركة في القمة التي ستحتضنها أوغندا غدا الخميس.
ويقول المتابعون إن الخطوة تعزز القراءة التي تتحدث عن مسعى للجيش ومن خلفه فلول نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير لإضعاف دور الهيئة التي كان يراهن عليها السودانيون للعب دور متقدم في إحلال السلام في البلاد. ويلفت المتابعون إلى أن ضرب منصة إيغاد وقبلها منبر جدة، قد يفسح المجال بشكل جدي لتدخل أممي تحت الفصل السابع.
ووفق بيان لوزارة الخارجية السودانية، فقد “أبلغ وزير الخارجية المكلف علي الصادق نظيره بجمهورية جيبوتي رئيس مجلس إيغاد الوزاري، بصفة جيبوتي رئيسا لدورة إيغاد الحالية، عبر رسالة مكتوبة، قرار الحكومة وقف الانخراط وتجميد التعامل مع إيغاد بشأن ملف الأزمة في السودان". وأرجعت الخارجية السودانية قرارها إلى ما اعتبرته "تجاوزات" ارتكبتها إيغاد “بإقحام الوضع في السودان ضمن جدول أعمال القمة الاستثنائية الثانية والأربعين لرؤساء دول وحكومات إيغاد المقرر عقدها في العاصمة الأوغندية كمبالا، دون التشاور مع الحكومة السودانية".
واعتبرت الخارجية السودانية أن دعوة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" للحضور، "سابقة خطيرة في تاريخ إيغاد والمنظمات الإقليمية والدولية". كما وصفت في رسالتها دعوة حميدتي بـ”انتهاك لسيادة السودان، ومخالفة جسيمة لمواثيق إيغاد، والقواعد التي تحكم عمل المنظمات الدولية والإقليمية”. وكان الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، أعلن الموافقة على المشاركة في قمة منظمة إيغاد، في إشارة جديدة منه إلى التزامه بدعم جهود تحقيق السلام وإنهاء الحرب.
وقد أبدى السودانيون ارتياحا كبيرا لخطوة إيغاد بإعلان عقد قمة طارئة بشأن الوضع في السودان، وأمل السودانيون في أن يجري لقاء بين الجنرالين المتخاصمين يتم من خلاله اتخاذ خطوات جريئة نحو السلام، لكن قرار البرهان رفض المشاركة وما استتبعه من إعلان للخارجية السودانية عن تجميد التعامل مع الهيئة، يؤشران على أن فرص إيجاد مخرج للأزمة السودانية الراهنة ضئيلة.
ويرى سياسيون سودانيون أن العقبة الأساسية تكمن في تأثير فلول النظام السابق على قرارات قيادة الجيش، وهو الأمر الذي يحول دون تحقيق أي تقدم. وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المعز حضرة إن المواقف المتشددة لوزارة الخارجية السودانية تبرهن على أن هناك تناقضا واضحا في معسكر الجيش، وأن ذلك يؤكد ما أشارت إليه القوى السياسية السودانية مرارا من أن الخارجية أضحت المركز الرئيسي لفلول حزب المؤتمر الوطني المنحل، ويديرون علاقاته الخارجية دون البحث عن مصالح السودان، مشيرا إلى أن الوزارة تقف منذ اندلاع الحرب ضد السلام والتفاوض، وفي مرات عديدة أفشلت محاولات دولية كانت يمكن أن تقود إلى وقف الحرب.
وأوضح حضرة في تصريح لـ”العرب” أن الانقلاب على السلطة المدنية في أكتوبر من العام 2021 ساهم في عودة الدبلوماسيين المحسوبين على المؤتمر الوطني مرة أخرى إلى الوزارة، كما أن الخطابات العدائية التي أصدرتها ضد منبر جدة تارة وإيغاد تارة أخرى تثبت أن من يصوغها يفتقد لأدني مهارات الدبلوماسية، ويمكن القول بأنها تصدر عن وزارة الدفاع وليس الخارجية.
ولفت القيادي إلى أن الجنرال البرهان ذاته يعاني من التناقضات لأن ذهابه إلى كينيا وجيبوتي وطلبه السلام بعد إفشال مساعي منبر جدة بدا كأنه يبحث عن السلام ويدعم جهود إنهاء الحرب، لكن بعد أن تعرض لضغوط من فلول البشير تراجع وذهب باتجاه مناقض، وهو ما يؤكد أنه لا يحمل خارطة طريق للمستقبل لإنهاء الحرب، كما أن الحجة التي يسوقها مجلس السيادة ووزارة الخارجية بشأن عدم حضور حميدتي للاجتماع السابق في جيبوتي كمبرر لمقاطعة قمة إيغاد في أوغندا ثم وقف التعامل مع الهيئة بشأن الأزمة السودانية غير مقنعة. ودعت القمة السابقة لإيغاد إلى اجتماع فوري بين فرقاء السودان، يهدف إلى دمج مقترحات منبر جدة والخارطة الأفريقية لحل الأزمة المستعرة منذ أبريل الماضي.
وكان من المفترض أن يعقد لقاء بين حميدتي والبرهان في ديسمبر الماضي تنفيذا لمخرجات قمة إيغاد، لكن اللقاء تعثر لأسباب فنية، ليشكل ذلك ذريعة للبرهان للتملص من اللقاء. وإيغاد منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1969، وتتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم كلا من “إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وإريتريا والسودان وجنوب السودان". ومنذ منتصف أبريل الماضي يشهد السودان حربا بين الجيش و"الدعم السريع" خلفت أكثر من تسعة آلاف قتيل، فضلا عما يزيد عن 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.
وأكد المعز حضرة في تصريحاته لـ”العرب” أن تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق ومعاناة أكثر من 40 مليون مواطن في الداخل والخارج من تبعات الحرب يستوجبان ضرورة الذهاب نحو السلام وأن تكون لدى البرهان الجرأة على قطع علاقاته بفلول البشير، والبديل الآن بعد إغلاق الباب في وجه إيغاد سيكون التدخل الأممي تحت الفصل السابع بما يساهم في تخفيف حدة الأزمات الإنسانية والضغط باتجاه وقف الحرب، على الرغم من أن السودانيين حققوا إنجازا سابقا ولم يكن الكثير يحلم به وهو إنهاء التدخل الأممي وفق هذا البند.