فخ "الحلّة" المصرية

المسؤولون يثقون في "حلّتهم" التي صنعوها على أعينهم خلال سنوات طويلة، وهو ما جعل كل من بداخلها هادئا ومطمئنا لعدم تهديد عرشه.
الأربعاء 2024/01/17
هل مصر معدومة الكفاءات في مجال الإعلام؟

المقصود هنا الإناء أو القِدر أو الوعاء، وبالعامية المصرية “الحلّة” التي توضع فيها كل أنواع الأكل للطبخ. وهي كلمة اكتشفت أن لها استخدامات أخرى، حيث يتم وضع بعض الشخصيات المصرية داخل “الحلّة” ووضع الغطاء عليها بإحكام.

تقوم أجهزة معينة في الدولة منذ سنوات طويلة بتأهيل من يتم وضعهم من شخصيات عديدة وتدويرهم على مناصب مختلفة في فترات زمنية متقاربة أو متباعدة، وغير مسموح لأحد بدخول الوعاء إلا بعد المرور باختبارات لكشف الكذب وتأكيد الولاء أو النفاق، ولا يخرج منه إلا من ارتكب جريمة كبيرة أو فقد الشروط الواجبة للاستمرار.

هناك قِدر أو حلّة للسياسيين والاقتصاديين والإعلاميين وغيرهم، يتم الاعتماد عليهم دوما، ويكوّن هؤلاء ما يشبه اللوبي أو الشلة أو النادي الاجتماعي للدفاع عن مصالحهم المشتركة ومنع اختراقهم أو السماح بدخول عضو جديد قد يمثل خطرا عليهم.

سمعت عن نظرية أو فخ الحلّة المصرية من أحد الأصدقاء دار حوار بينه وبين مسؤول مهم في الدولة، نقل إليه الثاني شكواه من ضعف أداء الإعلام المصري في مواجهة التحديات الخارجية وعدم وجود الكثير من الإعلاميين الذين يدافعون بمنطق عن مصالح الدولة، وفهم منه الصديق أن مصر معدومة الكفاءات في هذا الجانب.

رد عليه باستفاضة وأن هناك عشرات من الأسماء يمكن الاعتماد عليها وتستطيع القيام بدور إعلامي متميز، وسرد له نماذج منها داخل مصر وخارجها، فكانت إجابة المسؤول أن كل هؤلاء لا يعرفهم، وهم خارج نطاق الحلّة التي يتم الاختيار منها، بما يفيد أن ولاءهم غير مضمون، أو على الأقل مشكوك فيه، فقد يكون لدى بعضهم هامش للاجتهاد الخاص غير مطلوب في هذه المرحلة.

يتم العمل بنظرية الحلّة منذ زمن في مصر، وكل ما تغير أن من وُضعوا داخلها الآن أقل عددا وكفاءة من ذي قبل، ما يفسر ضيق الخيارات وبؤس الحال في الإعلام، فكل من هم خارجها غير مأمون جانبهم وليسوا محل ثقة الكثير من المسؤولين، مع أن بعضهم أو جُلهم يمكنهم القيام بما يقوم به من هم داخل الحلّة باقتدار وجدارة مهنية.

تسببت هذه الطريقة في خسارة الدولةِ العديدَ من الكفاءات المهنية التي يمكن أن تساعدها في هذه المرحلة، لأن المسؤولين يثقون في “حلّتهم” التي صنعوها على أعينهم خلال سنوات طويلة، وهو ما جعل كل من بداخلها هادئا ومطمئنا لعدم تهديد عرشه، وإذا خرج يعلم أنه سيعود إليها قريبا في صورة أخرى وربما مكانة أفضل.

أصبحت الحلّة ومن في داخلها فخا، فلا يستطيع المسؤولون تفريغها وإدخال عناصر أخرى، لأن الغطاء صار محكما، ومن يمتلك مفاتيحه غير قادر على التغيير خوفا من رياح تهب فتأخذ في طريقها ما تم بناؤه عبر عشرات السنين. ولذلك هو أكثر حرصا على بقاء الحلّة بكل مشتملاتها  الجيدة والعطنة حتى تحولت إلى جزء رئيسي من البيروقراطية الخطرة في مصر.

18