"أزهار شنغهاي".. مسلسل يثير أزمة تراث في الصين

ولّد مسلسل “أزهار شنغهاي” الصيني، والذي تدور أحداثه في مدينة شنغهاي خلال تسعينات القرن الماضي، حالة من الحنين إلى ماضي المدينة ولهجتها التي بدأت تختفي.
شنغهاي - سرقت لهجة شنغهاي في مسلسل “أزهار شنغهاي” البطولة من النجمَين الصينيَين بطلَي المسلسل هو جي وما ييلي، وهي لهجة محلية كانت تشكّل في الماضي علامة فارقة بين السكان المحليين والأجانب في هذا المركز التجاري والمالي الصيني.
مع هذا المسلسل الذي طال انتظاره، يدخل المخرج المتحدر من هونغ كونغ وونغ كار – واي عالم الشاشة الصغيرة ليروي قصة نجاح شخص عادي أصبح قطب أعمال في خضمّ الانفتاح الاقتصادي للصين.
ورغم أن نحو 14 مليون شخص تقريبا مازالوا ينطقون بها، اختفت لهجة شنغهاي إلى حد كبير من الاستخدام اليومي والمهني، بعد عقود من الجهود التي بذلتها الحكومة في سبيل نشر لغة الماندرين.
وفي معرض مخصص للمسلسل أمام فندق “بيس هوتيل” في شنغهاي تقول شيي نيون (22 عاماً) لوكالة فرانس برس “بثّت فيَّ مشاهدتي (للمسلسل) مشاعر الأُلفة وشعرتُ بسعادة غامرة لأننا نحن سكان شنغهاي أصبح لدينا مسلسلنا التلفزيوني الخاص”.
وتُعدّ لغة الماندرين لغة الصين الرسمية، لكن سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار شخص ينطقون كذلك بالعشرات من اللهجات المحلية الأخرى التي تعتبرها بكين بشكل رسمي لهجات، غير أن بعض الخبراء اللغوين يعتبرونها لغات قائمة بذاتها.
وأحدث المسلسل الذي بدأ بثه في الشهر الماضي ضجة كبيرة، إذ يمكن مشاهدته بلغة الماندرين وبلغة شنغهاي. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر مقاطع فيديو حول تعابير بلغة شنغهاي ومنشورات بشأن دقّة المصطلحات المستخدمة في المسلسل.
وتُذكّر الضجة بتلك التي أحدثها الفيلم الرومانسي الكوميدي “بي فور بيزي” الذي صدر في عام 2021 وتضمّن أحاديث بلغة شنغهاي. لكن شهرة المخرج وونغ كار – واي والممثلين في مسلسله أدّت إلى تضخيم هذه الظاهرة مع مسلسل “أزهار شنغهاي”. ويتوافد المعجبون بالمسلسل إلى مواقع التصوير بوسط شنغهاي وفندق “بيس هوتيل” ومسرح “كاثاي” المصمم على طراز الفن الزخرفي (آرت ديكو).
وفي كلّ أرجاء المدينة تحاول المطاعم بقوائمها أن تستفيد من شعبية “أزهار شنغهاي” لتقديم أطباق شبيهة بما يتضمنه المسلسل، فيما تُظهر بيانات مواقع التوصيل إقبالاً كبيراً على شراء الأطباق المقدّمة في المسلسل.
وتقول الثلاثينية دوان المقيمة في شنغهاي، في حديث مع وكالة فرانس برس، إنها شعرت خلال مشاهدتها المسلسل “بأنها تعيش الأيام السعيدة التي عاشها أهلنا حين كانوا في مثل سنّنا”.
وتوضح أنها بحاجة إلى ترجمة لتتمكن من فهم الحوارات، لكنها تفضّل رغم ذلك مشاهدة النسخة بلغة شنغهاي لأن “النسخة بالماندرين ليست لها النكهة نفسها تماما”.
لكن إعادة استخدام لغة شنغهاي تستوجب جهوداً أكبر من مجرّد بث مسلسل تلفزيوني، خصوصاً في ظلّ اعتبار الحزب الشيوعي الحاكم لغة الماندرين أداة توحيد لتعزيز قيمه السياسية وأيديولوجيته ويسعى إلى كبح جماح اللهجات المحلية.
وتثير هذه السياسة احتجاجات في مقاطعة غوانغدونغ بجنوب الصين وصولاً إلى منغوليا الداخلية (شمال)، فيما تقول منظمات حقوقية إن لغة الأويغور في شينجيانغ بدأ استبدالها تدريجياً بالماندرين. وبالرغم من أن اللهجات المحلية ليست محظورة بالكامل تُستخدم لغة الماندرين بشكل أساسي في المدارس والأعمال والاتصالات الرسمية ولها الأسبقيةعلى اللغات المحلية، خصوصا بين الشباب.
ويقول الخبير اللغوي تشيان نايرونغ إن قرار الحكومة الذي صدر عام 1992 في شنغهاي ومنعت بموجبه استخدام اللهجة المحلية في المدارس تسبب في حدوث “أزمة تراث”.
وبالتالي أصبحت الماندرين اللغة الأساسية في المدينة رغم الجهود الأخيرة لإعادة تقديم اللغة المحلية في إعلانات وسائل النقل العام والأنشطة خارج المقررات الدراسية.
وفي مدرسة صغيرة للغات، يقدّم جاسون وانغ مع حفنة من المعلّمين دروساً في لغة شنغهاي لطلّاب غالبيتهم من الأجانب. ويقول إن نقص الكتب المدرسية الحديثة لتعليم لغة شنغهاي يشكّل مشكلة، وكذلك عدم وجود طريقة موحدة لكتابة أصوات أحرف لغة شنغهاي.
ويأمل جاسون وانغ في أن تُستخدم لغة شنغهاي أكثر في الأفلام والموسيقى، خصوصاً بعدما دفعت الشعبية الكبيرة لثقافة هونغ كونغ البعض إلى “تعلّم اللغة الكانتونية لأنه أحب الموسيقى الكانتونية كثيرا”. وفي شوارع شنغهاي تقول يو الستينية إنها متفائلة بشأن العودة التدريجية إلى اللهجة المحلية، مضيفة “إنها ثقافة متجذرة في شنغهاي ولا يجب أن تضيع”.